بقلم بيتر أوبورن
ترجمة وتحرير مريم الحمد
خلال زيارته المرتقبة لإسرائيل، سوف يحظى وزير الخارجية البريطاني، جيمس كليفرلي، باستقبال الأبطال من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حاملاً في جعبته مهمة لبناء روابط تجارية جديدة مع إسرائيل.
أما الحقيقة التي باتت معروفة، فهي أن الحكومة البريطانية أعطت نتنياهو بالفعل كل ما يريده، بل وأكثر، فبالنظر إلى خريطة الطريق لعام 2030 للعلاقات الثنائية بين بريطانيا وإسرائيل، نرى أن بريطانيا تجاهلت الاحتلال الذي تقوم به إسرائيل بل وعرفتها بالديمقراطية المزدهرة، كما أن كليفرلي وقع على نص الخريطة قبل زيارة نتنياهو إلى لندن في مارس الماضي.
مشروع القانون يخصص حماية خاصة لإسرائيل والضفة الغربية المحتلة ومرتفعات الجولان، مما يعني أنه لا يضع إسرائيل فحسب، بل الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضاً ومرتفعات الجولان بعيداً عن متناول حركة المقاطعة
واليوم هناك مشروع قانون النشاط الاقتصادي المتعلق بالهيئات العامة المعنية بالمسائل الخارجية، والذي دخل مرحلة لجنته في مجلس العموم قبل أيام، حيث يحقق هذا المشروع هدفاً مركزياً لسياسة نتنياهو الخارجية، وهو حماية إسرائيل من تهديد العزلة الدولية من خلال منع الهيئات العامة في البلاد من دعم حملة المقاطعة “بي دي إس”.
أما الأكثر غرابة، فهو أن مشروع القانون يخصص حماية خاصة لإسرائيل والضفة الغربية المحتلة ومرتفعات الجولان، مما يعني أنه لا يضع إسرائيل فحسب، بل الأراضي الفلسطينية المحتلة أيضاً ومرتفعات الجولان بعيداً عن متناول حركة المقاطعة، كما أنه ومن خلال الخلط بين إسرائيل والأراضي التي احتلتها عام 1967 بالقوة العسكرية، فإن مشروع القانون يتناقض بشكل قاطع مع التزامات السياسة الخارجية البريطانية القائمة!
التزام بريطانيا تجاه الأمم المتحدة
تعد بريطانيا من الدول الموقعة على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2334، والذي يعتبر التزاماً رسمياً للدول الأعضاء في مجلس الأمن “يدعو جميع الدول إلى التمييز، في تعاملاتها ذات الصلة، بين أراضي دولة إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967″، مما يعني أن الحماية الممنوحة للمستوطنات في التشريع الجديد تناقض التزام بريطانيا أمام الأمم المتحدة.
لم تتم دعوة أي فلسطيني للإدلاء بشهادته أمام البرلمان، وفي المقابل، تم إعطاء منبر لعدد من الأصوات المؤيدة لإسرائيل
في الوقت الذي يتم فيه تمرير مشروع القانون في مجلس العموم، فإن حكومة ريشي سوناك تواجه انكساراً أخلاقياً وسياسياً خلال الأشهر الأخيرة، ولذلك من المثير للدهشة أن سوناك قد مضى قدماً في المشروع رغم تحذيرات مسؤولين في وزارة الخارجية، من أن المشروع لا يتناقض مع السياسة البريطانية الخارجية فحسب، بل ويمثل هدية دعائية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين!
مؤخراً، كشف مراسلان من بي بي سي، إيون ويلز وتوم بيتمان، عن رسالة كانت قد أرسلتها وزارة الخارجية إلى داونينج ستريت في مايو الماضي، قد “تستخدمها موسكو لإظهار أن المملكة المتحدة لم تلتزم بالنظام القائم على القواعد الدولية”، وبالتالي “كانت منافقة في التعامل مع (الأراضي المحتلة) في إشارة إلى إدانة بريطانيا للغزو الروسي لأوكرانيا”.
إضافة إلى ذلك، فقد ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية أن محامين من الوزارة لفتوا إلى وجود بند في مشروع القانون “من شأنه زيادة خطر انتهاك المملكة المتحدة لالتزاماتها بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2334”.
رغم هذا التحذير، إلا أن سوناك تجاهل النصيحة ومضى قدماً في مشروع القانون، حتى أن حكومته تحاول استخدام كل الحيل لتمريره عبر البرلمان!
فقدان التوازن
هناك مشاكل عميقة فيما يتعلق بإدارة الحكومة لمرحلة اللجنة الخاصة بمشروع القانون، أولها أنه لم تتم دعوة أي فلسطيني للإدلاء بشهادته أمام البرلمان، وفي المقابل، تم إعطاء منبر لعدد من الأصوات المؤيدة لإسرائيل، منهم الصحفية في جريدة التايمز، ميلاني فيليبس، التي تنكر وجود الإسلاموفوبيا وتنتقد حتى منتقدي إسرائيل من اليهود!
في أحد أعمدتها الصحفية، كتبت فيليبس أنه “لا توجد أسباب وجيهة لمعارضة مشروع القانون”، فقد كان صوتها مسموعاً ومقدراً في اللجنة، حتى شكرها جورج هوارث، النائب عن حزب العمال ورئيس اللجنة، على “ردودها الصريحة المميزة والتي كانت مفيدة للغاية”، وفي ذلك إشارة واضحة إلى موقف حزب العمال الحالي بزعامة كير ستارمر من فلسطين.
السؤال هنا، لماذا لم يتم جلب أي كاتب عمود مؤيد لفلسطين في مقابل فيليبس؟!
تحيز متجذر
سأعطيكم مثالاً آخر على هذه التفرقة، حيث قام “أصدقاء إسرائيل” المحافظون بتقديم أدلة، أما أصدقاء فلسطين من المحافظين برئاسة سعيدة وارسي، فلم تتم دعوتهم بالتوازي، أيضاً، قدم محامو إسرائيل في المملكة المتحدة أدلتهم، فيما لم توجه دعوة موازية لـمحاميي حقوق الإنسان الفلسطيني، كما قدم مجلس القيادة اليهودية أدلة، فيما لم تتم دعوة اللجنة البريطانية الفلسطينية لفعل نفس الشيء، وهكذا هلم جراً!
حكومة سوناك تعمل على الترويج لتشريع يبعث رسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على مواصلة برنامجها الاستيطاني غير القانوني، مع كل ما يرافقه من عنف مستوطنين وإفلات دائم من العقاب!
لقد أصبح هذا التحيز المتجذر واضحاً منذ بداية عمل اللجنة قبل أسبوع، فقد كان مطلوباً من أعضاء اللجنة تقديم إعلان مصالح، فكانت الاكتشافات هنا مذهلة!
كان 7 من النواب المحافظين العشرة في اللجنة، المؤلفة من 19 عضواً، قد زاروا إسرائيل في رحلات نظمها “أصدقاء إسرائيل” المحافطون، كما أكد 6 منهم أنهم أصدقاء شخصيون للمدير التنفيذي لجمعية “أصدقاء إسرائيل”، جيمس غرد، فيما قال 3 أعضاء من حزب العمال أنهم ذهبوا في رحلات من تنظيم “أصدقاء إسرائيل” إلى إسرائيل، من بينهم رئيس اللجنة جورج هوارث، مقابل عضوة واحدة فقط، هي كيم ليدبيتر عن حزب العمال، قد ذهبت في رحلة نظمها مجلس التفاهم العربي البريطاني.
هدية سياسية لنتنياهو
تبقى نقطة أخيرة تم إغفالها، وهي أنه لم تتم دعوة أي مسؤول في وزارة الخارجية للإدلاء بشهادته حول الضرر الذي سيلحقه مشروع القانون بمكانة بريطانيا الدولية، وهذا أمر مفهوم نظراً لعدم رغبة أي حكومة في الإعلان عن انقساماتها، إلا أن الأدلة الواردة في مذكرة وزارة الخارجية المسربة والتي تشير إلى أن مشروع القانون سوف يساعد بوتين على غسل سمعته، تتطلب إجراء تحقيق عاجل وشامل.
من المفترض أن تحرص الحكومة البريطانية على الاسترشاد بمبادئ نولان المتمثلة بنكران الذات والنزاهة والموضوعية والمساءلة والانفتاح والصدق والقيادة، غير أن اختيار السهود وأعضاء اللجنة يثبت أن مبادئ نولان لا يتم تطبيقها عندما يتعلق الأمر بمشروع قانون النشاط الاقتصادي للهيئات العامة.
إذا أردنا تشبيهه، يمكن القول أن مشروع القانون أشبه بعملية خياطة، فالحكومة لا ترغب بإجراء تحليل جدي لمشروع القانون الذي، رغم أنه يمثل هدية سياسية كبيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ولبوتين على حد سواء، فهو يهدد بإلحاق خطر خطير ودائم على سمعة بريطانيا في العدل والتوازن في المعاملات.
ويلح سؤال هنا، لماذا الآن؟ لنقف عند المشهد قليلاً، منذ عودة نتنياهو كرئيس للوزراء في ديسمبر الماضي، أخذت الأحداث داخل إسرائيل والضفة بالتصاعد نحو الأسوأ، فقد قام نتنياهو برفع إيتمار بن غفير من مكانة السياسي الكاهاني إلى منصب وزير الأمن القومي، ومن خلال منح وزير المالية بتسلئيل سموتريتش السيطرة على المستوطنات غير القانونية في الضفة، يكون نتنياهو قد قام بسابقة سوف تعمل على تسريع ضم أراضي الضفة الغربية.
من جهة أخرى، تصاعد عنف المستوطنين، وتوسعت مشاريع الاستيطان بشكل هائل باعتباره جزءاً من برنامج منهجي لجعل الدولة الفلسطينية مستحيلة، كما شرع نتنياهو لنفسه تنفيذ برنامج للتعديلات القضائية تهدد بتفكيك الديمقراطية داخل إسرائيل.
رغم اتجاه إسرائيل في الاتجاه المرعب، إلا أن حكومة سوناك تعمل على الترويج لتشريع يبعث رسالة مفادها أن إسرائيل قادرة على مواصلة برنامجها الاستيطاني غير القانوني، مع كل ما يرافقه من عنف مستوطنين وإفلات دائم من العقاب!
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)