بقلم كريس دويل
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل أسابيع، قدمت الحكومة البريطانية مشروع قانون لحظر مقاطعة إسرائيل، والآن اجتاز مشروع القانون، الذي يحمل عنواناً مريباً، وهو قانون “النشاط الاقتصادي للهيئات العامة”، المختص بالمسائل الخارجية، قراءته الثانية.
لقد قامت الحكومة عبر مايكل جوف، أكثر الوزراء تأييداً لإسرائيل، بتأطير مشروع القانون باعتباره محاولة لمكافحة معاداة السامية، وهذا أمر مضلل، ففي الواقع، لن يعمل مشروع القانون إلا على تأجيج التوتر داخل المجتمع، في وقت يمنح فيه أصحاب نظريات المؤامرة ومعاداة السامية الكثير من المسوغات لإعطاء إسرائيل نوعاً من الإعفاء الخاص من أي محاسبة أو مساءلة.
مشروع القانون يذهب إلى أبعد من مجرد إسرائيل، فهو يحظر الاستثمارات من أي مكان إلا بأمر وزاري
الحقيقة أن مروجي مشروع القانون قاموا بخلط النقد المشروع لإسرائيل بمفهوم معاداة السامية، فلاشك أن هناك أسباباً مشروعة لانتقاد إسرائيل، منها ملف المستوطنات وقتل الفلسطينيين الذي بلغ مستويات قياسية خلال العامين الماضيين منذ الانتفاضة الثانية، فلا يخفى على الحكومة البريطانية ولا المجتمع الدولي استمرار انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
في ظل هذه الظروف، يجب تشجيع سحب الاستثمارات من الأراضي المحتلة وليس إدانتها، إلا أن مشروع القانون يذهب إلى أبعد من مجرد إسرائيل، فهو يحظر الاستثمارات من أي مكان إلا بأمر وزاري.
وفقاً لذلك، لن تتمكن الهيئات العامة بما فيها الإدارات الحكومية والجامعات، من التأثير على أي قرار بشأن استثمار أو شراء “يتعلق باعتبارات إقليمية بطريقة تجعل المراقب المعقول لعملية صنع القرار يستنتج أن القرار متأثر برفض سياسي أو أخلاقي لسلوك دولة أجنبية”، وهنا يعتبر مصطلح “المراقب المعقول” مثالاً كلاسيكياً على مدى سوء صياغة مشروع القانون هذا!
الاحتجاج ضد الظلم
لا شك أن الأنظمة ذات السجلات المروعة بحقوق الإنسان حول العالم سوف تسعد بقانون كهذا، مثل الصين، فالتشريع ظاهرياً على الأقل يمنع السلطات البريطانية من سحب الاستثمار الصيني احتجاجاً على معاملة الإيغور.
بعد إقرار المشروع في قراءته الثانية، وقف أفراد عائلة المواطن البريطاني المسجون في مصر، علاء عبد الفتاح الذي سجن على إثر منشور على فيسبوك عام 2019، على أبواب وزارة الخارجية احتجاجاً، فبموجب القانون، لن تتمكن أي سلطة عامة من مقاطعة مصر بسبب انتهاكات حقوقية!
هناك جدل دائر في بريطانيا حول أهمية تشجيع الهيئات العامة، بما في ذلك الحكومات المحلية، على مقاطعة الأنظمة الاستبدادية، وأصحاب هذا الرأي يجادلون بأنه لو كان هذا القانون موجوداً في السابق، لما كانت العقوبات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا لتقع أبداً، أما حركة المقاطعة BDS، فلديها تاريخ حافل بأشكال الاحتجاج السلمية ضد الظلم.
ويحتوي مشروع القانون أيضاً على شروط ملزمة، تعمل على تقييد حرية التعبير في المحصلة، فالبند الرابع مثلاً، يحظر على صانع القرار تحديد ما إذا كان “ينوي التصرف بهذه الطريقة إذا كان ذلك قانونياً”، الأمر الذي يضع المملكة المتحدة في انتهاك للمادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تحمي الحق في حرية التعبير.
