في مقابلته الأخيرة مع فوكس نيوز، سألته المذيعة عن حكم الإعدام الأخير ضد رجل سعودي بسبب منشوراته على منصات التواصل الاجتماعي، فأجاب ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بأنه يشعر بالخجل ملقياً اللوم على ما أسماها “القوانين السيئة”!
الأمر ليس بتلك البساطة، كما يرى المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان في السعودية، فهم يصرون على أن الحكم الصادم هو نتيجة مباشرة لصعود بن سلمان إلى السلطة، وكان بإمكانه إيقاف تنفيذه بكل سهولة، حيث يرى المحامي السعودي لدى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، طه الحجي، أن بن سلمان “قادر بكلمة واحدة أو بجرة قلم في ثوانٍ على تغيير القوانين إن أراد ذلك”.
“هذه الانتهاكات جديدة في عهد محمد بن سلمان، ومن السخافة أنه يلقي باللوم على النيابة العامة في حين أنه والسلطات السعودية العليا يتمتعون بسلطة كبيرة على أجهزة النيابة العامة والجهاز السياسي”! – جوي شيا- باحثة في هيومن رايتس ووتش
يذكر أنه قد تمت إدانة السعودي محمد الغامدي، البالغ من العمر 54 عاماً وهو مدرس متقاعد وشقيق ناقد سعودي بارز، في يوليو بسبب نشاطه على موقع يوتيوب وحسابين على منصة اكس لم يكن متابعوها يتجاوزون 10 أشخاص فقط، وفقاً لوثائق المحكمة، التي كشفت عنها هيومن رايتس ووتش، ومع ذلك، فقد كان الحكم هو الأكثر تطرفاً ضمن سلسلة من الأحكام المرتبطة بالسوشيال ميديا في السنوات الأخيرة.
عند سؤال بن سلمان في المقابلة عن حالة الغامدي، رد بقوله “هذا صحيح ومخزٍ وهو أمر لا أحبه”، وأضاف “يجب على النظام القضائي اتباع القوانين، لا أستطيع أن أطلب من القاضي أن يفعل ما أريد ويتجاهل القانون لأن ذلك يتعارض مع سيادة القانون، لكن هل لدينا قوانين سيئة؟ نعم. هل يجب أن نغير ذلك؟ نعم”.
تعليقاً على كلام بن سلمان، فقد أشارت الباحثة في شؤون السعودية في هيومن رايتس ووتش، جوي شيا، إلى أن “هناك مشكلة واحدة في منطق بن سلمان هذا، فقد حُكم على الغامدي بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي تم إقراره عام 2017 كأحد التغييرات في ذلك العام والتي عززت قدرًا هائلاً من السلطة لمحمد بن سلمان”.
في صيف ذلك العام، 2017، أزاح بن سلمان ابن عمه عن ولاية العهد، ونقل الكثير من صلاحيات أمن الدولة من وزارة الداخلية إلى الديوان الملكي، فتم إنشاء هيئتين جديدتين، رئاسة أمن الدولة والنيابة العامة، بموجب مراسم ملكية، كما تم إقرار قانون مكافحة الإرهاب الذي تعرض لانتقاد شديد بسبب تعريفه الفضفاض لمعنى الإرهاب.
ترى جماعات حقوق الإنسان أن إصلاح الأجهزة الأمنية في المملكة عام 2017، مكن بن سلمان من قمع السعوديين الذين يتحدثون وينتقدون علناً، بما في ذلك من صدرت بحقهم أحكام صارمة في 2022، تقول شيا أن “هذه الانتهاكات جديدة في عهد محمد بن سلمان، ومن السخافة أنه يلقي باللوم على النيابة العامة في حين أنه والسلطات السعودية العليا يتمتعون بسلطة كبيرة على أجهزة النيابة العامة والجهاز السياسي”!
من جانبه، أشار مسؤول حقوق الإنسان في مجموعة “منا” لحقوق الإنسان، فلاح سيد، إلى أن الغامدي حُكم عليه على أساس إطار قانوني “يستخدم لإسكات المعارضين، ويُطبق هذا الإطار القانوني مع ترك سلطة تقديرية واسعة للقضاة في إصدار أحكام الإعدام، ولسوء الحظ فإن قضية السيد الغامدي ليست معزولة عن هذا السياق”.
“هناك تناقض واضح في تصريحاته،هو محرج من القوانين التي أدت إلى هذا الحكم ويقول إن هذه القوانين يجب أن تتغير، وفي الوقت نفسه يدعي أنه لا يتدخل في اختصاص القضاء، لكن الحقيقة أنه هو الذي يضع القوانين، ويصدر الأحكام، وينفذها، للأسف تمت مصادرة القضاء وتسييسه بامتياز، والاعتقالات مستمرة لأتفه الأسباب”. – فهد الغوادي- منظمة سند لحقوق الإنسان
وأوضح سيد أن القضاة المعينين في المحكمة الجزائية المتخصصة، التي حكمت على الغامدي، يتم أصلاً اختيارهم من قبل مجلس القضاء الأعلى، الذي يعين الملك أغلبية أعضائه، ومن هنا “ليس هناك شك في أن هذه المحكمة تخضع لتأثير غير مبرر من قبل السلطة التنفيذية أي الملك، مما يجعلها أداة قمع لمحاكمة المنتقدين بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب”.
“هو من يضع القوانين”
يعتبر محمد بن سلمان هو الحاكم الفعلي للمملكة في ظل ولايته لوالده البالغ من العمر 87 عاماً، ونادراً ما يظهر للعلن، ولذلك يرى المراقبون أنه صاحب السلطة الفعلية.
عقب المقابلة، تساءل شقيق الغامدي، الداعية المعروف سعد الغامدي المقيم في بريطانيا، مستنكراً عن كيفية خجل بن سلمان من أحكام وضعها بنفسه دون تحمل المسؤولية، وذلك في تغريدة عقب المقابلة جاء فيها “الجميع يعلم أنه هو من يسن القوانين ويصدر الأحكام طويلة الأمد، هو الذي حبس القضاة وعين في القضاء من أصبحت عدالته واستقلاله موضع شك”.
أما المتحدث باسم منظمة سند لحقوق الإنسان، فهد الغوادي، فقال “هناك تناقض واضح في تصريحاته،هو محرج من القوانين التي أدت إلى هذا الحكم ويقول إن هذه القوانين يجب أن تتغير، وفي الوقت نفسه يدعي أنه لا يتدخل في اختصاص القضاء، لكن الحقيقة أنه هو الذي يضع القوانين، ويصدر الأحكام، وينفذها، للأسف تمت مصادرة القضاء وتسييسه بامتياز، والاعتقالات مستمرة لأتفه الأسباب”.
أشار الحجي أيضاً إلى أن بن سلمان، في المقابلة، أوضح أنه يتمتع بالقوة المطلقة، مما يظهر تناقضه، فهو “عندما يريد أن ينجز شيئا بإرادته ورغبته فإنه سينجزه بسرعة كبيرة، حيث تحدث في المقابلة عن سرعة تحقيق الأهداف المخططة لرؤية 2030، لكنه يريد استخدام هذه القبضة الحديدية مستغلاً القوانين والقضاة لإسكات الجميع أيضاً”.
عندما سألته المذيعة عما إذا كان “هذا الرجل سيُقتل”، وتقصد الغامدي، أجاب بن سلمان بأنه يأمل في المرحلة التالية من محاكمة الغامدي “أن ينظر قاض يتمتع بخبرة أكبر إلى الأمر بشكل مختلف تماماً”.
ترى شيا “أنه جيد أن يشعر بن سلمان بأنه مضطر للدفاع عن الحكم”، معربة عن أملها في أن يكون ذلك مقدمة لحماية الغامدي، من الإعدام على الأقل، قالت “في الوقت الحالي، القضية تحت أضواء وسائل الإعلام، ولكن عندما تتلاشى في غضون بضعة أشهر أو سنة، من يدري ما قد يحدث”.