أثار مسلسل تلفزيوني يتناول حياة مؤسس وأول خليفة للسلالة الأموية، معاوية بن أبي سفيان ضجة في العراق ومصر وخارجهما، باعتباره يتناول سيرة أحد الحكام الأوائل في عهد الإسلام.
ويُروَّج للمسلسل حالياً باعتباره الأكثر تكلفة على الإطلاق في العالم العربي، وقد تم بث أول حلقتين من المسلسل الرمضاني المكون من 30 حلقة خلال عطلة نهاية الأسبوع.
ويقال إن تكلفة المسلسل، الذي أنتجته قناة إم بي سي المملوكة للسعودية، تتراوح بين 75 مليون دولار و100 مليون دولار، وتم تصويره في تونس.
وخلال الأسبوع الماضي، مُنع مسلسل معاوية من العرض في العراق بسبب مخاوف من أنه قد يثير التوترات الطائفية.
كما تعرض المسلسل الذي كتبه الصحفي المصري خالد صلاح وأخرجه المخرج الفلسطيني الأمريكي طارق العريان لانتقادات من قبل شخصيات دينية في مصر بسبب تصويره لشخصيات من عهد الإسلام الأول.
من هو معاوية؟
ويعد إرث معاوية بن أبي سفيان مثيراً للجدل، وخاصة بين الشيعة، فقد ولد في زمن النبي محمد عليه السلام لكنه رفض في البداية رسالة النبي. وكان والداه، أبو سفيان وهند بنت عتبة، من بين أبرز المعارضين للإسلام في وقت مبكر.
وفي عام 630، بعد أن استولى المسلمون على مكة، اعتنق معاوية ووالديه الإسلام، وأصبح معاوية أحد كتبة الرسول عليه السلام، وتولى دورًا قياديًا في فتح الشام في مواجهة الإمبراطورية البيزنطية.
وقد قام عثمان بن عفان، الخليفة الثالث للمسلمين بعد أبي بكر وعمر بن الخطاب، بترقية معاوية إلى منصب والي سوريا.
وعندما استشهد عثمان، وهو من الأمويين، على يد المتمردين ضد حكمه، تبنى معاوية قضية الانتقام لاغتاله، وعارض مبايعة علي بن أبي طالب، ابن عم الرسول عليه السلام وصهره لمنصب الخليفة الرابع والأخير بين الخلفاء الراشدين.
وقد أشعلت هذه الفتنة أول حرب أهلية في الإسلام، والمعروفة باسم الفتنة الأولى، حيث اشتبكت قوات معاوية وعلي في معركة صفين عام 657.
وبعد استشهاد علي اغتيالاً في عام 661، سيطر معاوية على الشام وأعلن نفسه خليفة، وأجبر الحسن ابن علي، الذي تولى لفترة وجيزة دور الخليفة بعد وفاة والده، على التنازل عن العرش.
وتعزو العديد من المصادر المبكرة وفاة الحسن بعد سنوات إلى التسمم المحتمل، ويعتبر البعض معاوية المحرض المحتمل، في محاولة لإزالة التهديدات من وجه خلافة الأمويين.
وتحت حكم معاوية، سارت الجيوش الإسلامية في مسار توسيع الفتوح ووسعت أراضيها في عمق شمال إفريقيا والأناضول وآسيا الوسطى وإيران الحديثة.
كان معاوية أول حاكم مسلم يُنقش اسمه على العملات والوثائق، كما رشح ابنه يزيد خليفة له، وهو ما أثار الجدل حيث لم يكن الحكم الإسلامي حتى ذلك الحين وراثياً، وكان يتم تعيين الخلفاء من قبل مجموعة صغيرة من كبار صحابة النبي عليه الصلاة والسلام.
أدى موت معاوية في عام 680 وتولي ابنه يزيد الحكم إلى وقوع الفتنة الثانية، والتي استشهد فيها الحسين ابن علي رضي الله عنهما في معركة كربلاء.
وفي حين ينظر البعض إلى معاوية باعتباره صحابياً للنبي عليه السلام وحاكماً قوياً نشر الإسلام إلى مراعي جديدة، ينظر إليه آخرون باعتباره زعيماً قاسياً تصرف كملك لا كخليفة.
وبين الشيعة، يعتبر معاوية شخصية مثيرة للجدل قاتل ضد علي وربما سمم الحسن ابنه، وهما شخصيتان ذواتا مكانة خاصة في التقاليد الشيعية.
حظر المسلسل في العراق
ونتيجة للإرث المعقد الذي تركه معاوية بين بعض المسلمين، تم حظر المسلسل الجديد بسرعة في العراق.
وقالت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية يوم السبت إن “بث محتوى مثير للجدل تاريخياً قد يثير جدالات طائفية، مما قد يهدد السلم الاجتماعي ويمزق نسيج المجتمع، وخاصة خلال شهر رمضان”.
وأمرت الهيئة قناة أم بي سي العراق بعدم بث العرض، رغم أنه لا يزال من الممكن الوصول إليه من خلال منصة شاهد، المنصة الرقمية للشبكة.
وكان الحظر متوقعاً منذ فترة طويلة، فقد هدد العرض بخلاف دبلوماسي بين العراق والمملكة العربية السعودية.
وقبل عامين، حث مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المؤثر والشخصية السياسية العراقية، قناة أم بي سي على إلغاء عرض المسلسل تماماً.
ووصف الصدر معاوية بأنه “رأس الطائفية ورائد الإساءة إلى أصحاب الرسول وأول من عصى الإمام في عصره وانشق عن الوحدة الإسلامية، وأول من قتل الصحابة”.
وفي فبراير/شباط 2023، قال الصدر أن “بث مثل هذا المسلسل يتعارض مع السياسات الجديدة والمعتدلة التي تبنتها المملكة العربية السعودية الشقيقة، لذا نلفت انتباهكم، ليس من الضروري أن تجرحوا مشاعر إخوانكم المسلمين في جميع أنحاء العالم”.
وهددت قناة الشاعر العراقية بأنها ستنتج، ردًا على معاوية، عرضًا عن أبي اللؤلؤة فيروز، الفارسي الذي اغتال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والذي كرمته لاحقاً الجماعات المعادية للسنة في إيران.
ورفض الصدر العرضين، قائلاً: “كلا المسلسلين غير صالحين ويحرضان على الفتنة، حيث أن معاوية لا يمثل السنة، ولا يمثل أبو اللؤلؤة الشيعة”.
ورغم عدم تعليق قناة إم بي سي، فقد يكون الجدل هو السبب في تأخير العرض لمدة عامين.
تصوير شخصيات مسلمة مبكرة
وبصرف النظر عن المخاوف من تأجيج التوترات الطائفية، فقد تعرض العرض لانتقادات لتصويره شخصيات مهمة في حياة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
فقد قال رضا عبد الواجد، رئيس كلية الإعلام بجامعة الأزهر في مصر، لوسائل الإعلام المحلية إن الأزهر ليس هيئة تنظيمية، لكنه يرفض تصوير صحابة النبي.
وقال متحدث باسم دار الإفتاء المصرية، وهي هيئة بحثية واستشارية إسلامية، إن تمثيل الشخصيات التاريخية جائز “بشرط تقديمها بطريقة تليق بمكانتها، وألا يتم تشويه سيرتها الذاتية أو تصويرها بطريقة تقلل من قيمتها”.
لكن المتحدث استدرك بالقول أن تمثيل العشرة المبشرين بالجنة في حديث النبي عليه السلام غير جائز.
ويصور مسلسل معاوية شخصيتين من هؤلاء الصحابة المبشرين بالجنة وهما عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
وفي هذا الصدد، قال المحامي هيثم المغربي إنه رفع دعوى قضائية لمنع عرض المسلسل في مصر بسبب تصوير علي.
كما تعرض مسلسل بثته قناة إم بي سي في عام 2012 عن حياة عمر بن الخطاب، الخليفة الثاني، لانتقادات مماثلة من قبل الهيئات الدينية بسبب تصويره للصحابة.
ومع ذلك، فقد أيد كبار العلماء مثل سلمان العودة ويوسف القرضاوي المسلسل وشاركوا في الحفاظ على تاريخيته.
وردًا على الانتقادات الموجهة إلى مسلسل معاوية، قال كاتبه خالد صلاح إنه لم يهدف إلى تقديم رواية معينة.
وقال صلاح: “لم يكن معاوية مجرد رجل دولة أو قائد عسكري خاض معاركه بالسيف، بل كان رجلاً شكله الزمن كما تشكل النار الحديد، قاسيًا عند الضرورة، ولطيفًا عند الحاجة إلى التروي والتأمل”.
وتابع: “لم نكتب التاريخ باللونين الأبيض والأسود، ولم نرَ معاوية حاكماً فقط، بل روحاً عاشت وعانت وانتصرت وأخطأت ثم مضت إلى مصيرها مثل كل من سبقها”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)