ما هي علاقة الدرون الإيرانية بالحرب الأوكرانية- الروسية ؟!

ما هي علاقة الدرون الإيرانية بالحرب الأوكرانية- الروسية ؟!

بقلم إليس جيفوري – خلال قصف روسي جديد استهدف محطات طاقة وبنى تحتية مدنية وعسكرية على حد سوا في أوكرانيا، شاع الحديث بين الأوكرانيين مؤخراً عن طائرات درون إيرانية الصنع تحلق فوق رؤوسهم، خاصة مع سرعة انحسار المخزون الروسي من الأسلحة، حيث تحولت موسكو إلى الدرون الإيرانية المتطورة وذات السعر المنافس، لمماطلة القوات الأوكرانية حتى لا تتقدم لمناطق سيطر عليها الروس.

أشارت تقارير  إلى أن روسيا قامت بشراء بضع مئات من طائرات الدرون الإيرانية بالفعل، بالإضافة إلى طلبية لتوفير ألف طائرة أخرى، الأمر الذي نفته كل من طهران وموسكو، إلا من تصريح للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله خامنئي ألمح فيه إلى التطور الكبير في قدرات الدرون الإيرانية، ” لقد شككوا بقدراتنا التكنولوجية في السابق، والآن يقولون أن الدرون الإيرانية خطيرة، لماذا تتاجرون بها هنا وهنا إذن؟”

وفي موقف آخر ألمح إلى أسوأ الأسرار الروسية مؤخراً على لسان عضو الكرملين السابق رسلان بوكهوف، حين تلفظ على الهواء وقد ظن أن البث لم يبدأ بعد ” كلنا نعلم أنها إيرانية، لكن الحكومة لا تعترف بذلك”!

منذ الإعلان عنها للمرة الأولى في سبتمبر الماضي، شكلت الدرون الإيرانية أداة فعالة للجانب الروسي في معركته ضد أوكرانيا، فوفقاً لوزارة الدفاع الأوكرانية، تم استخدام 300 طائرة إيرانية بدون طيار من طراز “شاهد 136 ” لتدمير الكثير من محطات شبكات الطاقة الكهربائية في الأسبوعين الأخيرين، وهو ما  أتاح للإيرانيين الفرصة للعب دور في الصراع الدائر، بين علماء يطمحون لمزيد من التطوير وسياسيون يستعرضون تكنولوجيا بلدهم، فعلى سبيل المثال، أشار اللواء يحيى رحيم صفوي، رئيس سابق للحرس الثوري الإيراني والمستشار العسكري لخامنئي، إلى “إبداء 22 دولة على الأقل اهتمامها بالدرون الإيرانية”.

 

الدرون أولوية قومية!

منذ عقود، أولت إيران أهمية لتطوير صناعة طائرات الدرون باعتبارها أولوية للحفاظ على الأمن القومي للبلاد، رغم سنوات الحصار الاقتصادي التي أعقبت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، فقد تسبب العداء الذي تولد نتيجة ذلك مع العالم الغربي إلى توجه إيران نحو التطوير خاصة في المجالات العسكرية.

خلال حديثه لموقع ميدل إيست آي، أشار الخبير في الشأن الإيراني في المعهد الألماني للسياسة والأمن الدولي، حميد رضا عزيزي، إلى أن الحظر الغربي طويل المدى على التسليح في إيران “يسعى بالضرورة إلى أن لا تتمكن إيران من مواكبة جيرانها، الذين يتلقون دعماً غربياً، في التطور العسكري كماً ونوعاً”.

وأضاف عزيزي أن “الضعف الأهم الذي عانت منه إيران هو تطوير قواتها الجوية على النحو المطلوب، فقد ورثت الجمهورية الإسلامية القوات الجوية عن الشاه، وبطبيعة الحال لم تعد تصلح مع الوقت لأي صراع عسكري إقليمياً ولا عالمياً”.

بدأ الاهتمام الإيراني بطائرات الدرون في منتصف الثمانينات خلال حربها مع العراق، وذلك بعد إطلاق أول طائرة درون إيرانية “أبابيل”، والتي استخدمت إما لإطلاق بعض الذخائر أو للمراقبة والاستطلاع، أمر أكد على استخدام الإيرانيين سلاحهم الجديد في نطاق محدود سواء ضد أهداف جوية أو على الأرض، لأنها لم تعد تستطيع معاينتها لدى الشركات الأمريكية للصيانة والتطوير، وبذلك أصبح تطوير هذه الصناعة ” هدفاً عسكرياً أساسياً لتعويض الضعف الذي عانت منه في القوات الجوية” بحسب عزيزي.

ويؤكد الأستاذ في جامعة دورهام البروفيسور أنوش احتشامي، أن تطور هذه الصناعة تسارع في السنوات العشر الأخيرة تحديداً في إيران، وذلك بعد الاستحواذ على طائرة درون أمريكية سقطت على أرضها، مشيراً إلى أن ” السبب الأهم لتطوير الدرون في الفكر الاستراتيجي الإيراني هو أن تصبح أداة للردع في المنطقة خاصة ضد إسرائيل”.

وتعود قصة الطائرة الأمريكية إلى عام 2011، عندما سقطت درون أمريكية من طراز RQ-170 Sentinel على أرض إيرانية، فتمكن مهندسون إيرانيون من تحويل تحكمها بشكل عكسي خلال عام واحد، وقاموا بإنتاج درون  محلية متطورة، وتمتلك إيران اليوم أسطولاً من طائرات الدرون التي تستطيع الوصول إلى مسافة 2000 كم، بالإضافة إلى عدد من طائرات الاستطلاع.

عهد جديد

شكل عزل إيران عن إمداداتها العسكرية وتلقيها ضربة جوية أمريكية دمرت معظم أسطولها البحري عام 1988، حافزاً لتطوير قوة ردع حقيقية ضد القوات الجوية الأمريكية ابتداء ومن ثم “إسرائيل” ودول إقليمية أخرى، وتقدمت لذلك عدة شركات محلية.

” قد تبدو الدرون الإيرانية بسيطة عند مقارنتها بالتركية أو الإسرائيلية أو الأمريكية، لكنها فعالة للغاية، فخلال عقد، تطورت بشكل كبير، وأصبح لدى إيران طائرات درون بعضها للاستطلاع أو للذخيرة أو للتشويش على الرادارات أو التقاط أي حركة أو احتشاد كما فعلت في الخليج الفارسي” البروفيسور أنوش احتشامي من جامعة دورهام

أما طائرة الدرون من طراز “شاهد 136″، والتي تم إطلاقها عام 2021، فهي مصممة لتخطي أجهزة الدفاع الجوية وسحق القوات البرية، فهي تحمل قذيفة تزن 35 كيلوغراماً، وأحياناً تعرف بطائرة “كاميكازي درون” لأنها تتجه نحو هدفها بدقة، كما طور الإيرانيون طائرة درون “شاهد 129” سابقاً، وتم تجربتها في عدة مناطق في الشرق الأوسط، من أهمها سوريا ولبنان ومناطق في الخليج العربي.

في حديثه مع ميدل إيست آي، أشار الخبير في الشأن الإيراني في جامعة أوتاوا توماس جنوا، إلى أن الإيرانيين ” حرصوا على تطوير طائرات درون واسعة النطاق بدائية نسبيا وغير مكلفة ولكنها فعالة، خاصة مع حرص إيران على بناء شبكة علاقات رغم الحصار مع دول عديدة حول العالم بما فيها بلدان أوروبية، فقد أثبتت فعاليتها بتمريرها إلى حلفاء إيران مثل الحوثيين في اليمن والآن روسيا”.

دبلوماسية الدرون؟!

رغم أن منشأ برنامج صناعة الدرون الإيرانية كان نابعاً من حاجة للدفاع العسكري في الأصل، إلا أنه تحول بعد ذلك إلى سبب إضافي لتعزيز علاقة إيران بحلفائها على صعيد دول أو حركات في المنطقة، فقد قامت إيران مطلع هذا العام بافتتاح أول مصنع لإنتاج طائرات الدرون في طاجكستان بهدف إنتاج نسخة مطورة من درون “أبابيل”، خاصة مع “وجود مخاوف أمنية مشتركة تجاه طالبان وتنظيم داعش في أفغانستان” وفقاً للأكاديمي الأمريكي ايريك لاب.

ويضيف لاب أن إيران “استخدمت تطور صناعة الدرون لديها من أجل تقوية علاقاتها مع قوى فاعلة مثل فنزويلا وأثيوبيا وروسيا، خاصة بعد رفع الحصار عنها في أكتوبر 2020”.

ويرجع علاقة الدرون الإيرانية بروسيا إلى العام 2016، حين ألمح قائد عسكري إيراني وقتها إلى أن موسكو طلبت مساعدة إيران في تفعيل برنامجها لتطوير الدرون محلياً، كما عملت إيران على “إمداد حلفائها الإقليميين بالطائرات المسيرة في سوريا والعراق من أجل مجابهة الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بالإضافة إلى المجموعات المتطرفة مثل القاعدة وداعش” بحسب لاب.

“في أماكن مثل اليمن، كانت طائرة الدرون الإيرانية عاملاً حاسماً في مسار الصراع، فالهجمات الحوثية في الأراضي السعودية ساهمت في تقدم موقف الحوثيين حلفاء إيران” جورجيو كافيرو المدير التنفيذي لمعهد استشارات الخليج في واشنطن. 

مستقبل طائرات الدرون الإيرانية 

تواجه صناعة طائرات الدرون الإيرانية خطراً من الخصم الإقليمي الأساسي لإيران “إسرائيل”، فقد قامت “إسرائيل” سابقاً بمحاولة لم تتكرر نتيجة الرد الإيراني آنذاك، بضرب البنية التحتية لصناعة الدرون في جنوب إيران من شمال العراق، كما قامت “إسرائيل” مؤخراً بضرب  مصنع تجميع طائرات درون إيرانية في سوريا.

غير أن اختبار الطائرات اليوم في أوكرانيا هو الأهم، فنجاحها المتوقع في دعم روسيا حليفتها الأساسية والتي تطمح في أن تسهم الدرون إلى تعزيز العلاقات معها، سيكون سبباً في زيادة الطلب على هذه الصناعة من صنع إيران.

“تحرص إيران على دعم روسيا حتى لا تتعرض للهزيمة في أوكرانيا، حيث تسعى إيران بذلك إلى كبح طموح الناتو بالزحف نحو الشرق، كما تسعى إلى أن يكون له دور في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب في مرحلة قادمة” فرزين نديمي، المختص بقضايا الأمن والدفاع ومحلل سياسي في شؤون الخليج وإيران

وفي جلسة للكونغرس، حذر جنرالات أمريكيون من تطور الدرون الإيرانية معتبرين أنها سوف” تعطي الإيرانيين فرصة للاستمتاع بسيادة جوية كاملة”، أحدهم قال “للمرة الأولى منذ الحرب الكورية نخوض عمليات جوية دون سيادة جوية كاملة”.

كما تسعى إيران إلى الاستفادة من الحظر الاقتصادي المفروض على روسيا، بتعزيز صفقاتها الاقتصادية معها، والدخول إلى مرحلة جديدة من تحالف أوراسي مضاد للولايات المتحدة الأمريكية، فقد قامت شركة النفط الإيرانية بعقد صفقة بقيمة 40 مليار دولار مع شركة غازبروم الروسية، وإنه لمن سخرية القدر أن روسيا التي صوت لقرارات سابقة في الأمم المتحدة بين 2006-2010 لصالح الموقف الغربي من إيران، هي التي تطلب مساعدة إيران اليوم مادياً وعسكرياً.

“تأمل إيران في أن ترد روسيا بالمثل فتمد إيران بمعدات عسكرية كانت قد طلبتها إيران سابقاً، بما فيها طائرات مقاتلة من طراز “SU 35″ وأنظمة دفاعية جوية أخرى” حميد رضا عزيزي 

” ربما لم تستطع إيران الدخول إلى سوق الأسلحة بقوة حتى الآن، إلا أن استخدام الروس لطائراتها سيساهم بذلك حتماً” البروفيسور أنوش احتشامي من جامعة دورهام

مقالات ذات صلة