بقلم باتريك ستريكلاند
ترجمة وتحرير مريم الحمد
في منتصف الستينات وفي ظل الحكم الاستبدادي للجنرال سوهارتو في إندونيسيا، قُتل مئات الآلاف في حملة تطهير ضد المناهضين للشيوعية آنذاك، أما في رومانيا، فقد بدأ نيكولاي تشاوشيسكو، المعروف بمعاداة السامية، حكمه عام 1965 بقبضة فولاذية امتدت 24 عاماً، وعلى مدار 29 سنة، قتلت عائلة دوفيليه في هايتي المعارضين السياسيين حتى انهيار النظام عام 1986.
في الحالات الثلاثة، تمتعت تلك الأنظمة الديكتاتورية بعلاقات دافئة مع إسرائيل، وإذا ما اقتربنا بالزمن نحو الحاضر، من حدود الاتحاد الأوروبي إلى مشكلة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، ومن العنف ضد الروهينغا في ميانمار إلى هجمات الهند في كشمير، يمكن ملاحظة أن إسرائيل قد لعبت دوراً في إمداد كل تلك الأطراف بالأسلحة والتكنولوجيا التي ساهمت في انتهاك حقوق الإنسان.
هذا ما أشار إليه الكاتب الصحفي، أنتوني لوينستين، في كتابه “مختبر فلسطين: كيف تصدر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم”، ويمثل الكتاب حالة من الاستكشاف الدقيق لعلاقات إسرائيل الدنيئة مع الأنظمة الاستبدادية والمنخرطة في أعمال التهجير الجماعي، حيث يلقي الكتاب بنظرة فاحصة على تاريخ وحاضر تلك العلاقات.
في بداية الكتاب، يروي لوينستين، الذي بدأ عمله بإعداد التقارير عن فلسطين وإسرائيل قبل 20 عام، تاريخه العائلي مع رحلة التشرد، حيث هرب أجداده من ألمانيا النازية والنمسا كلاجئين يهود عام 1939، ثم نشأ في استراليا في ما وصفه بمنزل صهيوني ليبرالي.
لا توجد استراتيجية تسويق فعالة للمبيعات أكثر من “اختبار المعركة”!
في أول حياته المهنية، كما يقول، كان متمسكاً بمعتقداته حول حل الدولتين وما تضمنته من قيام دولة لليهود، لكنه غير ذلك لاحقاً بعدما اطلع على التدمير المنهجي لفلسطين وشعبها، حيث يقول “اليوم أؤيد حل الدولة الواحدة للنزاع حيث يمكن للجميع العيش في مساواة”، وأضاف “لقد تطور الوعي لدي في السنوات الماضية نحو ما كانت عليه إسرائيل دوماً وما تتجه إليه”.
التحقيق في إسرائيل
نقطة البداية في “مختبر فلسطين” هي القيام بتحقيق شامل عن تعاملات إسرائيل مع مبيعات الأسلحة حول العالم، ومع الأنظمة الديكتاتورية.
مثلاً، يتطرق لوينستين إلى علاقة إسرائيل مع النظام التشيلي إبان حكم أوغستو بينوشيه، الحاكم العسكري المناهض للشيوعية في حقبة الحرب الباردة، مثل قصة دانييل سيلبرمان، اليهودي التشيلي الذي تم اعتقال والده وتعذيبه ثم اختفائه قسراً، فر سيلبرمان لاحقاً إلى إسرائيل، لكن “استغرق الأمر طويلاً حتى أدرك دانيال تواطؤ الولايات المتحدة وإسرائيل مع بيونشيه الذي قتل والده”.
في موضع آخر، يتطرق لوينستين إلى التسليح الإسرائيلي والعلاقة مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وجنوب السودان وميانمار، وهي دول غارقة في انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان.
