بقلم عمر سليمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بدأ الأمر بسعي السياسيين الأمريكيين إلى المساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية، والآن، يريدون إعادة تعريف معاداة السامية نفسها!
مؤخراً، صوت مجلس النواب الأمريكي لصالح الموافقة على ما يسمى “قانون التوعية بمعاداة السامية”، وهو ما يمكن اعتباره الأجندة التشريعية للوبي الإسرائيلي والتي تهدف إلى توثيق تجريم المشاعر المعادية لإسرائيل من خلال تدوينها في تعريف جديد لمعاداة السامية.
يدعو التعريف الجديد إلى “النظر في تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة من أجل إنفاذ قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية فيما يتعلق بالبرامج والأنشطة التعليمية”،ولكن السؤال هنا، لماذا تم استحضار تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست ولماذا الآن؟!
في سياق الاحتجاجات والمخيمات في الجامعات اليوم، لا يمكن أن يُفهم مشروع القانون الجديد إلا باعتباره هجوماً على حرية التعبير وتهديداً لحقوق التعديل الأول في الدستور الأمريكي
عقب الإبادة الجماعية التي وقعت في غزة، اندلعت الاحتجاجات في عدد كبير من الجامعات الأمريكية، حيث طالب أعضاء هيئة التدريس والموظفين والطلاب بسحب الاستثمارات من الشركات والمؤسسات الإسرائيلية، وكان قد سبق ذلك عمل مكثف بدأه اللوبي الإسرائيلي في واشنطن مع تحول الرأي العام نحو التضامن مع الفلسطينيين.
في نوفمبر الماضي، قدم النائب الجمهوري عن ولاية تينيسي، ديفيد كوستوف، مقترحاً وصف معارضة الاستعمار الاستيطاني وانتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية والاحتلال والفصل العنصري بأنها معاداة للسامية، وأشار صراحة إلى أن “معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية”، وتم تمرير المقترح رغم الجهود التي بذلها 3 ديمقراطيين يهود في حث زملائهم النواب على تجنب ما أسموه “محاولة الجمهوريين استخدام الألم اليهودي لتسجيل نقاط سياسية رخيصة”.
حسبة شيطانية
من خلال “قانون التوعية بمعاداة السامية”، قام اللوبي المؤيد لإسرائيل بتصميم وتقديم مشروع قانون آخر إلى قاعة مجلس النواب، حيث يسعى القرار رقم 6090، والذي انتقل الآن إلى مجلس الشيوخ، إلى تعريف معاداة السامية حصراً من خلال تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
يشير القرار إلى أن “مصطلح تعريف معاداة السامية يعني تعريف معاداة السامية المعتمد من قبل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، ويتضمن الأمثلة المعاصرة لمعاداة السامية والمحددة في تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست”.
من خلال نظرة سريعة على الأمثلة المذكورة أعلاه، فإن إعادة التعريف هذه ليست إلا حسبة شيطانية، فهي تشمل أفعالاً ولغة مثل “الادعاء بأن وجود دولة إسرائيل هو مسعى عنصري”، و”تطبيق معايير مزدوجة من خلال مطالبة إسرائيل بسلوك غير متوقع أو مطلوب من أي دولة ديمقراطية أخرى”.
لقد سئم الكثير من الأمريكيين من تواطؤ بلادهم في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي يكافح فيه الملايين من الأمريكيين مادياً، يواصل الكونغرس إرسال مليارات الدولارات لإسرائيل لتواصل إبادتها الجماعية وتصعد احتلالها وتسرع من توسعها الاستيطاني غير القانوني وتحافظ على الفصل العنصري!
كل هذا خداع سياسي تم تصميمه ليكون أجندة لحملة على معاداة السامية، والمقلق أنه من شأنه أن يعاقب الخطاب السياسي الذي يحميه التعديل الأول للدستور الأمريكي!
في رسالة إلى أعضاء مجلس النواب، أكد اتحاد الحريات المدنية الأمريكي على أن “القانون الفيدرالي يحظر بالفعل التمييز والمضايقة المعادية للسامية من قبل الكيانات الممولة اتحادياً، ومن المرجح أن يؤدي القانون رقم 6090 إلى إضعاف حرية التعبير لدى الطلاب في الحرم الجامعي نتيجة المساواة غير السليمة بين انتقاد الحكومة الإسرائيلية ومعاداة السامية”.
والسؤال المنطقي هنا، هل يمكن اعتبار الملايين من الأمريكيين معادين للسامية بمجرد قولهم أن إسرائيل دولة عرقية عنصرية، في حين أنها تمارس بالفعل نظام الفصل العنصري ضد الفلسطينيين؟!
الهجوم على حرية التعبير
تجدر الإشارة إلى أنه قبل 6 أعوام، كان الكنيست الإسرائيلي قد أقر قانون الدولة القومية اليهودية، والذي ينص على أن “الحق في ممارسة تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هو حق فريد للشعب اليهودي”، فهل الملايين من الأمريكيين معادون للسامية لأنهم توقعوا أن إسرائيل لن ترتكب إبادة جماعية خلال الأشهر السبعة الماضية؟
في سياق الاحتجاجات والمخيمات في الجامعات اليوم، لا يمكن أن يُفهم مشروع القانون الجديد إلا باعتباره هجوماً على حرية التعبير وتهديداً لحقوق التعديل الأول في الدستور الأمريكي.
لو تخيلنا أنه أصبح قانوناً بالفعل، فسوف يضطر الطلاب والأكاديميون والناشطون إلى تغيير خطابهم بسبب تشريع مسيس، فلغة مشروع القانون تؤكد أن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست هو التعريف الوحيد وأن أي تعريفات بديلة مرفوضة لأنها “قد تفشل في تحديد المظاهر الحديثة لمعاداة السامية”.
لقد سئم الكثير من الأمريكيين من تواطؤ بلادهم في الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، ففي الوقت الذي يكافح فيه الملايين من الأمريكيين مادياً، يواصل الكونغرس إرسال مليارات الدولارات لإسرائيل لتواصل إبادتها الجماعية وتصعد احتلالها وتسرع من توسعها الاستيطاني غير القانوني وتحافظ على الفصل العنصري!
وقد رأينا أنه في اللحظة التي قرر فيها الأمريكيون التعبير عن غضبهم ومعارضتهم لقرارات السياسة الخارجية القديمة وغير الإنسانية تجاه جرائم إسرائيل، تعرضوا لحملات قمع شديدة، ولكن التغير مستمر وقادم لا محالة.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)