في قاعة صغيرة داخل مبنى كنيسة تاريخية في وستمنستر – لندن، اجتمع نحو 50 شخصًا ليستمعوا إلى شهادات حول دور بريطانيا في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، بينما تابع أكثر من 12 ألف شخص الجلسة عبر الإنترنت.
كانت هذه هي الجلسة الافتتاحية لـ “محكمة غزة الشعبية”، وهي مبادرة رمزية يقودها النائب البريطاني المستقل وزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربن، وتهدف إلى محاسبة المملكة المتحدة سياسيًا وأخلاقيًا على تواطئها في تمكين جرائم الحرب الإسرائيلية عبر بيع الأسلحة وتقديم الدعم السياسي والعسكري.
كوربن: لن نسمح بخنق الحقيقة
خلال كلمته الافتتاحية، شبّه كوربن الوضع الحالي بغزو العراق قائلاً:
“تمامًا مثل العراق، تبذل الحكومة كل ما في وسعها لحماية نفسها من التدقيق. ومثل العراق، لن تنجح في محاولاتها لخنق الحقيقة. نحن سنكشف الحجم الكامل للتواطؤ البريطاني في الإبادة الجماعية وسنسعى لتحقيق العدالة لشعب فلسطين”.
وكان كوربن قد تقدم مطلع هذا العام بمشروع قانون لإجراء تحقيق رسمي شبيه بتحقيق “تشيلكوت” حول التعاون العسكري بين بريطانيا وإسرائيل، لكن حكومة حزب العمال الحاكمة رفضت المشروع، ما دفعه لإطلاق هذه المحكمة الشعبية كمنبر بديل على مدار يومين.
شهادات دولية وأممية
قدمت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين المحتلة، شهادتها عبر الفيديو مؤكدة أن:
“الدول، بما فيها المملكة المتحدة، كانت على علم منذ عقود بالتزاماتها القانونية بوقف الدعم العسكري لإسرائيل، لكنها فشلت فشلاً ذريعًا. هذا الفشل يمكن أن يشكل أساسًا لقضية جنائية للتواطؤ في جرائم حرب”.
البرلمان يشهد على التواطؤ
النائب العمالي ريتشارد بورغون قال في مداخلته:
“الحكومة البريطانية متواطئة عبر الضوء الأخضر السياسي الذي تمنحه لإسرائيل. اعتمادها على روايات إسرائيل نفسها في تقييم جرائم الحرب أمر منحرف وغير مقبول”.
كما كشف الصحفي الاستقصائي جون ماكيفوي أن مكونات عسكرية بريطانية لا تزال تُرسل لإسرائيل رغم قرارات الحظر الجزئي، وأن وزارة الدفاع البريطانية وفرت تدريبات لجنود إسرائيليين حتى الشهر الماضي.
أصوات من الميدان
ناتالي روبرتس، المديرة التنفيذية لمنظمة “أطباء بلا حدود”، وصفت الظروف المروعة التي تعمل فيها فرقها الطبية في غزة قائلة:
“كتبنا مرارًا لرؤساء الحكومات البريطانية، لكن الردود كانت روتينية، بلا أي اعتراف بخطورة الوضع”.
بن جمال، مدير حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، حذّر من “قمع داخلي متزايد” ضد النشطاء المؤيدين لفلسطين، مشيرًا إلى تصنيف حركة “Palestine Action” مؤخرًا كمنظمة إرهابية.
طارق أبو عزوم، مراسل الجزيرة في غزة، شارك شهادته عبر الفيديو وذكر أن “الصحفيين أنفسهم صاروا أهدافًا مباشرة، إذ قُتل ما لا يقل عن 247 صحفيًا فلسطينيًا منذ بدء الحرب”.
نيك ماينارد، جراح بجامعة أوكسفورد، تحدث عن عمليات أنقذ فيها أطفالًا أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي، مؤكدًا أنه رأى نمطًا ممنهجًا لاستهداف الأطفال في نفس الأجزاء من أجسادهم، مما يوحي باستخدامهم “كأهداف تدريب”.
نحو محاسبة تاريخية
ترأس المحكمة أستاذ قانون حقوق الإنسان في جامعة كوين ماري نيف جوردون، والمحاضرة في القانون الدولي شهد الحموري، إلى جانب كوربن نفسه.
وخلصت الجلسات إلى أن التواطؤ البريطاني لم يعد سياسيًا فقط، بل قد يرقى إلى المسؤولية الجنائية الفردية، خاصة فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة وتقديم المعلومات الاستخبارية لإسرائيل.
تسعى “محكمة غزة الشعبية” إلى رفع الوعي العام والضغط على الحكومة البريطانية لوقف شراكتها العسكرية والسياسية مع إسرائيل. ورغم طابعها الرمزي، إلا أن حجم المشاركة والتغطية الإعلامية يعكس تحولًا متناميًا في الرأي العام البريطاني تجاه الحرب على غزة ودور لندن فيها.