بقلم ريحان عُدين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بشكل مفاجئ عام 1996، صرح مفتي قبرص، الراحل ناظم الحقاني، بأن تشارلز الثالث، الذي كان ولي العهد آنذاك، مسلم سراً، فقال في مقابلة له “نعم، إنه مسلم، لا أستطيع أن أقول إلا أن ذلك حدث في تركيا”، فكان رد قصر باكنغهام أن ذلك “هراء”!
الحقيقة أن تشارلز الثالث، الذي تسلم حكم بريطانيا في سبتمبر عام 2022، بعد وفاة والدته إليزابيث الثانية عن عمر يناهز 96 عاماً، ليس مسلماً بالسر، لكن إعجابه ومعرفته بالعقيدة الإسلامية هما الشيء الموثق بالتأكيد، فقد ألقى الرجل البالغ من العمر 73 عاماً العديد من الخطب سابقاً في الموضوعات الدينية والتاريخية المتعلقة بالإسلام والمسلمين، حتى أنه كشف ذات مرة أنه كان يتعلم اللغة العربية من أجل فهم القرآن.
فما هي أهم المواقف التي أشار فيها الملك تشارلز الثالث للإسلام خلال العقود الماضية؟
-
البيئة والعالم الطبيعي:
تشارلز معروف بدفاعه عن القضايا البيئية وتغير المناخ، وقد استشهد سابقاً بالدين الإسلامي في سياق هذا الموضوع، ففي خطاب ألقاه عام 1996 تحت عنوان “بناء الجسور بين الإسلام والغرب”، اقترح استعانة الغرب بوجهات النظر الإسلامية حول نظام العالم الطبيعي والبيئة، معتبراً أن ذلك سوف يساعد الغرب في إعادة التفكير بالبيئة بطريقة أكثر إيجابية.
أعاد تشارلز شرح رأيه ذلك بالتفصيل في خطاب ألقاه عام 2010 في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية، حيث قال آنذاك “من خلال ما أعرفه من التعاليم الجوهرية في الإسلام، فإن المبدأ المهم الذي يجب وضعه في الاعتبار هو أن هناك حدوداً لوفرة موارد الطبيعة، وهي ليست حدوداً اعتباطية، بل يفرضها الله، حسب ما فهمت من القرآن”.
“العلامة الحقيقية للمجتمع المتحضر هي الاحترام الذي يظهره للأقليات والغرباء، الصراع الأخير حول الرسوم يظهر الخطر الذي يأتي من فشلنا في الاستماع واحترام ما هو ثمين ومقدس للآخرين”
وفي موقف آخر وصف تشارلز الإسلام بقوله أنه “يمتلك واحدة من أعظم كنوز الحكمة المتراكمة والمعرفة الروحية المتاحة للإنسانية، وهو أمر تم حجبه بسبب التوجه نحو المادية الغربية”، وأضاف “الحقيقة المزعجة هي أننا نتشارك هذا الكوكب مع بقية المخلوقات لسبب مهم، وهو أننا لا يمكننا العيش بمفردنا دون شبكة الحياة المتوازنة والمعقدة من حولنا بذات الوقت، لقم علم الإسلام هذا دوماً”.
لم يقف عند ذلك، بل أخذ يسرد أمثلة من التخطيط الحضاري الإسلامي عبر القرون، بما في ذلك أنظمة الري في إسبانيا منذ 1200 عام، كأمثلة على كيفية الحفاظ على التعاليم النبوية لتخطيط الموارد على المدى الطويل لصالح الاقتصاد قصير الأجل على حد وصفه، ولا أدل على إعجابه هذا من حديقة منزله في جلوسيسترشاير المستوحاة من التقاليد الإسلامية والنباتات المذكورة في القرآن.
-
الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية والآيات الشيطانية:
خلال زيارة له إلى جامعة الأزهر في القاهرة عام 2006، انتقد الملك تشارلز نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية قبل عام من ذلك، والتي كانت تسخر من النبي محمد عليه الصلاة والسلام، حيث قال “العلامة الحقيقية للمجتمع المتحضر هي الاحترام الذي يظهره للأقليات والغرباء، الصراع الأخير حول الرسوم يظهر الخطر الذي يأتي من فشلنا في الاستماع واحترام ما هو ثمين ومقدس للآخرين”.
وفي عام 2014، نقلت مجلة فانيتي فير، في حديث لها مع الكاتب الإنجليزي مارتن أميس، ما قاله عن نقاش جمعه بالملك تشارلز بشأن رفضه الواضح لدعم الإيراني سلمان رشدي بعد صدور فتوى ضده على خلفية روايته التي أصدرها عام 1989 “آيات شيطانية”، وكان الإيراني آية الله الخميني قد أعلن فتوى ضد رشدي بتهمة بإهانة الإسلام، وأشار أميس إلى أن تشارلز قال أنه لن يقدم الدعم “إذا أهان شخص ما أعمق قناعات شخص آخر”.
-
الإسلام والغرب:
تحدث تشارلز عن حاجة الغرب لفهم الإسلام بشكل أفضل، خاصة في خطاب ألقاه في مركز أكسفورد للدراسات الإسلامية في أكتوبر عام 1993، ويتم الاستشهاد به كثيراً حتى اليوم، منها قوله “إذا كان هناك الكثير من سوء الفهم في الغرب حول الإسلام، فإن هناك الكثير من الجهل أيضاً بما تدين به ثقافتنا وحضارتنا للعالم الإسلامي”.
أشار في نفس الخطاب إلى أن الإسلام “حافظ على نظرة ميتافيزيقية موحدة للعالم، بينما فقدها الغرب بعد الثورة العلمية”، كما دعا الناس إلى مقاومة ربط التطرف بالإسلام فقال “يجب ألا نميل إلى الاعتقاد بأن التطرف هو السمة الجوهرية للمسلم، فالتطرف ليس حكراً على الإسلام، بل موجود في المعتقدات الأخرى ومنها المسيحية أيضاً”، مشيراً إلى أن غالبية المسلمين معتدلون، لأن دينهم “دين الوسط ، فالنبي محمد كان يكره التطرف” على حد وصفه.
-
الاقتصاد الإسلامي
في خطابه الذي ألقاه أمام المنتدى الاقتصادي الإسلامي العالمي عام 2013 في لندن، أظهر تشارلز معرفة واسعة بالتمويل الإسلامي والفوائد التي يمكن أن يجلبها للأسواق المالية العالمية، قائلاً “إنها بالتأكيد فكرة جيدة أن نستكشف كيف يمكن للروح المتأصلة في الاقتصاد الأخلاقي الموجود في الإسلام أن تساهم في اتباع منهج عادل وأخلاقي في إدارة المخاطر في الاستثمار من المشاركة في المخاطر والمضاربة وتقاسم الأرباح”.
“يجب على أي شخص يشك في الإسلام والمسلمين محاولة القيام ببعض العمليات الحسابية البسيطة باستخدام الأرقام الرومانية، فسوف يكتشف بلا شك أن الحمد لله على وجود الأرقام العربية ومفهوم الصفر الذي أدخله علماء الرياضيات المسلمين في الفكر الأوروبي”!- الملك تشارلز الثالث
كما أكد تشارلز على المفهوم الإسلامي للربا في تحقيق العدالة في استهلاك الموارد الطبيعية بقوله “أظن أن تطبيق أمر القرآن في الربا على النظام الاقتصادي السائد اليوم، فإن الدين الذي تراكم علينا لأجيال قادمة فعلياً بسبب استنزاف رأس المال الطبيعي للأرض، كان من الممكن أن يكون ترك الربا حلاً حقيقياً له، ولذلك يمكن أن يكون تطبيق جوانب من النظام المالي الإسلامي مفيداً في صياغة نهج أكثر أخلاقية وعدالة”.
-
تأثير المسلمين في العالم:
من خلال قراءاته، أشار تشارلز أيضاً إلى إنجازات المسلمين في العلم والفن والاوساط الأكاديمية، ففي كلمة ألقاها في جامعة الأزهر عام 2006 قال “علينا أن نتذكر أننا في الغرب مدينون لعلماء المسلمين، بفضلهم ظلت كنوز التعلم الكلاسيكي حية خلال العصور المظلمة في أوروبا”.
وفي عام 2003، علق في كلمة في معهد ماركفيلد للتعليم العالي في منطقة ليستر ساير، على مساهمة الإسلام في الرياضيات بقوله “يجب على أي شخص يشك في الإسلام والمسلمين محاولة القيام ببعض العمليات الحسابية البسيطة باستخدام الأرقام الرومانية، فسوف يكتشف بلا شك أن الحمد لله على وجود الأرقام العربية ومفهوم الصفر الذي أدخله علماء الرياضيات المسلمين في الفكر الأوروبي”!
وفي خطابه الشهير عام 1993، تحدث تشارلز عن التقدم في مجال حقوق المرأة في البلدان الإسلامية قبل أن تصل إلى الغرب، فقال “البلدان الإسلامية مثل تركيا ومصر وسوريا أعطت المرأة حق التصويت قبل أوروبا، كما تتمتع نساء تلك البلدان منذ زمن بأجر متساوٍ مع الرجل”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)