بقلم عابد أبو شحادة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
لا شك أن قرار إسرائيل بتوسيع الحرب باتجاه لبنان مدفوع بسلسلة من الأهداف التي سوف تؤثر على المنطقة بأكملها، وفيما يبدو أنه بات يتعين علينا اعتياد فكرة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يريد سنوات من القتال والدمار في الشرق الأوسط.
لقد مر ما يقرب من عام منذ بدء الإبادة الجماعية في غزة، حيث دمرت إسرائيل البنية التحتية للقطاع بشكل فيه انتهاك صارخ للقانون الدولي، وخلال كل ذلك لم يتوقف الدعم الغربي الساحق!
في الحقيقة، أنا أشك في أن أي دولة أخرى، بما فيها الولايات المتحدة، كان بمقدورها إنجاز كل هذا من دون أن تدفع ثمناً باهظاً، ولكن هذا قد يكون النجاح الوحيد الذي حققته إسرائيل في الحملة الحالية، نجاح مبني على إخفاقات الغرب الأخلاقية والقانونية.
داخلياً، تواجه إسرائيل معضلة صعبة فيما يتعلق بأزمة الرهائن التي تلاشت من الخطاب العام وسط الحرب على لبنان، حيث تنقسم الخريطة السياسية في إسرائيل إلى معسكرين رئيسيين حول النظر للحرب مع لبنان.
لم ولن تتردد إسرائيل يوماً في تنفيذ سياسة التطهير العرقي في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، مع الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن، ولكن العالم العربي، ما زال صامتاً فيما تستغل إسرائيل الوضع الحالي للاستيلاء على المزيد من الأراضي، فإلى أي مدى ستكون المنطقة العربية مستعدة لاستيعاب كل ذلك قبل أن تضع خطوطاً حمراً ؟!
المعسكر الأول يميني عسكري يعتقد أن المجتمع الإسرائيلي يجب أن يحول ثقافته من ثقافة غربية إلى ثقافة قتالية، ويمكن فهم ذلك من تصريح العميد باراك حيرام، حين انتقد قائد الفرقة العسكرية في غزة أسلوب الحياة الإسرائيلي “الممتع”.
أما المعسكر الآخر، فيتشكل من النخب العلمانية وعائلات الرهائن الذين يتصورون المجتمع الإسرائيلي كجزء من المجتمع الغربي، ويعتقدون أن الدولة يجب أن تفعل كل ما في وسعها لإعادة الرهائن إلى وطنهم.
المفارقة أنه رغم الخلاف بينهما، إلا أن كلا المعسكرين يؤيدان الحرب، فيما يمكن تلخيصه بالشعار الذي رفعته عائلات الرهائن خلال الاحتجاجات في تل أبيب بعد العثور على جثث الرهائن الستة: “صفقة ثم نعود”، الأمر الذي يشير إلى أنهم يريدون عقد صفقة مع حماس، وإعادة الرهائن ومن ثم العودة إلى احتلال غزة، وبذلك يمكننا أن نفهم الإجماع الإسرائيلي الواسع الذي يدعم الحرب على جميع الجبهات.
دفع الثمن
يدرك نتنياهو تلك العقلية الإسرائيلية تماماً رغم صعوبة تحقيق أهدافه العسكرية، فبعد ما يقرب من عام من الحرب، لم تتم الإطاحة بحماس ولا يزال العشرات من الرهائن في غزة، بالإضافة إلى ذلك فإن أي اتفاق لوقف إطلاق النار سوف يُنظَر إليه باعتباره فشلاً في “تدمير حماس”.
في خضم الفشل في غزة، حول نتنياهو تركيزه إلى لبنان، وهو مستعد على ما يبدو لدفع الثمن المتمثل في حياة الإسرائيليين والانحدار الاقتصادي، إلى جانب الدمار الهائل المحتمل في شمال إسرائيل، إلا أن
الإبادة الجماعية الجارية في غزة وإطلاق جبهة ثانية في لبنان ليست مجرد محاولة من جانب نتنياهو للتشبث بالسلطة، ولكنه يمثل بعداً أعمق في العقلية الإسرائيلية.
يعتمد نتنياهو على ركيزتين أساسيتين، أولهما الخوف الوجودي المتأصل في الوعي الإسرائيلي من أنه إذا فقدت إسرائيل تفوقها العسكري، فإنها تفقد حقها في الوجود، وثانيها الكراهية العميقة للعرب داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث تتجاهل ثقافة نتنياهو إسرائيل السياسية قتل الفلسطينيين والعرب، وهو على استعداد لاتخاذ خطوات وحشية دون تردد!
يستخدم نتنياهو هذين الشعورين للهروب من الإخفاقات في غزة من خلال شن المزيد من الحرب والدمار، والأسوأ من ذلك أنه إذا لم تنجح إسرائيل في ساحات القتال هذه، فإنها ستكون مستعدة للهجوم في جميع أنحاء المنطقة دون أي رادع، حيث يحاول نتنياهو إرسال إشارة إلى الأنظمة العربية الأخرى مفادها أنه إذا فشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها، فإن المزيد والمزيد من العرب سوف يموتون وسوف يتعين عليهم أن يتعاملوا مع العواقب الاجتماعية والسياسية.
لقد فشلت إسرائيل حتى الآن في تحقيق الأهداف التي حددتها عند بداية القتال في غزة، خاصة مع تزايد حدة التهديدات العسكرية المحيطة بها من اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وذلك وسط ثقافة التفوق اليهودي والدعم الغربي المستمر، الأمر الذي ينذر باستعداد إسرائيل لسنوات من الحرب.
لم ولن تتردد إسرائيل يوماً في تنفيذ سياسة التطهير العرقي في كل من غزة والضفة الغربية المحتلة، مع الحديث عن تهجير الفلسطينيين إلى مصر أو الأردن، ولكن العالم العربي، ما زال صامتاً فيما تستغل إسرائيل الوضع الحالي للاستيلاء على المزيد من الأراضي، فإلى أي مدى ستكون المنطقة العربية مستعدة لاستيعاب كل ذلك قبل أن تضع خطوطاً حمراً ؟!
للاطلاع على النص الأصلي من هنا (هنا)