بقلم حميد دباشي
ترجمة وتحرير مريم الحمد
كان العنوان الرئيسي في افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز بعد محاولة اغتيال الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب: “الهجوم على دونالد ترامب مخالف لقيم أمريكا”.
في ذات الوقت، ألقى الرئيس جو بايدن خطاباً متلفزاً خاطب فيه الأمريكيين قائلاً: “نحن نتناقش ونختلف ونقارن بين شخصيات المرشحين والسجلات والقضايا والرؤية التي ننشدها لأمريكا، لكننا نحل خلافاتنا عبر صناديق الاقتراع وليس بالرصاص”.
لا شك أن بايدن يسعى بهذا الخطاب، الذي قد يحمل في طياته الكثير من الوهم، إلى تهدئة الأعصاب واستعادة الهدوء خاصة مع احتدام نظريات المؤامرة وإلقاء اللوم في ظل الصراع الوطني والانتخابات المقبلة.
إن ما يثير الدهشة في الولايات المتحدة هو مدى عمى بعض الأمريكيين عن أعمال العنف التي ترتكبها حكوماتهم في جميع أنحاء العالم، حيث أن جميع السياسيين وهيئات التحرير الذين يسارعون إلى إدانة العنف على الجبهة الداخلية هم أنفسهم الذين يتغاضون بل ويهللون لذبح عشرات الآلاف من الفلسطينيين!
وفقاً لأفلاطون، فإن الأوهام يمكن أن تكون مفيدة في بعض الأحيان، وفي ظل ذلك، هل كانت عملية الاغتيال تستهدف شخصية سياسية مناقضة لقيم أمريكا؟ أم أنها كانت بمثابة نهاية لتاريخ الولايات المتحدة بأكملها، لثقافتها السياسية العنيفة؟
في نفس اليوم الذي نجا فيه ترامب من محاولة الاغتيال مع إصابة طفيفة في إحدى أذنيه، قامت إسرائيل، التي تم تزويدها بآلاف القنابل الأمريكية، بذبح ما لا يقل عن 90 فلسطينياً في “منطقة إنسانية” في غزة.
لقد ارتبط اسم الولايات المتحدة بشكل حاسم في الإبادة المستمرة في غزة، وعلى ما يبدو، فإن هيئة تحرير صحيفة نيويورك تايمز لم تعد تستطيع تحديد القيم المرتبطة باسم أمريكا، ولكن الناجين ومعهم أحفاد الإبادة الجماعية وضحايا النزعة العسكرية الأمريكية والإسرائيلية هم أقدر الناس على تحديد ما تعنيه “أمريكا”.
الأوهام الأمريكية
إن ما يثير الدهشة في الولايات المتحدة هو مدى عمى بعض الأمريكيين عن أعمال العنف التي ترتكبها حكوماتهم في جميع أنحاء العالم، حيث أن جميع السياسيين وهيئات التحرير الذين يسارعون إلى إدانة العنف على الجبهة الداخلية هم أنفسهم الذين يتغاضون بل ويهللون لذبح عشرات الآلاف من الفلسطينيين!
نحن لا نحتاج إلى التجول حول العالم لندرك إلى أي مدى أصبح الأمريكيون مخدوعين حين فشلوا في إدراك مدى تأثير هذا العنف المستشري على تاريخ الولايات المتحدة برمته، فبعد فترة وجيزة من اغتيال الرئيس جون إف كينيدي في نوفمبر عام 1963، تعرض مالكوم إكس للشيطنة بعد مقولته الشهيرة: “الدجاج يعود إلى بيته ليجثم”.
في يناير عام 2020، أمر ترامب باغتيال قاسم سليماني، الجنرال الإيراني الكبير، في غارة بطائرة بدون طيار في بغداد، وقبله أمر الرئيس باراك أوباما باغتيال أسامة بن لادن وأنور العولقي، كما أن بوسعنا تذكر كيف حاولت الولايات المتحدة اغتيال الزعيم الكوبي فيدل كاسترو والزعيم الكونغولي باتريس لومومبا والرئيس الإندونيسي سوكارنو وربما غيرهم.
يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة قد تأسست على أساس الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين، وأن مواطنيها يطلقون النار ويستهدفون مسؤوليهم المنتخبين ويصدرون الأسلحة الفتاكة إلى جميع أنحاء العالم، كما أنهم يقصفون الدول الأخرى ويسلحون الإبادة الجماعية، ثم ينشرون مقالات افتتاحية يقولون فيها لأنفسهم وللعالم أن العنف “يناقض قيم أمريكا”!
من ناحية أخرى، فإن الأمريكيين لم يكونوا أكثر لطفاً مع رؤسائهم وقادتهم السياسيين الذين كانوا أيضاً أهدافاً للاغتيالات سواء الفاشلة منها أو الناجحة، من أبراهام لينكولن إلى جيمس جارفيلد ووليام ماكينلي وفرانكلين روزفلت وهاري ترومان وجون كينيدي وروبرت كينيدي وجورج والاس ومارتن لوثر كينغ جونيور وجيرالد فورد ورونالد ريغان وجورج دبليو بوش.
أضف إلى ذلك كله وباء العنف المسلح، فنادراً ما يمر يوم أو أسبوع دون أنباء عن حادث إطلاق نار جماعي في مكان ما في الولايات المتحدة، كما لم ينجح أي زعيم أمريكي في مكافحة القوة التي يتمتع بها لوبي السلاح في البلاد، ففي عام 2023 وحده، تم الإبلاغ عن أكثر من 630 حادث إطلاق نار جماعي!
تصدير العنف
إن هذا العنف المصنع في الولايات المتحدة هو أكثر صادرات البلد فتكاً، فقد حولت الأسلحة الهجومية الأمريكية الصنع عالمنا بأكمله إلى مسلخ!
وفقاً لأحد التقارير، فإن الولايات المتحدة “تمثل ما يقرب من 40% من الإنفاق العسكري العالمي وتخصص حصة أكبر من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع مقارنة بأغلب الدول الأخرى”، فلا أحد يستطيع إحصاء عدد الحروب التي تشنها الولايات المتحدة أو تمولها حالياً.
بعد محاولة اغتيال منافسه السياسي الرئيسي، خاطب بايدن جمهوره بالقول : “إخواني الأمريكيين، أريد أن أتحدث إليكم الليلة عن حاجتنا إلى خفض درجة الحرارة في سياستنا والتذكر بأننا رغم اختلافنا، فإننا لسنا أعداء”.
لقد قال بايدن ذلك بعد أيام فقط من إصداره أمراً باستئناف شحنات القنابل التي تزن 500 رطل إلى إسرائيل لاستخدامها فوق رؤوس سكان غزة، مما يؤكد أن خفض الحرارة الذي تحدث عنه لا يشمل ذلك، فظهوره على التلفاز للدعوة إلى خفض العنف السياسي أشبه بكوميديا سوداء!
يجب ألا ننسى أن الولايات المتحدة قد تأسست على أساس الإبادة الجماعية للأمريكيين الأصليين، وأن مواطنيها يطلقون النار ويستهدفون مسؤوليهم المنتخبين ويصدرون الأسلحة الفتاكة إلى جميع أنحاء العالم، كما أنهم يقصفون الدول الأخرى ويسلحون الإبادة الجماعية، ثم ينشرون مقالات افتتاحية يقولون فيها لأنفسهم وللعالم أن العنف “يناقض قيم أمريكا”!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)