أعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير جديد لها عن قيام القوات الإسرائيلية بارتكاب جرائم حرب ضد المرضى أثناء احتلالها المستشفيات في قطاع غزة خلال الإبادة الجماعية على غزة.
أكدت المنظمة الحقوقية بأن الجيش “تسبب في مقتل ومعاناة” نحو 84 مريضاً فلسطينياً أثناء احتلاله المنشآت الطبية، وذلك من خلال قطع الكهرباء والماء والغذاء والأدوية.
علاوة على ذلك، فقد أفاد شهود عيان في 3 مستشفيات بقيام الجنود باستهداف المدنيين بإطلاق النار وإساءة معاملة العاملين في مجال الصحة وتهجيرهم قسراً، بالإضافة إلى استهداف المرافق والمعدات الطبية، وهي أفعال خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أنها ترقى إلى جرائم حرب.
“أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي قنبلة صوتية وقنبلة دخان عبر النوافذ لإجبار الناس على النزول إلى الطابق السفلي خلال اقتحام مستشفى الشفاء” – هيومن رايتس ووتش
ويستند التقرير إلى مقابلات مع 9 مرضى واثنين من العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين شهدوا الغارات الإسرائيلية واحتلال مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة في نوفمبر عام 2023 ومارس عام 2024 ومستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا في يناير عام 2024 ومجمع ناصر الطبي في خان يونس في فبراير عام 2024.
بحسب التقرير، فقد أفاد الطاقم الطبي بأن حصار القوات الإسرائيلية للمستشفيات، والذي منع وصول سيارات الإسعاف والإمدادات الطبية، كان سبباً في إعاقة العلاج، الأمر الذي أدى إلى استشهاد الجرحى والمرضى المصابين بأمراض مزمنة، ومن بينهم الأطفال الذين يخضعون لغسيل الكلى.
في شهادته لـ هيومن رايتس ووتش، قال الدكتور العامل في مستشفى الشفاء، خليف أبو سمرة، بأنه شهد بأم عينه كيف اضطر عاملون بفصل مريض عن جهاز التنفس الصناعي بسبب نقص الكهرباء.
أكد تقرير المنظمة الحقوقية أيضاً على قيام القوات الإسرائيلية بإخلاء المستشفيات قسراً دون تقديم أي مساعدة لمن يستخدمون النقالات والكراسي المتحركة، كما أطلقت النار على المرضى الفارين وسيارات الإسعاف.
لا طريق آمن
في 13 أكتوبر عام 2023، أصدر الجيش الإسرائيلي أمر إخلاء قسري لسكان شمال غزة والذي شمل مستشفى الشفاء، وهو أكبر منشأة طبية في فلسطين، حيث كان يأوي 50,000 نازحاً، ومع ذلك، فقد صدر أمر الاحتلال الإسرائيلي رغم عدم وجود طريق آمن لمغادرة المجمع.
وفي الوقت الذي كان قد بدأ فيه إخلاء المستشفى، كانت الغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف سيارات الإسعاف التي كانت تقل المرضى بعيداً عن المجمع الطبي، حتى أدت إحدى الهجمات إلى استشهاد و جرح ما لا يقل عن 21 شخصاً بينهم 5 أطفال.
في إفادتها، أكدت الفلسطينية البالغة من العمر 23 عاماً، ريدانا زهرة، بأن دبابة إسرائيلية أطلقت النار عليها أثناء محاولتها الفرار من المجمع مع أطفالها وشقيقها وابن عمها، وأصيبت ابنتها البالغة من العمر 5 سنوات بجروح بالغة في الهجوم، وكان لا بد من بتر ساقها.
“لقد أدى احتلال الجيش الإسرائيلي لمستشفيات غزة إلى تحويل مواقع الشفاء والتعافي إلى مراكز للموت وسوء المعاملة، ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات المروعة” – بيل فان إسفلد- هيومن رايتس ووتش
في 12 نوفمبر، حاصرت القوات الإسرائيلية المستشفى الذي كان يؤوي في ذلك الوقت حوالي 600 مريض، بينهم أطفال خدج ومرضى غسيل كلى، كما قطعت إسرائيل الوصول إلى المنشأة وإمدادات الطاقة عنها، مما أدى إلى وفاة حوالي 40 مريضاً في الفترة ما بين 11 و17 نوفمبر عام 2023.
