تستعد محكمة أمن الدولة الأردنية لإصدار حكمها في قضية أثارت جدلًا واسعًا داخل البلاد، حيث يُتّهم أربعة شبان أردنيين بالتخطيط لتصنيع طائرات مسيّرة في قضية يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها ذات دوافع سياسية، وتهدف إلى استهداف جماعة الإخوان المسلمين وتشويه صورة حركة حماس، في وقت تتصاعد فيه وتيرة التضامن الشعبي مع الفلسطينيين في قطاع غزة.
وبحسب ما أفادت به مصادر قانونية وإعلامية، فإن الحكم سيصدر في 2 يوليو/تموز المقبل، وسط مطالبات عاجلة من عائلات المتهمين بوقف ما وصفوه بـ”الظلم القضائي”، مؤكدين براءة أبنائهم واتهام السلطات باستخدامهم كـ”كبش فداء” لأجندات سياسية وأمنية.
القضية، التي أُطلق عليها إعلاميًا اسم “قضية الطائرات بدون طيار”، تشمل علي فريد قاسم، وعبد العزيز عماد الدين هارون، وعبد الله سفر الحدار، وأحمد إبراهيم خليفة، الذين يُحاكمون بموجب قانون مكافحة الإرهاب الأردني رقم 55 لعام 2006. وتتهمهم النيابة العامة بالتخطيط لتصنيع طائرات مسيّرة “بهدف الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة وأمن المجتمع للخطر”.
وزعمت وسائل إعلام حكومية أن الطائرات المسيّرة كانت مخصصة للاستخدام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل الاحتلال، في سياق تضامني مع سكان غزة الذين يتعرضون للعدوان الإسرائيلي المستمر.
لكن محامي الدفاع وعائلات المتهمين نفوا بشدة صحة هذه الاتهامات، مشيرين إلى أن السلطات لم تضبط أي طائرات أو معدات ذات صلة وقت الاعتقال، مؤكدين أن القضية مبنية على افتراضات ومحادثات نظرية لا تتعدى النقاش.
وكان قد تم الإعلان عن اعتقال الشبان الأربعة في منتصف أبريل/نيسان، ضمن حملة أمنية أوسع شملت 16 شخصًا اتُهموا بالعمل في خلايا مترابطة منذ عام 2021، قيل إنها تخطط لاستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ ومتفجرات.
وقالت السلطات إن للمجموعة صلات بجماعة الإخوان المسلمين، إلا أن الجماعة نفت ذلك رسميًا، من خلال ذراعها السياسي، جبهة العمل الإسلامي، ومع تصاعد الحملة، فرضت وزارة الداخلية الأردنية حظرًا شاملًا على جماعة الإخوان، أعقبه اقتحام مقار جبهة العمل الإسلامي واعتقال عدد من كبار مسؤوليها.
وتُعد جبهة العمل الإسلامي أكبر حزب معارض في الأردن، وقد حصدت نحو ثلث الأصوات في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بواقع 31 مقعدًا، وهو أكبر فوز انتخابي لها منذ تأسيسها عام 1992.
في السياق، تحدث مصدر قانوني مطّلع على تفاصيل القضية – رفض الكشف عن اسمه – عن وجود تجاوزات قانونية خطيرة شابت التحقيقات والإجراءات القضائية، أبرزها تصوير المتهمين سرًا أثناء الاستجواب، ثم تحرير تلك اللقطات وبثها “بشكل انتقائي” على قنوات موالية للحكومة، في انتهاك صريح لـ”مبدأ العدالة الجنائية والمعايير الدولية للمحاكمات النزيهة”، بحسب تعبيره.
وأضاف المصدر أن المتهمين وقّعوا على أوراق بيضاء تم لاحقًا ملؤها بـ”اعترافات مفبركة”، وهي ممارسة “شائعة في قضايا أمن الدولة، رغم عدم قانونيتها”.
وأكد أن التهم الموجهة “غامضة وفضفاضة بما يكفي لتجريم أي فعل أو حتى نية أو فكرة سياسية تتعارض مع توجهات السلطة التنفيذية”.
ويرى مراقبون أن هذه القضية تمثل ذروة حملة سياسية متصاعدة ضد الحركة الإسلامية، تأتي في سياق إقليمي ومحلي مشحون، خاصة مع تزايد الدعم الشعبي في الأردن للقضية الفلسطينية منذ اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة في 2023.
وقال المصدر القانوني إن “الهدف على المدى القصير هو تحويل الرأي العام ضد الحركة الإسلامية”، من خلال تصويرها كخطر أمني واجتماعي، بهدف “تبرير تفكيكها” تدريجيًا. وأضاف: “ليس من السهل محو كيان موجود في الحياة العامة منذ أكثر من 80 عامًا، لكن السلطات تحاول تقليص حضوره خطوة بخطوة”.
واعتبر المصدر أن الغاية بعيدة المدى من القضية تكمن في تقويض أي دعم معنوي أو مادي أو لوجستي لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية عمومًا، بما يتماشى مع التزامات الأردن السياسية في إطار اتفاقيات السلام والعلاقات الإقليمية والدولية، وخاصة مع الولايات المتحدة ودولة الاحتلال.
في المقابل، أصدرت عائلات الشبان الأربعة بيانًا مشتركًا اتهمت فيه السلطات باستغلال أبنائهم “لإرضاء أطراف خارجية”، مؤكدة أنهم “لم يرتكبوا أي نشاط غير قانوني”، وأن دوافعهم كانت إنسانية بحتة، وجاء في البيان: “ربينا أبناءنا على حب الوطن والعمل من أجل استقراره، هذه الاتهامات لا أساس لها من الصحة.”
وتؤكد العائلات أن الحديث حول الطائرات المسيّرة كان نقاشًا نظريًا نابعًا من القلق على المدنيين في غزة، موضحة أنهم “فكّروا في طرق لإرسال الطعام والدواء، وليس المتفجرات”، مؤكدين أن “التعاطف مع المظلومين لا يمكن أن يُعد جريمة.”
كما نفت العائلات أي انتماء سياسي لأبنائها، ووصفتهم بـ”مواطنين عاديين لا علاقة لهم بأي منظمة”، وانتقدت التغطية الإعلامية الرسمية التي صورت الشبان كمجرمين قبل محاكمتهم، معتبرة أن ذلك بمثابة “حكم مسبق على براءتهم”.
واختتمت العائلات بيانها بدعوة المجتمع الأردني إلى رفض ما وصفته بـ”المحاكمة السياسية” قائلة: “الأمر لا يتعلق بأبنائنا فقط، بل بمستقبل العدالة والوحدة الوطنية في البلاد، إذا تم معاقبة هؤلاء الشباب على تعاطفهم، فما الذي ينتظر البقية؟”