من أهم الأمور التي تحدث عنها لوينستين في كتابه، هي القيمة الإعلانية لاحتلال الضفة والقدس الشرقية لمدة 56 عاماً حتى اليوم، بالإضافة إلى حصار غزة لمدة 16 عاماً، فغالباً ما يستخدم الجيش الإسرائيلي تكنولوجيا عالية الجودة لتقييد حركة ملايين الفلسطينيين ومراقبتهم، فضلاً عن قصف غزة المستمر، وبذلك لا توجد استراتيجية تسويق فعالة للمبيعات أكثر من “اختبار المعركة”!
تفاخرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل بـ “دقة طائرات هيرمس الجراحية أثناء الهجوم على غزة” أغسطس 2022
أخذت “نعمة” الأعمال المربحة بالنسبة لإسرائيل بالتصاعد بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة، حيث أدت الحرب العالمية على الإرهاب إلى “شحن قطاع الدفاع الإسرائيلي”، كما يقول لوينستين، لأن وزارة الدفاع تشرف على الصفقات الخارجية بكل تأكيد.
تجارة كالعادة!
اكتسبت إسرائيل عبر السنوات السابقة سمعة عالمية كمورد لأدوات المراقبة وتكنولوجيا مكافحة الإرهاب والأسلحة، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار والصواريخ ومعدات المراقبة، وحصدت من وراء ذلك المليارات من الدولارات.
لم تكن سمعة جيدة دائماً بطبيعة الحال، بحسب لوينستين، فقد تراجع الرأي العام تجاه إسرائيل خلال العقدين الماضيين، ولكن لا يبدو أن إسرائيل تهتم بذلك، فقد استمر العمل!
كتاب “مختبر فلسطين” يضع إسرائيل في شبكة منتهكي حقوق الإنسان العالميين من أمريكا الشمالية حتى الصين، ولا يفلت من العقاب أي شخص لديه يد حمراء ملطخة بالدم وحقيبة نقود ليدفع!
على سبيل المثال، تم استخدام طائرة هيرون بدون طيار، التي استخدمتها وكالة الحدود الخارجية التابعة للاتحاد الأوروبي من أجل مراقبة قوارب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، على الفلسطينيين لسنوات، حيث يقول لوينستين أن الاتحاد الأوروبي “دخل في شراكة مع شركات دفاعية إسرائيلية رائدة في استخدام الطائرات بدون طيار، فكانت سنوات الخبرة في فلسطين هي نقطة البيع الرئيسية”.
منذ عام 2004، استخدمت سلطات الحدود الأمريكية طائرة هيرمس 450 بدون طيار لمراقبة الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، حيث لعبت الطائرة دوراً محورياً في منع المهاجرين من العبور، وفي أغسطس من العام 2022، تفاخرت صحيفة تايمز أوف إسرائيل بـ “دقة طائرات هيرمس الجراحية أثناء الهجوم على غزة”، كما أشارت هآرتس إلى أن تلك “الضربات الجراحية” قتلت ما لا يقل عن 17 فلسطينياً بينهم نساء وأطفال!
بهذه الطريقة، حولت إسرائيل احتلالها إلى مشروع مربح، فلا تضيع شركات الأسلحة الإسرائيلية فرص جني المال ولو على حساب الأرواح، حيث يأتي الربح بأشكال عديدة كما يقول لوينستين، فمثلاً، تعمل مجموعات مثل NSO “مع الدولة الإسرائيلية لتعزيز أهداف سياستها الخارجية”، فعندما توفر إسرائيل أو الشركات الإسرائيلية وسائل القمع، يمكنها بالمقابل الاستفادة من موقف الدولة التي اشترت منها التكنولوجيا أو الأسلحة في أحداث المسرح العالمي.
كتاب “مختبر فلسطين” يضع إسرائيل في شبكة منتهكي حقوق الإنسان العالميين من أمريكا الشمالية حتى الصين، ولا يفلت من العقاب أي شخص لديه يد حمراء ملطخة بالدم وحقيبة نقود ليدفع!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)