مسلمو أمريكا لا يحتاجون وسيطاً لدى البيت الأبيض بقدر حاجتهم إلى وضع حد لعنف الدولة

بقلم مها هلال 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

في الثامن من تموز/يوليو، أعلن مازن بصراوي، المستشار الأول للرئيس الأميركي جو بايدن، انتهاء فترة عمله كضابط اتصال بين البيت الأبيض والمجتمعات المسلمة الأميركية، ليحل مكانه إلفير كليمبيك، الذي شغل مؤخراً منصب ضابط الاتصال بين البيت الأبيض والوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وردت أنباء رحيل بصراوي بعد أكثر بقليل من عام على تعيينه في المنصب في نيسان/أبريل 2023، كجزء من وعد بايدن الانتخابي الذي تحقق باستعادته للمنصب الرئاسي خلفاً لدونالد ترمب.

في ذلك الوقت، احتفت المنظمات الإسلامية بالإعلان، ووصفته بأنه خطوة نحو “بناء علاقات أقوى مع المجتمع المسلم الأميركي”.

ورغم ذلك، وبدلاً من تسهيل التعامل مع المسلمين أو إجراء أي تغييرات جوهرية في السياسات بشأن القضايا التي تؤثر عليهم، بدا ضابط الاتصال حتى الآن وكأنه يردد مواقف الإدارة، ولم يكن ذلك مفاجئاً، لأن الدور نفسه كان مصمماً لتقويض المجتمع المسلم.

وكمثل العديد من المتحدثين والمسؤولين الأميركيين الذين شرعوا في إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين على مدى الأشهر التسعة الماضية، ردد البصراوي الرواية الرسمية الداعمة للاحتلال وعزز الجهود السطحية لإقناع المجتمعات المسلمة بأن بايدن يولي بها الاهتمام.

وإذا كان هناك أي شك في أن الوسيط الجديد سيفعل أي شيء أكثر من خدمة الإدارة الحالية بإخلاص، فإن أول رسالة إلكترونية أرسلت من كليمبيك في 11 تموز/يوليو كانت إعلاناً بشأن فرض عقوبات على أفراد وكيانات إضافية في دولة الاحتلال.

وهذه ليست المرة الأولى التي تفرض فيها وزارة الخارجية عقوبات على المستوطنين المتطرفين على مدى الأشهر التسعة الماضية من الإبادة الجماعية، وبعيداً عن كون ذلك سبباً للحفاوة، فإن مثل هذه التدابير لا تقدم ولا تؤخر في وقف العنف المتواصل الذي يعاني منه الفلسطينيون، سواء في الضفة الغربية أو غزة.

تصريحات جوفاء

خلال الشهر الماضي، وبينما كان الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم، والذين يعيش الكثير منهم تحت عنف الدولة القمعي، يحتفلون بعيد الأضحى، أصدر بايدن بياناً للاحتفال بهذه المناسبة.

لقد أقر الرئيس بأن العيد جاء “في وقت صعب” بالنسبة للمسلمين، ولكنه فشل في ذكر المذبحة الوحشية التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين أو الدور المباشر الذي تلعبه إدارته في توفير الأسلحة والتمويل والغطاء الدبلوماسي لهذه المذبحة.

لقد تظاهر الآلاف من المحتجين على مدى عدة أشهر في المدن والجامعات في مختلف أنحاء البلاد، مطالبين بإنهاء تواطؤ الولايات المتحدة في الإبادة الجماعية، ولكنهم واجهوا القمع العنيف والاستهداف من قبل العملاء الفيدراليين والشرطة.

لقد بقيت الإدارة الحالية تتحدى هذه الدعوات المستمرة، بما فيها الحملة المتنامية “للتخلي عن بايدن” في الانتخابات الرئاسية المقبلة بسبب دعمه المتشدد للاحتلال.

وفي بيانه بمناسبة العيد، استخدم بايدن صيغة المبني للمجهول المميزة التي أصبحت تحدد التغطية الغربية لجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال لدرجة أنها أصبحت نوعاً خاصاً بها على منصة X، وقال أن الفلسطينيين “يعانون من أهوال الحرب”.

والحقيقة أن قيام دولة الاحتلال بقتل شعب بأكمله وتشويهه بشكل منهجي أمام أعين العالم، وتفلت بفعلتها بشكل تام من العقاب، ربما يكون مجرد تفصيل يأمل بايدن أن نتغاضى عنه، إذ لا تُرى فظائع الاحتلال خطيرة بما يكفي لتجاوز “الخط الأحمر” الأسطوري الذي وضعه بايدن

ولكن بالنسبة للمسلمين الذين يقيمون في الولايات المتحدة أو يتأثرون بسياساتها الخارجية، فإن كلمات الرئيس لم تكن مجرد تعبيرات جوفاء، بل كانت توجه تلك الهجمات.

كما لم يكن بيان الحزب واضحاً بشكل مفاجئ نظراً للخطوة المميزة التي اتخذتها الحكومة لإخفاء مسؤولياتها عن أفعالها وانتهاكها ضد المجتمعات في مختلف أنحاء العالم.

“محاور مستعمر”

عندما يتعلق الأمر بالملونين، فبدلاً من مجرد نقل الرسائل المنافقة والعنيفة من قبل المسؤولين الديموقراطيين أنفسهم، فإنهم يستخدمون في كثير من الأحيان متحدثين “أصليين” أكثر قبولاً لدى المجتمع المتضرر.

وهكذا، في ما قد يكون محاولة “لإرسال تعزيزات” إلى مجتمع غاضب ومدمر، تم استكمال رسالة بايدن بمناسبة العيد بتحية سطحية بنفس القدر من نائبه ومسؤول الاتصال بالمسلمين في البيت الأبيض.

كان الغرض المعلن من رسالة البريد الإلكتروني التي أرسلها البصراوي هو لفت انتباه المسلمين إلى تغريدات وتصريحات الإدارة، وبدا الأمر وكأنه يشير إلى أن المجتمع يجب أن يكون متحمساً لتلقي مثل هذا الاعتراف.

وأشار البصراوي أيضاً إلى الإجراء المزعوم للإدارة بشأن الإسلاموفوبيا باعتباره علامة على النجاح.

غير أن الامتنان المتوقع للإيماءات الرمزية ليس وحده المشكلة فقط، بل إن الاعتقاد بأن إدارة بايدن تمنح أي احترام من هذا القبيل للمجتمع المسلم يتطلب تنافراً معرفياً هائلاً.

فقبل أسبوعين فقط، أرسل منسق شؤون المسلمين في البيت الأبيض رسالة بريد إلكتروني بعنوان “تفاصيل تصريحات الرئيس بايدن بشأن الشرق الأوسط” حول اقتراح وقف إطلاق النار الدائم الذي رفضته دولة الاحتلال بطريقة مسيئة “لإنهاء المهمة”.

ومع ذلك، في رسالته الإلكترونية، أمر البصراوي مجتمعه “برفع أصواتهم والمطالبة بأن تأتي حماس إلى الطاولة، وتوافق على هذا المقترح، وتنهي الحرب التي بدأتها”.

وبالطبع، فإن أي شخص يتابع تطور الحرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال سيشخص هذا البيان كجزء من “حملة الخداع” التي تشنها إدارة بايدن.

إن إلقاء اللوم على حماس باعتبارها العقبة أمام وقف إطلاق النار في حين ترفض دولة الاحتلال باستمرار جميع العروض وتواصل غزوها لغزة ليس سوى دعاية مصممة لتبرير الإبادة الجماعية المستمرة.

كانت رسالة البريد الإلكتروني التي أرسلها البصراوي مثالاً آخر على الاستخفاف بالمسلمين من قبل المسؤولين الأميركيين أو افتراض إمكانية التلاعب بهم للعمل ضد مصالحهم الخاصة.

ومع ذلك، فهي تتفق مع اتصالات أخرى من البصراوي خلال فترة ولايته القصيرة وتكشف عن دور الوسيط المسلم كمحاور مستعمر يفك شفرة الجهود “الخيرية” التي تبذلها الحكومة لمكافحة العنف الذي تصنعه.

ولم يستجب البصراوي لطلب التعليق من هذا المؤلف بشأن نشر مناصب مثل مسؤول الاتصال بين المسلمين في البيت الأبيض من قبل إدارة بايدن لاسترضاء المجتمع المسلم بشأن هذه القضايا السياسية الحرجة.

القلق المصطنع

وخلال شباط/فبراير، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالاً بعنوان “مرحباً بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد في أمريكا”، قوبل بالغضب والمخاوف من أن يؤدي إلى هجوم عنيف آخر وربما مميت ضد أعضاء المجتمعات العربية والإسلامية.

ومثل دقة الساعة، كان منسق الاتصال مع المسلمين جاهزاً برسالة بريد إلكتروني تنبه قائمته إلى بيان نشره بايدن على X حول المقال.

وكتب الرئيس: “يعلم الأميركيون أن إلقاء اللوم على مجموعة من الناس بناءً على كلمات قِلة قليلة أمر خاطئ، وهذا بالضبط ما يمكن أن يؤدي إلى كراهية الإسلام والكراهية ضد العرب، ولا ينبغي أن يحدث ذلك لسكان ديربورن أو أي مدينة أميركية، يجب أن نستمر في إدانة الكراهية بجميع أشكالها”.

وبغض النظر عن حقيقة أن بايدن فاز بولاية ميشيغان بفارق ضئيل ضد ترامب في انتخابات عام 2020 (بأكثر من 2% بقليل) أو أن الولاية موطن لأكبر عدد من العرب في البلاد، فإن إدانة بايدن للمقالة كانت جوفاء بشكل خاص.

فمن خلال فصل سياسات الدولة عن أعمال العنف الفردية ضد هذه المجتمعات، يتجنب الرئيس المسؤولية عن الأفعال التي تدعم هذا الخطاب.

وبعبارة أخرى، فإن بايدن يحب استراتيجياً أن يعرف كرافض “للكراهية” لأن ذلك يعطي انطباعاً مفاده أنه يهتم فعليا بمجتمع ديني دعم عمليات القتل الجماعي التي ارتكبها في غزة “دون قيد أو شرط”.

وبما أن الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال تقوم على العقاب الجماعي، فإن قلق بايدن المصطنع على سلامة الأميركيين العرب لا يزيد الطين إلا بلة.

اختيار القادة

إن العبث في محاولات البصراوي للتواصل مع المجتمع المسلم يثير سؤالاً بالغ الأهمية حول ما هو الهدف الأساسي من موقف منسق الاتصال بين المسلمين والبيت الأبيض.

في كتابه “استيلاء النخبة: كيف استولى الأقوياء على سياسات الهوية (وكل شيء آخر)، يلقي الفيلسوف الأمريكي أولوفيمي أوتايو الضوء على استيلاء النخب على الهوية والمقاومة.

يشرح أوتايو أن “المشكلة الرئيسية في استيلاء النخبة هي أن المجموعة الفرعية من الناس الذين يتمتعون بالسلطة والقدرة على الوصول إلى الموارد التي تستخدم لوصف وتحديد وخلق الحقائق السياسية أو بعبارة أخرى، النخب تختلف جوهرياً عن المجموعة الإجمالية من الناس المتأثرين بالقرارات التي يتخذونها”.

ويتم تعيين “القادة المختارين” ليس لتمثيل المجتمع أو إشراكه بصدق، بل للمطالبة بالتبعية والاستسلام للعنف الذي تعلموا تحمله بأنفسهم

لم يكن موقف منسق الاتصال بين المسلمين والبيت الأبيض يتعلق أبداً بحماية مصالح المجتمع المسلم، ولكن بدلاً من ذلك، صُممت هذه الإدارة بحيث يحتلها أحد أعضائها “النخبة”، تحت ستار التمثيل، ويضع أجندة للمجموعات المضطهدة (من خلال الاتصالات أحادية الجانب) مع تحديد موقفهم لطبقة الظالمين.

وبدلاً من تعيين أعضاء يمثلون المجتمع المسلم بالفعل، اختارت إدارة بايدن بوعي موظفين مدنيين محترفين يرسلون بأمانة رسالة إلى المسلمين مفادها أنه ينبغي لهم أولاً أن يكونوا ممتنين للاعتراف بهم، ثم أن يقبلوا تبعيتهم، وثالثاً أن يظلوا مخلصين ويقاوموا الدافع لتحدي تصرفات الإدارة.

ويقول باولو فريري، الفيلسوف البرازيلي الشهير: “لا يفضل الظالمون تعزيز المجتمع ككل، بل يفضلون القادة المختارين”.

والواقع أن هؤلاء “القادة” بدلاً من التعامل بصدق مع المجتمع، يطالبون بالتبعية والاستسلام للعنف الذي تعلموا تحمله.

إن ما يحتاجه المسلمون هو وضع حد للعنف، ولا يحتاجون مجرد عضو من النخبة في المجتمع يروج لهم الأكاذيب عنه.

إن موقف البيت الأبيض من الاتصال بالمسلمين يسلط الضوء على مدى غدر العنف الذي تمارسه الدولة الأميركية، والذي لا يضر بالمسلمين فحسب، بل ويحمل أيضاً إشارات رمزية تجعله مقبولاً أكثر بالنسبة لهم.

وكما أشار المفكر المناهض للاستعمار الراحل فرانز فانون: “في السياق الاستعماري، لا ينهي المستوطن عمله في اقتحام السكان الأصليين إلا عندما يعترف السكان الأصليون بصوت عال وواضح بأنه لم يعد هناك أي نزاع بينهم”.

وعلى هذا فإن المسلمين وغيرهم من المجتمعات المستهدفة من قِبَل الحكومة لابد وأن يطالبوا بحقوقهم ولا يستسلموا لانتهاكها في مقابل الاعتراف الفارغ و”الإدماج” السطحي.

وهذا يعني رفض الضغوط الرامية إلى قبول سياسات ظالمة في مقابل التمثيل الزائف أو التقرب من السلطة.

وقد أكد الناشط المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ستيف بيكو أن “السلاح الأكثر فعالية في يد الظالم هو عقل المظلوم”.

وعلى هذا فإن المجتمعات المسلمة لابد وأن ترفض الكلمات السطحية والوعود الفارغة والسياسات الرمزية كبدائل للعدالة والكرامة والتحرير، ولابد وأن تحتضن إنسانيتها وتؤكد كرامتها بالكامل وأن تستخدم قناعاتها كأسلحة فعالة ضد قوى الظلم.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة