بقلم محمد عصام
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
في مصر وفي عام 1972، تولى ناجي فهمي عبد الفتاح منصبًا في الجيش المصري، غير مدرك للرحلة الاستثنائية التي كانت تنتظره، وعلى الرغم من أن فترة عمله كانت قصيرة، إلا أن وقته في الزي العسكري كان كافياً لتحديد المسار الذي سيتبعه في الحياة، وهو المسار الذي تحولت فيه هواية الطفولة إلى مهنة مدى الحياة. يتذكر ناجي ويقول وعيناه تتألقان بشغف كبير: “لطالما احتل التلوين والرسم مكانة خاصة في قلبي منذ أن كنت طفلاً صغيرًا، لكن الظروف لم تسمح لي أبدًا بفرصة متابعة التعليم الرسمي في هذا المجال”. لقد أراد القدر أن يكون رفيقًا وزميلًا جنديًا خطاطًا أراد توسيع نطاق عمله المزدهر في القاهرة وكان يتطلع إلى يواصل مهنته كرسام بعد انتهاء خدمته.
قبل ظهور الكمبيوتر، لعب الخطاطون والرسامون دورًا حيويًا في المجتمع المصري مثل مصممي الجرافيك المعاصرين، وكانت أيديهم الماهرة تبث الحياة في الحروف، حتى استخدم خطهم على نطاق واسع في الشعارات والملصقات. لقد تم تكليفهم بكتابة لافتات على واجهات المتاجر وحتى صياغة خطوط عناوين جذابة للصحف، حيث كانت براعتهم الفنية تزين كل ركن من أركان المدينة.
قبل اندلاع حرب 1973، تم تسريح ناجي من الجيش بسبب مشاكل صحية. وعند عودته إلى الحياة المدنية، تعاون مع زملائه الجنود، وانغمسوا معًا في عالم الخط العربي. ويقول ناجي: “جبت المدينة، وأحضرت كل من استطعت إيجاده من كراسات رسم الخط العربي. وواصلت الأيام بالليالي حيث كرست نفسي بلا كلل لتعلم وإتقان حرفتي، كنت مدفوعًا بالصبر الذي لا يتزعزع والمثابرة التي لا تلين”.
سرعان ما حصل ناجي على فرصة للانضمام إلى ورشة عمل لخطاط بارع آخر، هذه المرة كخطاط بنفسه بدلاً من كونه رساماً. أدرك صاحب الورشة إمكانات ناجي، وعمل على تعزيز موهبته، وثقته من خلال تكليفه بمشاريع كبيرة وصغيرة على حد سواء. الصورة أعلاه إعلان أنتجه ناجي لسيرك كان يقام في القاهرة.
مرت السنوات، وأصبحت ناجي يحظى بسمعة فنية قوية، وفي عام 1975، قرر إنشاء مشروع خاص به من خلال افتتاح ورشة عمل متواضعة في حي السيدة زينب في القاهرة. الصورة التي تظهر على الهاتف المحمول هي لحفيده ناجي بجانب إحدى لوحاته.
وصل العملاء من خلفيات متنوعة إلى عتبة منزله، من السياسيين البارزين الذين يبحثون عن ملصقات لحملاتهم السياسية إلى الفرق الموسيقية التي تحاول إنشاء أغلفة ألبومات إبداعية، حتى فناني السيرك والفرق المسرحية سعوا إلى لمسته الخيالية، وكلفوه بصياغة مواد ترويجية لافتة للنظر. الصورة أعلاه شعار نادي الزمالك لكرة القدم الذي أنتجه ناجي لأحد المقاهي.
تأتي تكليفات ناجي بجميع الأشكال والأنواع. فقد طلب منه أحد العملاء إنتاج نسخة خطية من عدة سور من القرآن تُعرف باسم “القُلَس الأربعة”، وكذلك “آية العرش”. تتحدث هذه الآيات عن وحدانية الله وجلاله وغالبًا ما يتم وضعها في المنازل والشركات لدرء النوايا الشريرة.
الآن، في سن الـ 73، لا يزال ناجي يجد سلوانه في ورشته المحبوبة، ويقول بابتسامة حنين: “هذا المكان ليس مجرد ورشة، إنه ملاذي، مستودع الذكريات العزيزة والحكايات التي لم تتل قط، تلك التي أحملها أنا وحدي”.
بينما يتقدم العالم للأمام وتتسارع وتيرة التقدم التكنولوجي، يحرص ناجي على أن يظل منفتحًا على الأدوات والتقنيات الجديدة، كما يواصل عملاؤه، الذين لا يزالون يعتزون بتعقيدات الخط العربي المنتج يدويًا، السعي وراء خبرته في صياغة المخطوطات المكتوبة بخط اليد، وبالتالي الحفاظ على التراث الغني لعصر مضى.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)