مصر تحت حكم السيسي.. إلى أين يتجه القمع والركود في 2025؟

بقلم حسام الحملاوي

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

مع اقتراب نهاية هذا العام، فإن الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان بقيت عملاقا راكدا بنظام سياسي يتعفن ببطء، ويفتقر إلى الشرعية المحلية ولا يبقيه على قيد الحياة إلا شريان مستمر في التدفق من المال الغربي ومن دول الخليج العربي التي تخشى تداعيات انهيار النظام المصري.

بدأ العام بتجديد الفترة الرئاسية حتى العام 2030 لعبد الفتاح السيسي، الذي يبلغ من العمر الآن 70 عاما، وذلك بعد سيرك انتخابي تم تحديد نتيجته مسبقاً، حيث جرى سجن منافسه الجاد الوحيد، عضو مجلس النواب السابق أحمد طنطاوي.

وطوال العام، واصلت الشرطة السرية والأمن الوطني استهداف جميع أشكال ومستويات المعارضة في مصر، سواء كانت على الإنترنت أو خارج البلاد، مما أدى إلى احتجاز المواطنين في متاهة لا نهاية لها من القضايا الملفقة، والتي أطلق عليها المدافعون عن الحقوق اسم عملية “التناوب”.

أما ظروف السجون المصرية فظلت قاسية أيضاً، حيث خاض المعتقلون إضرابات عن الطعام مرارًا وتكرارًا احتجاجًا على التعذيب وسوء المعاملة، وتوفي أكثر من 50 منهم خلال هذا العام في السجون التي تديرها وزارة الداخلية، وفروع الأمن الوطني ومراكز الشرطة.

وفي وسائل الإعلام الرئيسية، بقيت الانتقادات الموجهة للرئيس أو مسؤولي النظام معدومة تقريباً، فمعظم وسائل الإعلام مملوكة رسمياً وتديرها شركة واحدة أنشأها جهاز المخابرات العامة.

وتعمل حفنة من المواقع الإخبارية المستقلة على الإنترنت في ظل ظروف صارمة، وتخضع للرقابة وتُحرم من تراخيص وسائل الإعلام وتواجه مضايقات مستمرة، وفي وقت كتابة هذا المقال، ظل ما لا يقل عن 24 صحفياً وعاملاً في وسائل الإعلام في السجن، وفقاً لنقابة الصحفيين المصريين.

لقد سحقت الأجهزة الأمنية بسرعة النشاط في الشوارع، وهو الذي شهد انتعاشاً نادراً ومفاجئاً في أكتوبر/تشرين الأول 2023 مع اندلاع العدوان غزة، وضمنت بقاء الشوارع هادئة، وبعد مرور عام، لا يزال أكثر من 100 شخص في السجن لمشاركتهم في أعمال تضامن سلمية مع الشعب الفلسطيني.

هل هي طريق سوريا؟

وفيما لا يزال الحصار مضروباً على أي حركة احتجاج منظم في الشوارع محاصراً، تصاعدت وبوتيرة متكررة الاحتجاجات الاجتماعية العفوية من قبل المواطنين غير المنتمين سياسياً والتي تنطوي على مواجهات مع قوات الدولة، وعلى وجه التحديد الاحتجاجات بشأن الأجور وظروف العمل، فضلاً عن الاحتجاجات بشأن الإسكان والإخلاء والسلامة على الطرق، بعدما شرع النظام منذ انقلاب العام 2013 في واحدة من أكبر حملات الهدم في تاريخ مصر الحديث، كجزء من إعادة هيكلة المناطق الحضرية العسكرية، حيث تقدر المهندسة المعمارية أمنية خليل أن ما يقرب من 10% من سكان الجيزة والقاهرة وحدهما نزحوا منذ عام 2013

أدى الهجوم على النظام الإسكاني إلى معارك مزمنة ضد عمليات الإخلاء، تحولت إلى اشتباكات مع الجيش والشرطة، كما حدث في جميمة وبورسعيد والوراق وأماكن أخرى، حيث ينبغي مراقبة هذه الاحتجاجات التي من المرجح أن تتصاعد في العام المقبل.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، شاهد المصريون في ابتهاج سقوط الدكتاتورية السلالية الوحشية لبشار الأسد، ويبقى أن نرى كيف ستسير الأمور بالنسبة للملايين الذين يعيشون تحت دكتاتورية السيسي الوحشية.

ومع تدمير المعارضة المصرية وأعمال الإرهاب التي تمارسها الدولة بشكل يومي تقريبا ضد أدنى إشارة أو لفتة للمعارضة، فإن تكرار تأثير الدومينو الذي حدث في عام 2011 أمر غير مرجح، على الأقل في الأمد القريب.

ولكن هناك بالتأكيد من يراقبون من داخل مصر الأحداث السورية ويقرأون ما إذا كانت الثورة المسلحة هي السبيل الوحيد للإطاحة بالسيسي، كما فعل الثوار السوريون، وغني عن القول إن انتصار الثوار من شأنه أن يعزز الإسلام السياسي في مصر وأماكن أخرى

يبدو السيسي متوتراً أيضاً بشأن الأحداث في سوريا، فبعد نحو أسبوع من سقوط الأسد، التقى بالقادة العسكريين وكبار مسؤولي الشرطة ورئيس جهاز المخابرات العامة ورئيس الوزراء والعديد من كبار المسؤولين الحكوميين الآخرين في مقر القيادة الاستراتيجية لوزارة الدفاع في العاصمة الإدارية الجديدة لمناقشة تأثير الحروب الإقليمية في سوريا وغزة.

وفي حديثه إلى مناصريه في نفس اليوم، دعا الشعب إلى التوحد وحماية الدولة المصرية، وقال: “هناك شيئان لم أفعلهما قط، والحمد لله، لم ألطخ يدي بدماء أحد ولم آخذ أموال أحد”.

الأنشطة العسكرية

ورغم ضغوط المانحين الدوليين وأحيانًا رجال الأعمال المصريين البارزين على النظام لإخراج القوات المسلحة من الاقتصاد المدني، إلا أن الجيش يواصل توسيع سيطرته حيث يتلاعب بقوى السوق الحرة لصالحه ويستخدم نفوذه لفرض نفسه في شراكات مع رأس المال المحلي والعالمي.

ففي عام 2024، واصل السيسي التهرب من الدعوات لخصخصة الشركات العسكرية أو الحد من نفوذها، بل على العكس من ذلك، تم منحها المزيد من الاحتكارات وحصة أكبر من الكعكة.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن خطط لإدراج العديد من الشركات التابعة للجيش في البورصة المصرية، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإدلاء بمثل هذه التصريحات.

فقد سبق أن أعلن السيسي في نوفمبر/تشرين ثاني 2022 أنه سيتم إدراج شركتين عسكريتين إحداهما للبترول والأخرى لإنتاج المياه المعبأة في البورصة، وبعد بضعة أشهر، أعلن مدبولي أن عشر شركات أخرى تابعة للجيش ستُطرح في البورصة، وفي المقابل، لم تتم حتى الآن خصخصة شركة عسكرية واحدة.

وهناك سبب وجيه وراء المماطلة التي اتسم بها النظام طيلة تلك السنوات في بيع تلك الشركات، ففي هذه المرحلة، تقتصر الدائرة الانتخابية الموالية للسيسي على سلك الضباط، بعدما وصلت شعبيته بين جميع الطبقات الاجتماعية في مصر، بما في ذلك قطاعات رأس المال الكبير، إلى أدنى مستوياتها، وقد يكون استعداء كبار القادة أو العبث بامتيازاتهم الاقتصادية قاتلاً في مثل هذه الأوقات المضطربة، فهل يشرع النظام أخيراً في خصخصة شركات الجيش؟ الشيطان يكمن دائما في التفاصيل.

ووفقا لتصريحات مدبولي، سيتم بيع أجزاء من الشركات مباشرة إلى “مستثمرين استراتيجيين”، على الرغم من عدم تقديم تفاصيل محددة بشأن هوية هؤلاء المستثمرين أو النسبة المئوية للأسهم التي سيتم بيعها لهم، كما لن يتم خصخصة الشركات بالكامل، ولكن سيتم طرح نسب منها في سوق الأوراق المالية، ومرة أخرى، من غير الواضح ما هو مقدار النسبة المئوية.

وتشمل بعض السيناريوهات المحتملة التي يجب مراقبتها في عام 2025 بيع الأسهم لمستثمرين مدنيين يعملون كواجهات للجيش أو لشركات يمتلكها الجيش جزئيًا أو كليًا، فعلى سبيل المثال، تمتلك هيئة مشروعات الخدمة الوطنية التابعة للجيش حصة 20% في شركة طاقة عربية يُنظر إليها كمقدمة عرض محتمل لشركة وطنية واحدة من الشركات الأربع التي سيتم إدراجها في البورصة.

وإذا أخذ السيسي شيئًا من الجيش بإحدى يديه، فإنه سوف يعوضهم عنه باليد الأخرى، وقد يعني هذا المزيد من التنازلات في قطاعات أخرى، والأراضي المخصصة وغيرها، فعلى سبيل المثال، أثناء التخطيط لخصخصة شركة سيلو فودز، أصبحت القوات الجوية المصرية الآن تدير فعليًا قطاع الإنتاج الزراعي، وحصلت مؤخرًا على احتكار واردات الحبوب.

أزمة الهيمنة

وفي صيف عام 2023، وقع السيسي على قانون ينهي الإعفاءات الضريبية للأنشطة الاقتصادية الحكومية، لكن الإعفاءات الضريبية لمشاريع الأعمال العسكرية ظلت قائمة، حيث تضمن القانون الجديد استثناءً للأنشطة الاقتصادية المتعلقة بـ “الأمن القومي”، والتي يمكن تفسيرها بسهولة على أنها أي شيء يتعلق بالجيش.

ومن المرجح أن يستمر النظام في العام المقبل في التهرب من الدعوات لإصلاح المجمع العسكري الاقتصادي، ومن المرجح أن يلجأ أيضاً إلى مناورات مثل تعويم الشركات العسكرية في سوق الأوراق المالية، فقط لشرائها من خلال شركات ورجال أعمال آخرين هم واجهات للجيش، أو الحد من امتيازات الشركات العسكرية في قطاع واحد، فقط للتعويض في قطاع آخر.

وقد ظهرت خلال هذا الشهر معلومات تفيد بأن إبراهيم العرجاني، وهو مهرب تحول إلى رجل ميليشيا ورجل أعمال ترعاه الدولة، يخطط لإطلاق حزب سياسي، ولم يصدر إعلان رسمي عن ذلك بعد، ولكن إذا تحقق الأمر، فسوف يخوض الحزب المرتقب الانتخابات البرلمانية ومجلس الشيوخ في عام 2025، وأنا أشدد هنا على كلمة “إذا”، لأن العرجاني لم يؤكد ذلك علناً، وقد يتم إلغاء المشروع في نهاية المطاف، ولكن يجب أن نسأل لماذا يتم طرح مثل هذه الخطط.

هذا ليس بالضرورة مدفوعاً بطموحات العرجاني الشخصية، فهو عميل للدولة ويمكن استبداله بسهولة في أي وقت إذا اعتبره النظام عديم الفائدة أو ضاراً، بل إن هذا مدفوع بأزمة هيمنة النظام.

يحكم السيسي بالإكراه فقط، على عكس أسلافه، وقد دمر المجتمع المدني والمؤسسات السياسية التي تصنع بعض المستويات الضرورية من الموافقة، وهو أمر بالغ الأهمية لاستمرار النظام والدولة.

التصحر السياسي

إن السيسي في حاجة ماسة إلى ما يشبه الحزب الوطني الديمقراطي الذي أسسه الرئيس السابق حسني مبارك، ولكنه فشل في فعل ذلك حتى الآن، لقد فشل في ذلك حتى من خلال حزب مستقبل وطن البائس، الذي لا تؤدي فعالياته العامة الهادفة إلى حشد الدعم للسيسي إلا إلى نتائج عكسية وتتحول إلى احتجاجات مناهضة للنظام.

بل إن محاولات تزوير الأصوات في انتخابات النقابات المهنية إما أن تفشل أو تنحدر إلى مستوى البلطجة الصرفة، مما يتسبب في فضائح يتعين على النظام أن يكافح لإدارتها.

وبناء عليه، فإن الأنباء عن فكرة إنشاء حزب سياسي من قبل العرجاني هي أحدث محاولة “لخلق السياسة” في بلد أصبح المشهد السياسي فيه خاويا تماما.

لقد أدى الاعتماد الكلي على الديون الخارجية إلى تداعيات محلية، واتساع الفجوات الطبقية في مصر، وحالة من الانحطاط الاجتماعي، إلى جانب تراجع نفوذ القاهرة الإقليمي وتضعضع قوتها الناعمة.

فمن هيمنة إقليمية نشطة في ظل الأنظمة السابقة، أصبحت مصر في عهد السيسي تعتمد الآن على القروض الأجنبية والمنح وعمليات الإنقاذ المستمرة من قِبَل المانحين الإقليميين والدوليين الذين يرون مصر “أكبر من أن تفشل” ولا يريدون المخاطرة بمزيد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

ونتيجة لهذا، لم يتمكن السيسي من توجيه مسار الأحداث في مجالات النفوذ التقليدية لمصر، وبدلاً من ذلك، عانى إما من هزائم دبلوماسية أو دفع مصر إلى حالة من التواطؤ الوقح في الإبادة الجماعية المستمرة على حدوده الشرقية تحت أعين جيشه.

وخلال العام المقبل، ستظل مصر ذات صلة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني بحكم القرب الجغرافي، مما يجعلها تسيطر على المخرج الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي، معبر رفح.

ورغم عجز القاهرة عن إجبار إسرائيل على الانسحاب من ممر فيلادلفيا على طول حدودها، فإنها ستواصل الضغط على الجانب الأضعف، أي الفلسطينيين، لحملهم على تقديم التنازلات والتسويات لإثبات جدارتها أمام إدارة ترامب في الولايات المتحدة.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا

مقالات ذات صلة