ما سر قلق السعودية والإمارات عقب التوترات بين إيران وإسرائيل؟

بقلم جورجيو كافييرو

ترجمة وتحرير مريم الحمد

أطلقت إيران مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل قبل أيام، وذلك رداً على هجوم جوي إسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق في وقت سابق من هذا الشهر.

تمثل هذه التطورات إرهاصات ربما لعصر جديد في الشرق الأوسط، وكأنها بمثابة إعلان انتهاء  “حرب الظل” بين إيران وإسرائيل، حيث أصبحت المواجهة مباشرة بين هاتين القوتين الإقليميتين.

هذه الحالة التي ما تزال ملامحها مجهولة تشعل القلق من مخاطر كبيرة بالنسبة لأعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، والذين يسعون إلى تجنب الوقوع في مرمى ديناميكيات الصراع المتصاعدة في المنطقة، خوفاً على أمنهم القومي وصحة بلادهم اقتصادياً.

“في ضوء الحروب المستمرة منذ عقود في الشرق الأوسط، أعتقد أن القلق الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي هي أن تدخل في حرب أخرى إلى الأبد، قد تنتهي فيها دول مجلس التعاون الخليجي” – نواف بن مبارك آل ثاني- خبير أمني قطري

باستثناء البحرين، أدانت جميع دول مجلس التعاون الخليجي الضربة الإسرائيلية على المنشأة الدبلوماسية الإيرانية في سوريا في 1 أبريل، ولكن الكويت كانت الوحيدة التي ذكرت اسم إسرائيل صراحة، بينما حاولت كل من الإمارات والسعودية، على ما يبدو، تحقيق التوازن الذي منعهما من الظهور في صف “محور المقاومة” الذي تقوده إيران.

وبعد انتقام طهران الجريء، أعربت دول مجلس التعاون الخليجي عن قلقها ودعت إلى وقف التصعيد، وإن كان ذلك دون إدانة إيران بشكل مباشر، كما نفت السعودية بسرعة التقارير التي أفادت بتورطها في اعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية التي أطلقت على إسرائيل.

مع تصاعد التوتر في المنطقة، لا تريد أن تظهر كل من الإمارات والسعودية وكأنها بصف إيران أو بصف إسرائيل، فبعد استعادتها للعلاقات الدبلوماسية الكاملة مع إيران بعد عامين فقط من تطبيع العلاقات مع إسرائيل عام 2020، تريد أبوظبي الحفاظ على موقف “محايد” نسبياً في نظام الشرق الأوسط، في حين أن السعودية كانت تقترب من تطورات مماثلة على الساحة الدولية.

تسعى كل من الإمارات والسعودية إلى أن تصبحا مراكز تجارية تربط مناطق متعددة من العالم، كجزء من رؤيتهما لمستقبل ما بعد النفط، ومن خلال التركيز على تحقيق التنويع الاقتصادي والازدهار على المدى الطويل في الداخل، تريد دول مجلس التعاون الخليجي الاستقرار داخل حدودها وفي جميع أنحاء المنطقة المجاورة.

الأمن الإقليمي

ترى عالمة الاجتماع الإماراتية الباحثة في مركز الوليد بجامعة إدنبرة، ميرا الحسين، ، أن الإمارات والسعودية “تركزان بشدة على تنمية اقتصاداتهما وجذب الاستثمار الأجنبي، رغم وجود درجة ما من عدم الاستقرار في المنطقة وخارجها”، مضيفة أن الدولتين حاولتا “إثبات فائدتهما من خلال جلب الأفراد ذوي الثروات العالية وأعداد كبيرة من العمال المهرة إلى المنطقة، إلا أن الدرجة العالية من عدم الاستقرار يمكن أن تقضي على كل هذه المكاسب”.

“إذا أظهر الإسرائيليون ضبط النفس، سواء من خلال عملية عسكرية محدودة أو عملية بأقل عدد من الضحايا، فإن العلاقة السعودية-الإيرانية لن تتغير، ولكن علينا أن ندرك أننا نبحر في مياه مجهولة، وأن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة” – نواف بن مبارك آل ثاني- خبير أمني قطري

وأكدت الحسين أنه “ليس سراً أن دول الخليج تشعر بقلق بالغ من محاولة إيران الجريئة لإعادة تحديد قواعد الاشتباك مع إسرائيل والولايات المتحدة، لكن أكثر ما يثير قلقها هو إمكانية نقل هذه المواجهات إلى شواطئ الخليج”.

وفي حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار نواف بن مبارك آل ثاني، الخبير الأمني ​​الذي عمل سابقًا كملحق دفاعي لقطر لدى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك،إلى أنه “في ضوء الحروب المستمرة منذ عقود في الشرق الأوسط، أعتقد أن القلق الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي هي أن تدخل في حرب أخرى إلى الأبد، قد تنتهي فيها دول مجلس التعاون الخليجي”.