هذا ليس الاعتبار القانوني الوحيد، فقد فشل مشروع القانون أيضاً في قضايا التمييز، بحسب قرار مجلس الأمن رقم 2334، والذي يميز بين الأراضي السيادية لإسرائيل والأراضي التي احتلتها عام 1967، وهو انحراف مقلق عن سياسة بريطانيا التقليدية تجاه الصراع.
قد يتساءل “مراقب عقلاني”، في ضوء الانتقادات اللاذعة لمشروع القانون، لماذا لم يعارضه حزب العمال بشكل صريح؟ً!
وفقاً لإقرار كبار السياسيين المحافظين، فإن وزارة الخارجية أبدت تحفظات على مشروع القانون خاصة فيما يتعلق بالالتزامات القانونية للمملكة المتحدة، خاصة فيما يتعلق بقرار مجلس الأمن رقم 2334.
انتزاع السلطة
يعد مشروع القانون أيضاً بمثابة قوة لانتزاع السلطة، حيث يحاول رجل واحد، وهو جوف، الاستيلاء على سلطات هائلة في السياسة الخارجية من خلال تحديد المناطق التي يمكن مقاطعتها من التي لا يمكن مقاطعتها، هذا يحقق له ما يصبو إلى من سطوة خاصة وأنه وزير الخارجية للتسوية والإسكان والمجتمعات وليس وزير الخارجية!
في الجلسة، أبدى جوف امتعاضاً من معارضة مشروع القانون، حتى احمر وجهه صارخاً، فبعض المحافظين امتنعوا عن التصويت.
وإنه لمن لعنة المحافظين أن تقوم الحكومة المركزية بالإملاء على الحكومة المحلية فيما يخص كيفية استثمار المعاشات التقاعدية أو الإجراءات الشرائية، فهذا يحمل سمة مريبة في ذاته، وللمفارقة، فقد صرح جوف نفسه عبر قناة البي بي سي أنه “أصولي فيما يتعلق بحرية التعبير” على حد وصفه!
من جانبه، قدم حزب العمال تعديلاً لمشروع القانون لكنه هوجم حتى لمجرد امتناعه عن التصويت، وهنا قد يتساءل “مراقب عقلاني”، في ضوء الانتقادات اللاذعة لمشروع القانون، لماذا لم يعارضه حزب العمال بشكل صريح؟ً!
محاولة الحكومة عرقلة حرية التعبير والديمقراطية والمساءلة عن سيادة القانون يجب أن ترعبنا جميعاً
مارغريت هودج، إحدى أكبر أعضاء حزب العمال التي كانت في طليعة المتحدين لجيريمي كوربن الزعيم السابق لحزب العمال فيما يتعلق بمعاداة السامية، لخصت الغاية من مشروع القانون بشكل مثالي، حيث قالت “لم يفعلوا ذلك لدعم إسرائيل، أو لإظهار التضامن مع الجالية اليهودية، أو لإظهار اهتمامهم حقاً بتقويض حركة المقاطعة، إنهم يريدون ببساطة نصب فخ سياسي لحزب العمال، من خلال وضع المصالح السياسية الحزبية فوق المصلحة العامة”.
وتضيف هودج أن “مشروع القانون ليس محاولة مدروسة لتحقيق السلام أو توفير أمن لإسرائيل أو الرد على التهديدات التي تمثلها حركة المقاطعة، بل يتعلق الأمر باستخدام اليهود في اللعبة السياسية للحكومة، فمناقشة القانون في اليوم الذي اندلع فيه العنف مرة أخرى في الضفة الغربية تذكير بأهميته حقاً”.
يحتوي مشروع القانون الجديد على عدد من العقبات التي يجب تجاوزها قبل أن يصبح قانوناً بالفعل، ومع ذلك، فإن محاولة الحكومة عرقلة حرية التعبير والديمقراطية والمساءلة عن سيادة القانون يجب أن ترعبنا جميعاً.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)