مخيم عقبة جبر في أريحا… كيف أصبح هدفاً مستمراً للغارات الإسرائيلية المميتة؟

بقلم ليلى ورع

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تحت غطاء الليل المظلم، وفي مساء 25 من مايو، بدأت قوات الجيش الإسرائيلي عملية موسعة داخل مخيم عقبة جبر للاجئين جنوب غرب مدينة أريحا في الضفة الغربية، تم تطويق المخيم من جميع الاتجاهات وفُرض الحصار، بعد أن ملأت عشرات العربات العسكرية المصفحة أزقة المخيم برفقة جنود وقناصة على أسطح المنازل.

كان على الفلسطينية فداء مقبل، ذات الـ19 عاماً، أن تعيش أحداث تلك الليلة المؤلمة مرة أخرى منذ بداية عام 2023، حيث اختبأت هي وإخوتها الصغار بمفردهم داخل منزلهم الصغير مع بدء المداهمة، وكانت راحتهم الوحيدة سماع صوت والدهم عبر مكالمة فيديو من غرفة في أحد مستشفيات رام الله، حيث كان يرافق والدتهم التي كانت قد أُصيبت خلال مداهمة المخيم في الأول من مايو.

تتذكر فداء ذلك اليوم بقولها “كل صوت عالٍ يعيدني إلى تذكر أحداث تلك الليلة، كنا جميعاً نائمين عندما سمعنا صوت انفجار في السادسة فجراً، ثم سمعنا صراخ أمي، فقد أُصيبت بشظية غادرة”.

يعد المخيم اليوم موطناً لحوالي 30 ألف فلسطيني، وهو أكبر مخيمات الضفة من حيث المساحة

 داهم الجنود منزل عائلة فداء حيث دفعها جندي نحو غرفة المعيشة لترى الدمار حولها، ثم أتوا بالجيران إلى منزلهم أيضاً، احتمى الجميع بطاولة الطعام في الظلام، وسط الغبار المتطاير والأصوات المرعبة، لمدة ساعتين دون حراك، وخلال ذلك الوقت، أطلق قناص إسرائيلي النار من نافذة غرفة نوم فداء وأصاب 3 فلسطينيين كانوا يتحصنون في المنزل.

لم يكد يمر شهر حتى عادت فداء لتعيش هذه الأحداث مع مداهمة جديدة، في ظل صدمة لم تكد تنهض من أثرها لا هي ولا إخوتها بعد، كما تم إلغاء حفل زفافها الذي كان مقرراً بعد المداهمة بيومين! 

صدمة قد تمتد مدى الحياة!

خلال الأشهر الأخيرة، شكل مخيم عقبة جبر هدفاً دائماً لعمليات الجيش الإسرائيلي التي جلبت الموت والدمار معها إلى مدينة أريحا، المعروفة بهدوئها نتيجة كونها سياحية.

تأسس المخيم عام 1948 من أجل إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين طردتهم الميليشيات الصهيونية من منازلهم، لإفساح المجال أمام قيام دولة إسرائيل، ويعد المخيم اليوم موطناً لحوالي 30 ألف فلسطيني، وهو أكبر مخيمات الضفة من حيث المساحة.

قد يصل عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة إلى أكثر من 280 مع نهاية العام إذا ما استمرت الوتيرة على هذا النحو، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 67% عن العام الماضي، وهي أعلى نسبة مسجلة بالفعل منذ عقود!

وتأتي المداهمات الأخيرة في سياق تصاعد هجمات القوات الإسرائيلية على مناطق مختلفة من الضفة منذ بداية عام 2023، وسط تجدد في المقاومة الفلسطينية المسلحة، فبالإضافة إلى مدن نابلس وجنين وطولكرم وبلدة طوباس، شهدت أريحا ظهور مجموعة مقاومة جديدة عام 2022 تحت مسمى “لواء عقبة جبر”، والتي ظهرت بشكل واضح خلال مداهمة فبراير الماضي عندما اغتالت القوات الإسرائيلية 5 من أفراد المجموعة، كما قتل الجيش 4 فلسطينيين آخرين، كما أسفرت المداهمات عن اعتقال قرابة 100 فلسطيني.