من جانب آخر،فقد كرر العديد من المعلقين في الخليج والأردن، فيما بدا وكأنه حملة منسقة، أن الهجوم الذي شنته إيران في 13 أبريل كان بمثابة مسرحية، الأمر الذي ساهم في تعزيز روايات كل من إيران وإسرائيل.

 ومن هذا المنطلق، فإن تصرفات إيران لم تكن مفيدة بالنسبة لوقف إطلاق النار في غزة أو تقريب الفلسطينيين إلى إقامة دولتهم، بل كانت حتى بالغة الخطورة من وجهة نظر أمنية إقليمية.

وهنا نطرح سؤالاً مهماً عن كيفية تأثير الأعمال العدائية الأخيرة على الانفراج الجديد بين الرياض وطهران؟ فكل الأسباب التي دفعت السعودية إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران العام الماضي لا تزال قائمة، هذا ينطبق أيضاً على الجانب الإيراني، ومن هنا نفهم رد الرياض المتوازن والمدروس وتصميمها على النأي بنفسها عن القصف الأمريكي البريطاني لأهداف الحوثيين في اليمن، فهي لا تريد المجازفة بالوفاق مع طهران.

“مياه مجهولة”

على الجانب الآخر، لا تزال السعودية متوجسة من إيران وحلفائها في المنطقة والتي لديها تاريخ من العداء مع المملكة.

ويتمثل أحد المخاوف الرئيسية لصانعي السياسات في الرياض بالقلق من الكيفية التي قد تتصرف بها أي من الجماعات المدعومة من إيران في “محور المقاومة” إذا خرجت التوترات الإقليمية عن السيطرة، وكيف يمكن أن يؤثر سلوكها على المصالح الأمنية والجيوسياسية لأعضاء مجلس التعاون الخليجي، فهذه العوامل تعد اختباراً للوفاق السعودي الإيراني.

“أعتقد أن دول الخليج تدرك أن العلاقة مع إسرائيل ليست متبادلة، ولا ترغب الولايات المتحدة في تقديم مكافآت جديرة بالاهتمام لما تعتبره الولايات المتحدة بشكل أساسي اتفاق مراقبة بين دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة وإسرائيل” – ميرا الحسين- باحثة في مركز الوليد في جامعة إدنبرة

إضافة إلى ذلك، فإن كيفية رد إسرائيل في المستقبل يعد محدداً أساسياً، فوفقاً لما يراه آل ثاني: “إذا أظهر الإسرائيليون ضبط النفس، سواء من خلال عملية عسكرية محدودة أو عملية بأقل عدد من الضحايا، فإن العلاقة السعودية-الإيرانية لن تتغير، ولكن علينا أن ندرك أننا نبحر في مياه مجهولة، وأن الأمور يمكن أن تخرج عن السيطرة بسرعة كبيرة”.

من الأهمية بمكان أن نفهم أن دوافع إيران لإطلاق الطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل لم تكن تتعلق فقط بالردع، حيث سعت طهران إلى إرسال رسالة مهمة إلى جيرانها حول مدى تطور الأسلحة الإيرانية ودقتها، والإثبات لدول مجلس التعاون الخليجي أن التزام واشنطن بأمن إسرائيل يتجاوز أي شيء يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لحلفائها وشركائها في شبه الجزيرة العربية.

 رد فعل نتنياهو قد يشكل الفارق بين صراع محدود وحرب إقليمية

تقول الحسين: “أعتقد أن دول الخليج تدرك أن العلاقة مع إسرائيل ليست متبادلة، ولا ترغب الولايات المتحدة في تقديم مكافآت جديرة بالاهتمام لما تعتبره الولايات المتحدة بشكل أساسي اتفاق مراقبة بين دول مجلس التعاون الخليجي المختلفة وإسرائيل”، وذلك في إشارة إلى اتفاقيات التطبيع عام 2020 بين إسرائيل و4 دول عربية.

تعليقاً على افتقار أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى النفوذ لإقناع تل أبيب بوقف التصعيد، أشارت الحسين إلى أنه “يتم ترك دول الخليج لإدارة علاقاتها الفردية مع إيران في حين يتعين عليها أيضاً إدارة التوقعات المحلية والاستياء المتزايد من سياساتها داخلياً”.

تسبب هذه الديناميكيات القلق الشديد للمسؤولين في دول مجلس التعاون الخليجي حول ما قد يكون عليه مستقبل المنطقة، ومع عدم رغبة دول الخليج وإيران وإدارة بايدن في المزيد من التصعيد، فإن النتيجة تتوقف على ما سيفعله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

يبقى السؤال إذن، ماذا يريد نتنياهو؟ حيث يرى آل ثاني أنه “بقدر ما يخدم ذلك مسيرته السياسية، إلا أن الأمر قد ينتهي به إلى اختيار غير حكيم، وبالتالي دفع الصراع إلى مرحلة أخرى”، وبهذا المعنى، فإن رد فعل نتنياهو قد يشكل الفارق بين صراع محدود وحرب إقليمية.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة