مسلسل جلال الدين الرومي الجديد: دراما تركية تنافس “أرطغرل”

بقلم شفيق مندهاي وميرا العدم

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

منذ عام 2015، وشركات الإنتاج التلفزيوني في تركيا تركز على هدف واحد، وهو إنشاء عرض يتفوق على مسلسل قيامة أرطغرل، والد عثمان، مؤسس الإمبراطورية العثمانية.

شكل أرطغرل ضجة كبيرة في العالم العربي وفي باكستان، وبين المسلمين البريطانيين، كما يتضح من المطاعم التي تتخذ طابع أرطغرل في المملكة المتحدة ومن حجم مبيعات القبعات التركية التقليدية التي ترتديها شخصيات المسلسل.

تأمل قناة تي آر تي التركية أن تكرر هذا النجاح بمسلسلها الجديد حول الصوفي الأسطوري جلال الدين محمد بلخي، المعروف باسم الرومي.

اشتهر الشاعر والباحث الإسلامي بشعره التعبدي عن الحب الإلهي، الأمر الذي أكسبه التقدير في العالم الإسلامي وكذلك في الغرب، برغم تجريد الفنانين والمغنين لشعره من نغماته الدينية أحيانًا.

المسلسل الجديد المسمى “الرومي”، أمامه الكثير لكي يستطيع منافسة مسلسل أرطغرل، فكل حلقة من حلقات أرطغرل، حصدت ملايين المشاهدات على يوتيوب.

 وفي وقت النشر، جمعت قناة Tabii Urdu وحدها، المملوكة لشركة TRT والتي كانت تنشر الحلقات على المنصة، أكثر من 8.7 مليار مشاهدة.

قليلون هم الذين توقعوا نجاح أرطغرل في العالم الإسلامي، لا سيما خارج تركيا، لكن هناك درس واحد تعلمه المنتجون الأتراك، هو أن هناك تعطشًا للسينما التاريخية بين الجماهير الإسلامية الأجنبية.

وتبع أرطغرل مسلسل آخر عن ابنه، عثمان، في عام 2019، ثم جاء مسلسل آخر عن آخر سلطان عثماني كبير، عبد الحميد الثاني، بالإضافة إلى مسلسل يحكي السيرة الذاتية للأخوين بربروسا، الذين سيطرا على أجزاء من البحر الأبيض المتوسط في القرن السادس عشر.

وبينما حصدت العروض اللاحقة ملايين المشاهدات لكل حلقة، إلا أنها لم تكن قادرة على تكرار أي شيء قريب من نسبة مشاهدات مسلسل أرطغرل، لذلك فالكثيرون يعتمدون على النجاح المحتمل للرومي.

يروي قصة الرومي كاتبا السيناريو علي أيدين وميلا إنزنجين وهو من إخراج كان أولكاي وإنتاج كيرييم أييلديز، وسيقوم بدور البطولة بولنت إينال، الذي لعب دور عبد الحميد الثاني.

من هو الرومي؟

تروي قصة المسلسل حياة الرومي بعد أن فرّ من موطنه في آسيا الوسطى، في أعقاب الغزو المغولي.

ولد الرومي لعائلة تتحدث الفارسية في أفغانستان عام 1207، وعاش لاحقًا فيما يعرف اليوم بالعراق وسوريا وتركيا.

درس الرومي الدين في سن مبكرة، وتخصص في المذهب الحنفي للفقه الإسلامي السني، واستقر في مدينة قونية، جنوب الأناضول حيث يقع قبره اليوم كواحد من المعالم السياحية الرئيسية.

يشتهر الرومي ليومنا هذا بسبب شعره، ويُعتبر على نطاق واسع من بين أعظم شعراء اللغة الفارسية، ومن الصعب التقليل من تأثير الرومي على الأدب الفارسي، نظرًا لتأثيره على الشعراء المشهورين مثل حافظ وسعدي، حيث تغطي أشعاره مواضيع مختلفة، لكن أكثر أبياته شهرة تتناول طبيعة الله والحب الإلهي.

أثرت مجموعات الرومي أيضًا على الأدب التركي والجنوب آسيوي وتُقرأ بلغاتها الأصلية، والتي تشمل الفارسية والعربية والتركية واليونانية، وكذلك في الترجمات.

أشهر أعمال الرومي هو ديوان “مقاطع روحية”، والذي يتألف من حوالي 25000 مقطع يتعامل إلى حد كبير مع القضايا الدينية، الشرعية الخارجية المستمدة من اللاهوت الإسلامي، والحكمة الصوفية، والتي ركزت على التفكر بالخالق.

عمل العالم والشاعر على تأليفه الرائع حتى وفاته في قونية عام 1273، لكن الكتاب سيبقى جزءًا من شريعة الشعر الصوفي لعدة قرون قادمة.

أحد الموضوعات الأساسية في التقليد الشعري الصوفي الذي ينتمي إليه الرومي هو التغلب على “النفس”. 

في الصوفية والتقاليد الإسلامية الصوفية الأخرى، هدف المسلم في الحياة هو التغلب على هذا الجانب الأساسي من الذات، حتى تتمكن الذات الحقيقية أو “الروح” من التواصل مع الله.

إن الحب الذي تحدث عنه الرومي والصوفيون الآخرون هو نتيجة لهذا الاتحاد، وبالتالي فهو يختلف عن الحب الرومانسي، لكن الصوفيون يعتقدون أن الحب الإلهي يفتح الأبواب أمام الحب الحقيقي بجميع أنواعه، بما في ذلك الحب بين الأصدقاء، وكذلك النوع الرومانسي بين الأزواج.

اكتسبت ترجمات شعر الرومي شعبية في الغرب، على الرغم من وجود جدل حول الطريقة التي جرد بها بعض الفنانين أو قللوا من أهمية الدلالات الدينية للنصوص الأصلية، وطبقوها حصريًا على مفهوم الحب الرومانسي.

ويُعتقد أن الكتاب الغربيين في وقت لاحق مثل رالف والدو إيمرسون وراينر ماريا ريلكه قد تأثروا بقصائد الرومي بناءً على الموضوع المشترك الموجود في أعمالهم المتمثلة في البحث عن الإله داخل الذات.

هل سيكون أرطغرل القادم؟

من الواضح أن منتجي الرومي يريدون التركيز على البعد الروحي لحياة الشاعر العظيم.

يبدأ مقطع دعائي على قناة Tabii channel  بإظهار الرومي وسط الصوفيين الآخرين، وهم يرددون عبارة “لا إله إلا الله”.

وتُسمع إحدى الشخصيات وهي تطلب من الرومي “الغوص في المحيط”، في إشارة لقصة رمزية شائعة لدى الصوفية للسعي وراء المعرفة الإلهية.

وتتابع الشخصية: “أمامنا تحديان كبيران، كل منهما أكبر من الآخر، أحدهما في الحياة الأرضية والآخر في العالم الروحي”.

يتعلم الرومي بعد ذلك أن التحدي المادي الذي يواجهه هو التهديد الذي يشكله المغول وأن التحدي الروحي هو رحلته الخاصة لاكتشاف الذات.

يبدو أن إدراج المغول هو مجرد أداة درامية، بالنظر إلى أنهم لم يلعبوا دورًا رئيسيًا في حياة الرومي الشخصية بعد مغادرته آسيا الوسطى.

ومع ذلك، فإن وجودهم يوفر فرصة لعرض هذا النوع من مشاهد المعارك الملحمية التي ساعدت في الفوز بقاعدة معجبين ضخمة في أرطغرل.

ويصور المقطع الدعائي للحلقة الثانية من مسلسل الرومي دفاع سلطنة رم ضد جحافل المغول في مدينة أرضروم.

إن المزج بين المُثُل الإسلامية والأفعال القتالية في أرطغرل ضربت على الوتر الحساس لدى الجماهير المسلمة التي تعرضت لعقود من الزمان للتصوير السلبي للثقافة الإسلامية على أيدي الغرب. 

وهنا تكمن أهمية الرومي والعروض الأخرى التي أعقبت نجاح أرطغرل لكونها قصص عن شخصيات إسلامية يرويها أشخاص يعرفون ويقدرون تلك الشخصيات كونها شخصيات تخصهم وتشكل جزءاً مهماً من ثقافتهم.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة