بقلم محمد الحموي وتاج حسين
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل شهر فقط من اليوم، ادعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الأمم المتحدة “أن إسرائيل تسعى إلى السلام، وإسرائيل تتوق إلى السلام، وقد صنعت إسرائيل السلام وسوف تصنع السلام مرة أخرى”!
كانت هناك مفارقة مهمة خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ففي الوقت الذي تم الموافقة فيه على عملية اغتيال جديدة من داخل غرفة فندقية في نيويورك، حيث أسقطت الطائرات الإسرائيلية أكثر من 80 قذيفة خارقة للتحصينات على منطقة مكتظة بالسكان في بيروت، كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى جانب البرازيل والصين وفرنسا والأردن وكازاخستان وجنوب إفريقيا، تقوم بإطلاق مبادرة عالمية من أجل وقف إطلاق النار ومطالبة إسرائيل بتجديد التزامها بالقانون الدولي الإنساني في الحرب.
رغم المبادرة، إلا أن نتنياهو وقف خلف المنصة مدعياً أنه يسعى للسلام، فمن الواضح أن إسرائيل تعتقد أنها فوق بقية العالم وأن بقية العالم لا يستطيع أو لا يريد أن يتخذ أي إجراء حقيقي ضد هذه الدولة المارقة.
ما يحدث من إبادة هو إدانة دامغة للقانون الدولي، بأن يُسمح لإسرائيل بشن حرب إبادة جماعية دامت عاماً كاملاً حتى الآن تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، بعد 7 عقود من الاحتلال
ورغم إدانة الولايات المتحدة لسلوكيات نتنياهو، إلا أنها لا تتوقف عن دعمه، حيث تم تأمين الحكومة الإسرائيلية بمساعدات إضافية بقيمة 8.7 مليار دولار في نفس الأسبوع الذي سقطت فيه أطنان من القنابل على المدنيين في بيروت!
تواطؤ متعمد
من الواضح أن الإرادة لمعاقبة ما يجري من انتهاكات لحقوق الإنسان لا تكون موجودة إلا عندما تتوافق مع المصالح الوطنية للدولة المذكورة، فعلى سبيل المثال، وجهت المحكمة الجنائية الدولية الاتهامات إلى 44 شخصاً حتى الآن وكان جميعهم من القارة الإفريقية.
هذا يعني أن المذبحة حتى وإن راح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص على أيدي آلة الحرب الإسرائيلية، فهي ليست مهمة ما لم تضر بعد بالمصالح الوطنية لأي دولة غربية، فرغم تأكيد القانون الدولي الإنساني على المسؤولية تجاه الالتزام العالمي بالحد من طغيان الدول وإعطاء الأولوية للإنسانية قبل كل شيء، إلا أن المجتمع الدولي يكتفي بالمراقبة!
في الواقع، تستمر محكمة العدل الدولية في مداولاتها وتستمر المحكمة الجنائية الدولية في مناقشة أوامر الاعتقال تحت تهديد الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت تستمر الإبادة الجماعية، لكن العالم يحتاج إلى عقد كامل ربما من أجل تصنيف الإبادة الجماعية وترك القضية تأخذ مجراها ثم مناقشة المزايا القانونية ثم الصراخ بقول أن ذلك “لن يحدث مرة أخرى أبداً”!
يتفق علماء الإبادة الجماعية على أن الإبادة الجماعية تحدث على مراحل، إلا أن العالم يرفض الاستماع إلى ذلك، فما هو الهدف من المحكمة الجنائية الدولية التي تهاجمها الولايات المتحدة؟ وما هو الغرض من اتفاقية الإبادة الجماعية إذن إذا كان علينا أولاً الانتظار حتى يتم تنفيذ الإبادة الجماعية واستكمالها؟!
يجلس النقاد على شاشات التلفزيون وهم يناقشون هذا النظام العالمي المتغير، فالتحول الذي يتحدثون عنه في كلامهم بعيد عن النظام القائم على القواعد، وفي منطقتنا لم يتغير شيء، فلم تتم صياغة مبدأ الضاحية في 27 سبتمبر، فهذه السياسة، التي تقوم على استخدام القوة ضد البنية التحتية المدنية والمناطق الحضرية، يعود تاريخها إلى الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان في يوليو عام 2006.
هذا هو النظام الذي تفرضه القوى الغربية دائماً، وهو نظام لا تعطي شعوب المنطقة له أي قيمة أو معنى، فإذا ما توقفنا عن غزة، فما يحدث من إبادة هو إدانة دامغة للقانون الدولي، بأن يُسمح لإسرائيل بشن حرب إبادة جماعية دامت عاماً كاملاً حتى الآن تحت ذريعة “الدفاع عن النفس”، بعد 7 عقود من الاحتلال!
ويزداد الأمر قبحاً مع تواطؤ الغرب المتعمد من خلال المراوغات القانونية المتعلقة بما يسمونها عملية السلام وتنفيذ حل الدولتين، ولكن الحقيقة أن هذا التواطؤ المتعمد لن يفشل في إحلال السلام في المنطقة فحسب، بل سوف يطيل أمد واقع الاحتلال والإبادة الجماعية.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)