وفي 15 نوفمبر، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي المنشأة وكانت شهد القطيطي تتلقى العلاج في ذلك الوقت من الجروح التي أصيبت بها في غارة على المبنى الذي تسكن فيه في مدينة غزة في 11 أكتوبر، مما أدى إلى استشهاد زوجها وحماتها، وكانت القطيطي قد أنجبت طفلة ميتة قبل أيام من الغارة.
ذكر التقرير أيضاً أن قوات الاحتلال الإسرائيلي أطلقت “قنبلة صوتية وقنبلة دخان عبر النوافذ لإجبار الناس على النزول إلى الطابق السفلي خلال اقتحام مستشفى الشفاء”، حيث أمر الجنود الإسرائيليون المرضى والعاملين بالإخلاء في 17 نوفمبر، ووفقاً للدكتور أبو سمرة، فقد كان هناك حوالي 150 مريضاً لم يكونوا قادرين على التحرك في ذلك الوقت، بل إن بعضهم كان في غيبوبة والبعض الآخر مبتوري الأطراف.
وفقاً لتقارير وسائل الإعلام ووكالات الأمم المتحدة، فقد استشهد 5 أطفال مرضى في المستشفى في الفترة ما بين 11 و19 نوفمبر، كما أفاد أبو سمرة بأن ما لا يقل عن 10 مرضى ممن كانوا على أجهزة غسيل الكلى “رفضوا المغادرة” وأنه لا يعرف ما حدث لهم بعد ذلك.
أفاد طبيب آخر بأن إحدى المريضات قد توفيت أثناء الولادة، وذلك بعد نقلها إلى منشأة أخرى تفتقر إلى العناية المركزة الكافية.
عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من مستشفى الشفاء في أوائل أبريل عام 2024 بعد حصار ثانٍ دام أسبوعين على المستشفى، كانت المباني قد تحولت إلى أنقاض وفيها من الجثث المتناثرة في جميع أنحاء المجمع.
نظراً لمحدودية القدرة على الوصول إلى المقابر والمشارح المكتظة بالموتى، اضطرت العائلات إلى حفر قبور مؤقتة في باحات المستشفيات، فيما دفنت قوات الاحتلال الإسرائيلي بعض الشهداء في مقابر جماعية أثناء هجومها، ولم تتمكن فرق الدفاع المدني في غزة من نقل الجثث من باحات المستشفيات إلى مقابر المدينة حتى إعلان وقف إطلاق النار في فبراير الماضي.
“مراكز للموت وسوء المعاملة”
لقد برر الجيش الإسرائيلي اعتداءاته على المرافق الطبية في غزة مراراً وتكراراً بادعاءات تتمحور حول قيام المجموعات الفلسطينية المسلحة باستخدام المستشفيات “كمراكز قيادة عسكرية”، لكنه فشل في تقديم أي دليل على ذلك.
شددت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقريرها على أن استهداف المستشفيات والطواقم الطبية يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي، ورغم إشارة المنظمة في تقريرها إلى أن المرافق الطبية قد تتعرض للهجوم إذا “استخدمت لارتكاب أعمال ضارة بالعدو”، إلا أنها أكدت بأن “وجود المقاتلين الجرحى أو المرضى وأسلحتهم الصغيرة لا يجعل المستشفيات عرضة للهجوم”.
جاء في التقرير: “بينما تمارس القوات الإسرائيلية سيطرة على المستشفيات، فإنها ملزمة أيضاً بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان باحترام وحماية حتى أعلى مستوى”.
وقد أوضح المدير المساعد لحقوق الطفل في هيومن رايتس ووتش، بيل فان إسفلد، بالقول: “لقد أدى احتلال الجيش الإسرائيلي لمستشفيات غزة إلى تحويل مواقع الشفاء والتعافي إلى مراكز للموت وسوء المعاملة، ويجب محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات المروعة”.