ويشكو سكان المخيم من آثار المداهمات طويلة المدى، منها الجسدية مثل الإعاقة أو النفسية خاصة بين الأطفال، بسبب تحطيم الأبواب وتدمير المنازل واستخدام القنابل الصوتية، مما يؤدي إلى نشر الذعر بين السكان، وفي شهادة لأحد سكان المخيم يقول “كان بعض الأطفال خائفين لدرجة التبول في ملابسهم”!

لقد تسببت النيران الإسرائيلية بقتل ما لا يقل عن 118 فلسطينياً في الضفة والقدس منذ بداية عام 2023، من بينهم 18 طفلاً، بالإضافة إلى قتل 34 آخرين في غزة بينهم 6 طفل، وبحسب تخمينات خبراء، فقد يصل عدد القتلى الفلسطينيين في الضفة إلى أكثر من 280 مع نهاية العام إذا ما استمرت الوتيرة على هذا النحو، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 67% عن العام الماضي، وهي أعلى نسبة مسجلة بالفعل منذ عقود!

هجمات عكسية

يعول الإعلام العبري أن العمليات التي يشنها الجيش على مخيم عقبة جبر تهدف إلى سحق أي بذرة للمقاومة الفلسطينية داخل المخيم، الأمر الذي يشير محللون إلى أنه قد يأتي بنتيجة عكسية، على اعتبار أن الجيل الجديد لا يرى لنفسه مستقبلاً في ظل وجود الاحتلال، ولذلك ليس لديه خيار آخر إلا المقاومة المسلحة.

المفارقة، أنه مع كل هجمة إسرائيلية، تظهر جماعة مسلحة فلسطينية جديدة، تتحدى الاحتلال!

ويرى المحللون أن وسائل الإعلام الغربية قد فشلت في الإشارة إلى اختلال ميزان القوى بين الجيش الإسرائيلي الذي يهاجم مجموعات صغيرة من الشبان، وهؤلاء الشبان الذين لا يملكون الكثير لشراء الأسلحة، وهم بحجة الأسلحة هذه يبررون قتل الفلسطينيين ويستخدمون الجرافات والطائرات والصواريخ وعدداً كبيراً من الجنود!

عقاب جماعي!

إضافة إلى التصعيد والعنف العسكري، تقوم إسرائيل بتطبيق إجراءات عقابية ضد المدنيين الفلسطينيين، مثل إلغاء تصاريح العمل لأهل المخيم، إن كان له قريب قد قُتل أو اعتقل، وهو أشبه بعقاب جماعي يؤثر على حياة الفلسطينيين من الناحية الاقتصادية والنفسية بمحاولة زرع حالة من الاستياء لدى أهل المخيم من المقاومة، الأمر الذي له تأثير معاكس في مخيم عقبة جبر، فكل أفراد المخيم يقفون معاً.

تمتد سياسة العقاب الجماعي أيضاً إلى أريحا، الوجهة السياحية الشهيرة التي يعبر من خلالها المسافرون إلى الضفة، بعدما فرضت القوات الإسرائيلية الحصار عليها مرتين منذ بداية هذا العام ولأسابيع متتالية، الأمر الذي كلف قطاع السياحة عشرات الملايين من الدولارات.

ولا يعد الوضع في مخيم عقبة جبر استثنائياً، فالقوات الإسرائيلية تستهدف المخيمات في الضفة بشكل متزايد، مثل مخيم جنين ومخيم نور شمس في طولكرم ومخيم شعفاط في القدس، ولكن المفارقة، أنه مع كل هجمة إسرائيلية، تظهر جماعة مسلحة فلسطينية جديدة، تتحدى الاحتلال!

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة