بقلم نادر درغام
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تتكئ فهدية عيسى على الحائط مسندة رأسها إلى حجارته، على أمل أن تخطف لحظة راحة من الألم الذي تشعر به بعد أن نجت من قصف الاحتلال المتواصل في جنوب لبنان، وتقول: ” ما عشناه بالأمس كان لا يصدق، دخان، رعب، طائرات حربية، لم يكن أحد يستطيع الذهاب إلى أي مكان، خوف وضوضاء وتوتر، ماذا عساني أقول غير ذلك؟”
نزحت المرأة المسنة من قرية حومين التحتا في جنوب لبنان وهي تحس بالامتنان للأمان النسبي الذي وجدته في مدرسة البطريركية اليونانية الكاثوليكية وسط بيروت، والتي فتحت أبوابها مثل غيرها من المدارس في لبنان لإيواء النازحين.
قضت عيسى ساعات في الطريق ولا تزال ابنتاها، اللتان تعيشان في مناطق أبعد إلى الجنوب في حالة سفر ما جعلها تنتظر بقلق وصولهما.
فقد أرغمت عمليات القصف وأوامر الإخلاء التي أصدرها الاحتلال عشرات الآلاف من اللبنانيين على ترك منازلهم ما جعل الطرق المؤدية إلى بر الأمان مزدحمة لدرجة أن العديد من النازحين أمضوا 12 ساعة أو أكثر في رحلة كانت تستغرق في السابق ساعة أو ساعتين فقط.
وعند مدخل المدرسة، بكت العائلات المفرقة وبدا الخوف على أفرادها، لقد عاشوا للتو أكثر أيام لبنان دموية منذ الحرب الأهلية.
وكانت قوات الاحتلال قد دخلت في صراع مع حزب الله منذ أوائل أكتوبر/تشرين الأول، لكن هجمات الاحتلال المتصاعدة بلغت ذروتها يوم الاثنين عندما قتل القصف العنيف ما لا يقل عن 558 شخصاً بينهم 50 طفلاً.
“يمكننا أن نرى ما عاشوه في وجوههم، وكم عانوا وكم كانوا خائفين وكم كانوا متعبين، ترى هذا وتسأل الله أن يمدك بالقوة حتى تستمر في دعمهم، ومهما قدمنا، سيظل ذلك أقل مما ينبغي للنازحين من شعبنا” – سحر رزق، متطوعة
وقد استقبلت مدرسة البطريركية حوالي 350 لبنانياً منذ أن فتحت أبوابها للنازحين حيث تقول سحر رزق، وهي ناشطة محلية تساعد في إدارة توزيع المساعدات، أن المدرسة الآن ممتلئة، وكذلك مدرسة أخرى في نهاية الطريق، لكن مدرسة ثالثة قريبة قد تبدأ في استقبال النازحين قريباً.
ووفقاً لرزق، فإن النازحين الذين يصلون إلى بيروت يحتاجون إلى أنواع مختلفة من المساعدة، حيث تعتبر مواد النظافة للأطفال والنساء أولوية، ولكن في مواجهة مثل هذه المشاهد المؤلمة في الجنوب والشرق، استجاب اللبنانيون بقوة.
وتساءلت رزق: “ما قيمتك في الحياة إذا لم تقدم نفسك لأخيك؟ أخيك النازح الذي ترك كل شيء من أجلك”.
وليس من الواضح بعد إلى متى سيضطر النازحون للانتظار حتى يتمكنوا من العودة إلى ما تبقى من مجتمعاتهم في الجنوب.
لكن عيسى تقول: “إن شاء الله، سنعود جميعاً إلى ديارنا، نريد أن يتمكن جميع الناس من العودة إلى منازلهم”.
وعلى الرغم من أن البالغين المنهكين على وشك الانهيار، إلا أن ملعب المدرسة كان يعج بالأطفال الذين يلعبون بسعادة، حيث تشير رزق إلى أن لحظات السعادة تلك هي التي تجعلها تستمر.
وتقول: “أشعر بسعادة غامرة عندما أصعد إلى الأعلى وأرى الناس يبتسمون، حتى ينسوا على الأقل 1% مما مروا به في الأيام القليلة الماضية”.
ولم تستقبل المدرسة اللبنانيين من الجنوب أو من وادي البقاع في الشرق فحسب، بل استقبلت أيضاً أولئك الذين نزحوا من ضاحية بيروت الجنوبية بعدما قصفها الاحتلال مراراً وتكراراً، مثل آمال علوية، 36 عاماً، التي نزحت من حارة حريك وهي تنتظر وصول أقاربها من الجنوب.
وتؤكد آمال أن الأيام القليلة الماضية كانت مرعبة، لكنها لم تهز دعمها لحزب الله أو إيمانها بأنه سينتصر في معركته ضد الاحتلال.
وتضيف: “بالطبع، نحن منزعجون، كان الأمر صعباً، لكننا صامدون حتى آخر نفس، نحن ندعم المقاومة، وندعم فلسطين والشعب الفلسطيني، والنصر قريب، إن شاء الله”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)