بقلم عاصم قريشي وطارق يونس
في العام 2012، وخلال إدارته لجمعية هنري جاكسون آنذاك، ألقى السياسي البريطاني ويليام شوكروس في الولايات المتحدة خطاباً قال فيه صراحة أن “الإسلام في أوروبا من أعظم مشاكلنا في المستقبل وأكثرها رعباً، لأن عدد المسلمين يتزايد بسرعة في الدول الأوروبية”.
وتعكس هذه التعليقات القديمة ذاتها روح مراجعة شوكروس، الذي عينته الحكومة البريطانية كمراجع “مستقل كما زعمت، لبرنامج أطلقت عليه الحكومة اسم “بريفنت”، والذي تم تقديمه كاستراتيجية للتعامل مع ما عُرف بالتطرف، تاركاً المسلمين في بريطانيا أمام تحديات جديدة في ممارسة عقيدتهم دون تقييد من الحكومة بشكل أو بآخر.
لقد مهد تقرير شوكروس الطريق لإعادة تصميم استراتيجية برنامج “بريفنت” تجاه المسلمين بشكل كبير
في تقريره المكون من 190 صفحة، لا يمل السياسي البريطاني ويليام شوكروس، المعروف بتأييده للمعتقلات وأساليب التعذيب التي لا تخضع للقضاء مثل سجن غوانتنامو، من تذكير القارئ بسبب وجود الحرب على “الإرهاب” معتبراً أن المسلمين يشكلون “تهديداً استثنائياً يتطلب من بريطانيا رداً استثنائياً في المقابل”، فلا يوجد بنظره تطرف آخر يمثل تهديداً بنفس الدرجة، وبذلك يبرر تركيزه في التقرير على الإسلاميين، مؤكداً أن القضاء عليهم يجب أن يتم “بأي ثمن”، ولذلك لا ينبغي القلق من الاتهام بالعنصرية أو تأجيج الإسلاموفوبيا، لأنه يرى أن “قيمة منع الناس من التحول إلى الإرهاب لا يقدر بثمن”!
الإسلام في “بريفنت”
في بريطانيا يوجد معسكرين للتعامل مع مكافحة التطرف ، المعسكر الأول يرغب في توسيع مكافحة التطرف ليشمل كل أشكال العنف، بما في ذلك كراهية النساء، فعلى سبيل المثال، يزعم أحد الباحثين في معهد الحوار الاستراتيجي (ISD)، تيم سكوريل، أن “أندرو تيت يمثل بوضوح خطر تحويل الشباب إلى التطرف الذي يحمل إساءة في نظره للمرأة” على حد قوله، ومن خلال ذلك، يحاول معسكر اليمين جعل مكافحة التطرف تياراً جارفاً لا يرى شيئاً أمامه.
وفي السنوات القليلة الماضية، باتت استراتيجية برنامج “بريفنت” قائمة على تلك النظرية، فبعدما كانت تستهدف المسلمين في البداية، أصبحت اليوم جارفة لأي اختلاف أو جديد تراه تطرفاً أو إرهاباً.
أما شوكروس، فهو ينتمي بوضوح إلى المعسكر الثاني الذي يمقت الاستهداف الجارف الذي لا يرى، فهو يعتبره توجهاً يضعف التركيز على ما يعتبره التهديد الحقيقي وهو الفكر الإسلامي، هو لا يعارض وجود تهديدات أخرى غير الإسلامية، لكنه يصر على تصنيف الإسلام بخانة خاصة إن صح التعبير، وهو الأمر الذي ينتقده في برنامج “بريفنت”، حيث يرى أن البرنامج يقلل من شأن خطر الإسلاميين، ووجود فئة “مختلط /غير مستقر/غير واضح” ضمن إحصائيات البرنامج.
يعتمد تقرير شوكروس بشكل كبير على الدراسات التي تعتبر الوجود الإسلامي الخطر الأكبر فيما يعد الاعتقاد بخطر اليمين المتطرف في البلاد مبالغاً فيه، فالتقرير مليء بأمثلة على مسلمين ارتكبوا أعمال عنف، بعضها خارج بريطانيا أصلاً، كمؤشر على طبيعة التهديد الذي يقصده، مع إغفال ربط ذلك نسبة إلى حجم التركيبة السكانية للمسلمين في المملكة المتحدة، التي لا تنتمي في غالبيتها إلى أي شكل من أشكال العنف.
هذا التأطير في التقرير هو المفتاح الذي يشير بوضوح إلى تجذر التقرير في سرديات مراكز الفكر اليمينية ومركز بوليسي اكستشينج وجمعية هنري جاكسون، التي تروج لفكرة أن الإسلام يمثل تهديداً وجودياً للمجتمعات الليبرالية العلمانية إذا “تُركت دون رادع”.
“مسلم سيء”!
تتخلل صفحات التقرير حالة من عدم الثقة العميقة بالمسلمين، لأن التقرير يرى أن الأيديولوجية الإسلامية هي السبب الجذري للإرهاب، ولذلك يوصي بتطوير برنامج “بريفنت” للتركيز على نقاط الضعف التي قد تجعل شخصاً ما معرضاً لتأثير فكر متطرف، أو العمل بمعنى آخر على استئصال ما يسميه “الإسلام السيء” من المجتمع، حيث يعطي التقرير الانطباع بأن هناك فرقاً بين فكر إسلامي سيء متطرف وفكر إسلامي ليبرالي وعلماني جيد!
يجب أن تنتقل استراتيجية برنامج “بريفنت” في التمييز بين ما تسميه الإسلام “الحسن” والإسلام “الشرير” من النظرية إلى الأمثلة عملية، ولكن شوكروس في مراجعته لا يوضح كيف يمكن للبرنامج التمييز بينهما، وإنما يسوق أمثلة لمسلمين قاموا بأعمال تطرف أو عنف لإظهار وجه “الشر” فقط، فخبراء الإسلاموفوبيا لن يجدوا في أمثلته شيئاً مفاجئاً من نقد الصهيونية إلى معارضة سياسات الدولة البريطانية المحلية والخارجية والآراء الدينية المحافظة وغيرها.
إضافة إلى ذلك، يحاول شوكروس فصل الإسلام عن الإسلام السياسي الذي يرى أنه يشير إلى المسلمين الذين يضعون الإسلام “في قلب هوية الشخص، بحيث يحكم الإسلام جميع قراراته الاجتماعية والسياسية”، بالإضافة إلى اقترانه بأفكار حول حملات من أجل “المضطهدين”، ساخراً مما يعتقد أنه شعور المسلمين الدائم بالقلق بشأن معاملتهم حول العالم، وفي الواقع، فإن ما يريده شوكروس من برنامج “بريفنت” هو مجتمع مدني إسلامي تتم إدارته بإحكام وحزم، أسوة بفرنسا التي أغلقت منظمات إسلامية لنفس الغرض من قبل.
يحاول شوكروس خلق شرخ بين المسلمين الذين يحتفظون بالدين لأنفسهم أو يسيسون أنفسهم فقط وفق مصالح الدولة من ناحية، وأولئك الذين يربطون معتقداتهم الإسلامية في سياساتهم وأفكارهم من ناحية أخرى، حيث يميزهم بقوله ” الإسلاميون الذين يؤيدون ويروجون لفكر سياسي متشدد، والمسلمون الذين يتبعون الإسلام ويمارسونه كعبادة”.
سيف ودرع
الفكرة الأهم التي تتمحور حولها مراجعة شوكروس هي إعادة صياغة استراتيجية “بريفنت” بوصفها “سيفاً ودرعاً” في مواجهة التهديدات الأيديولوجية، ويصر على ضرورة تدريب مسؤولي البرنامج على تفاصيل الأيديولوجية الإسلامية، من خلال اختبارات النقاء الأيديولوجي والديني ربما، للتمكن من تمييز أؤلئك الذين يقعون خارج ما تعتبره الدولة “الخير”، بالمحصلة، كلما عمل المسلمون على ملاءمة دينهم مع مصالح الدولة كلما كان ذلك أفضل!
في المحصلة، تهدف مراجعة “بريفنت” إلى إضفاء الشرعية على تصنيف حالات على أنها “سيئة” بناء على الحدس، دون خوف من وصفها بالعنصرية أو تأجيج الإسلاموفوبيا
ولكن المفارقة أن التقرير في أمثلته يشير إلى مسلمين عملوا عن كثب مع حكومة المملكة المتحدة وحصلوا على تمويل من برنامج “بريفنت”، ويبرر شوكروس ذلك بقوله أنهم “اقتربوا كثيراً من التطرف”، مستشهداً بمقطع فيديو لتظاهرة تضامن مع فلسطين تظهر في خلفيتها أغنية عن فلسطين للمغني البريطاني الشهير لوكي، مثال يعكس مدى عدم وضوح تصنيف فئة “المسلم الصالح”.
ويسلط تقرير شوكروس الضوء على دور وحدة اضطرابات التطرف (EDU) المبهمة للغاية، فهي هيئة قادرة على تعطيل حياة المسلمين في المملكة المتحدة دون أي قيود أو شفافية، من دون أن تدرك الحكومة أن كل اتهام “بالتطرف” تجاه المسلمين ستكون له عواقب وخيمة في حياتهم ولا يمكن الاستخفاف بها.
في المحصلة، تهدف مراجعة شوكروس لبرنامج “بريفنت” إلى إضفاء الشرعية على تصنيف حالات على أنها “سيئة” بناء على الحدس، دون خوف من وصفها بالعنصرية أو تأجيج الإسلاموفوبيا، ومما لاشك فيه أن محاولة شوكروس إعادة تعريف حدود الإسلام المقبول، ستزيد من تحديات المسلمين في ممارسة عقيدتهم وممارسة حقوقهم الديمقراطية دون رقابة الدولة وإداراتها!
للاطلاع على المقال الأصلي (هنا)