بقلم أسامة الأعظمي – يصادف يوم الاثنين إصدار تقرير المجتمع المدني البريطاني المسلم لعام 2023 في حفل إطلاق، تدعمه المجموعة البرلمانية لجميع الأحزاب، حول المسلمين البريطانيين.
استنادًا إلى عام من البحث الميداني، وبصفتي مؤلف التقرير، قمت بإجراء دراسة للمساهمات الكبيرة التي قدمها مسلمو بريطانيا لقطاع الأعمال الخيرية، في تقرير يعد الأول من نوعه كمتخصص في هذا الموضوع على وجه التحديد، حيث وُجهت توصياته إلى مجموعة من أصحاب الاهتمام في المجتمع الإسلامي بالإضافة إلى مساحة المجتمع المدني الأوسع.
إن أزمة تكلفة المعيشة والشتاء الجديد الذي جلب معه السخط يسلطان الضوء على مدى أهمية المجتمع المدني عندما تتعرض المؤسسات العامة مثل NHS لضغوط هائلة.
لقد سلطت أزمة تكلفة المعيشة وشتاء جديد جلب معه سخط الأهالي الضوء على مدى أهمية المجتمع المدني عندما تكون المؤسسات العامة مثلNHS على سبيل المثال، تحت ضغط غير مسبوق. وبرغم أن المؤسسات الخيرية لا تستطيع تعويض النقص في تمويل الدولة، إلا أنها ضرورية لدرء النتائج الأسوأ من الأزمات المتكررة.
يتكون المجتمع المدني، الذي يطلق عليه أحيانًا القطاع الثالث، من الجمعيات الخيرية والمنظمات التطوعية التي تدير جمعيات الشباب والمجتمع، ومطابخ الحساء، ومجموعات المناصرة ودور العبادة، حيث تعد هذه المؤسسات حجر الأساس الذي لا غنى عنه لديمقراطية نشطة.
ويعود تاريخ مساهمة المسلمين في هذا القطاع إلى عقود عديدة كما أن أهميتها في طور الازدياد.
تشير بيانات التعداد التي تم إصدارها مؤخرًا إلى أن المسلمين يشكلون الآن ما نسبته 6.5 في المائة من سكان إنجلترا وويلز، مما سجل ارتفاعًا من 4.9 في المائة في آخر تعداد سكاني تم إجراؤه في عام 2011.
يوجد الآن 3.9 مليون مسلم في إنجلترا وويلز، غالبيتهم تقريبا من الشباب مما يعني أنهم سيتحملون درجة كبيرة من الأعباء الاقتصادية غير المتكافئة للأمة في العقود القادمة مع تقدم السكان في العمر، حيث وصف المجلس الإسلامي البريطاني (MCB) هذا الجانب من مسلمي بريطانيا بأنه “رصيد وطني إستراتيجي” لبريطانيا.
واجب مدني قائم على أساس الإيمان
في تحليله لبيانات التعداد السكاني لعام 2021، سلط البنك المركزي البريطاني الضوء أيضًا على اشتمال العديد من مناطق السلطة المحلية المهمة في إنجلترا على نسب كبيرة جدًا من المسلمين، حيث أن ما يقرب من 30 في المائة من سكان برمنغهام، و22 في المائة من سكان مانشستر و15 في المائة من سكان لندن، هم مسلمون الآن.
في الواقع، فإن حي تاور هامليتس، الواقع في لندن، يحتوي أعلى نسبة من المسلمين في أي سلطة محلية في البلاد، بنسبة 40 في المائة.
كما تشير مجموعات التركيز (المشاركون الذين ساهموا في انجاز هذه الدراسة)، فإن العديد من المسلمين يندفعون للمساهمة في المجتمع المدني من منطلق الشعور بالواجب المدني الذي ينبع من عقيدتهم الإسلامية، تدعوهم عقيدتهم إلى خدمة مجتمعاتهم وجيرانهم بغض النظر عن أديانهم أو معتقداتهم الدينية.
وبالإضافة إلى ذلك، أشارت الدراسات إلى أن السكان المسلمين يحافظون على التزامهم بالدين إلى حد أكبر من غيرهم في المجتمع البريطاني الأوسع، وبحسب ما أشارت إليه بيانات التعداد السكاني الأخيرة، أصبحت بريطانيا الآن دولة ذات أقلية مسيحية، في ظل عدم وجود التزام ديني معين لدى العديد من سكان البلاد (بما في ذلك أولئك الذين لا دين لهم) والذين يتجاوز عددهم الـ 50 في المائة. فعندما يتعلق الأمر بالدين فإن بريطانيا تعيش الآن مشهدًا متنوعًا حقًا.
وفي هذا السياق، فمن المهم بشكل خاص للمسلمين أن يستمروا في تنمية هذا الأمر الذي شهدته بنفسي، ألا وهو القيمة واسعة الانتشار في مجتمعاتنا: وهي ذلك الدافع الديني لخدمة الإنسانية بشكل عام.
علاوة على ذلك، يجب أن يُذّكِر هذا الأطراف الفاعلة في القطاعين الخيري والعام أنه على الرغم من أن العلمنة هي الاتجاه السائد في مجتمعاتنا، إلا أنه يجب أن نكون حذرين من سياسة تعميم نهج إيماني بمقاس واحد ليناسب كل العامة.
فأي نهج من هذا القبيل، لا سيما النهج الذي يسعى إلى تهميش الإيمان بين الناس، يمكن أن ينتهي عن غير قصد بتهميش الأصوات التي لديها الكثير للمساهمة في فضاءات المجتمع المدني. وبدلاً من ذلك، يمكننا توسيع الحوار حول طبيعة المجتمع المدني والحياة العامة في مشهدنا الاجتماعي والثقافي المتنوع بشكل متزايد.
مستويات عالية من الفقر
ومن المفارقات بالنسبة لمجتمع ديني وصفه رئيس وزراء سابق بأنه “أكبر مانح لبريطانيا” والذي “يقدم للأعمال الخيرية أكثر من أي مجموعة دينية أخرى”، فإن مسلمو بريطانيا أنفسهم يعانون من مستويات غير متكافئة من الفقر.
يشير تحليل MCB إلى أن 40 بالمائة من السكان المسلمين يعيشون في 20 بالمائة من أكثر مناطق السلطة المحلية حرمانا، حيث تشير الأبحاث الإضافية التي شاركوها معي إلى أن ما يقرب من ثلثي هؤلاء المسلمين (30 بالمائة من مسلمي بريطانيا عمومًا) يعيشون في أكثر مناطق السلطة المحلية حرمانًا وهي 10 بالمائة في البلاد.
ومع ذلك، كما تشير دراستي التحليلية، كان المسلمون يميلون تاريخيًا إلى إرسال نسب كبيرة من سخائهم الخيري إلى الخارج.
وكما اقترح في التقرير، إذا تم نشر هذه الأموال بشكل استراتيجي في المملكة المتحدة، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج أفضل على الصعيدين المحلي والدولي، حيث سيتطلب هذا من المسلمين القيام بتمارين منتظمة في التأمل الذاتي والتفكير النقدي الذاتي كمجتمع من أجل تبني رؤية أكثر إستراتيجية لمساعيهم الخيرية.
شراكات مع القطاعين العام والخاص
وكجزء من نظرة أكثر استراتيجية، فإن الأمر يستلزم استكشاف كيفية تكوين شراكات فعالة من خلال إيجاد شركاء داعمين في الحكومة المحلية والوطنية، وكذلك داخل مجتمع الأعمال.
يتطلب المجتمع السليم أن يعمل كل من القطاع العام والخاص والثالث بطرق داعمة لبعضها البعض للمساهمة في تحقيق نتائج أفضل بشكل عام لمجتمعاتنا.
يمكن لمسلمي بريطانيا إيجاد طرق مبتكرة لتمكين المجتمع المدني وجعل مساعيهم الخيرية تذهب إلى أبعد من ذلك في وقت تكون فيه بريطانيا في أمس الحاجة إليها
وبالتالي، يدعو هذا التقرير إلى توثيق الشراكات بين هذه القطاعات الثلاثة، سواء كان ذلك من خلال ميثاق الإيمان، الذي يدعو الحكومة المحلية والجماعات الدينية إلى العمل عن كثب في معالجة الأزمات، أو من خلال تشجيع الأعمال التجارية الإسلامية الناجحة على إنشاء مؤسسات خيرية، حيث يتسنى لمسلمي بريطانيا إيجاد طرق مبتكرة لتمكين المجتمع المدني وبذل المزيد من الجهود الإضافية في مساعيهم الخيرية في وقت تحتاجه بريطانيا بشدة.
يمكن لجهود مثل تقرير المجتمع المدني البريطاني المسلم، الذي نأمل أن يتم نشره بشكل دوري، أن يساعد في توفير فرصة للتراجع وتقييم الطريقة التي يمكن للمجتمع المسلم في بريطانيا أن يحقق بها انخراطه في المجتمع المدني.
يمكن أن يقدم هذا لجميع الأطراف المعنية من كل من القطاع العام والخاص والثالث، مسلمين وغير مسلمين، رؤى ثاقبة حول أفضل السبل لإشراك واحدة من أكثر المجتمعات ذات العقلية المدنية في بريطانيا.