لقد أصدرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مؤخرا “أول استراتيجية وطنية أمريكية على الإطلاق لمكافحة معاداة السامية“، وتقوم “الاستراتيجية” بمراجعة بعض الجوانب الأكثر فظاعة لمعاداة السامية في تاريخ الولايات المتحدة، لكنها تشدد أيضا على قضايا “الطلاب والمعلمين اليهود” الذين تزعم أنه “يتم استهدافهم في الجامعات بالسخرية والاستبعاد، غالبا بسبب آرائهم الحقيقية أو المفترضة إزاء دولة إسرائيل. فعندما يُستهدف اليهود بسبب معتقداتهم أو يستفرد بإسرائيل بسبب الكراهية المعادية لليهود، فهذه هي معاداة السامية، وهو ما لا يمكن قبوله”.
إذا كان هذا هو الوضع بالفعل، فمن الطبيعي أن يشكل مصدر قلق مهم، لكن هذا الطرح يتجنب ذكر مسألتين مرتبطتين: أولاً، التاريخ والحاضر الفعلي للطلاب والمعلمين اليهود الذين يتم استهدافهم بالسخرية والاستبعاد في الجامعات من قبل مؤيدي إسرائيل، من اليهود وغير اليهود، على أنهم “يكرهون ذاتهم” كيهود، أو أنهم كـ”يهود”، “يحرّضون على معاداة السامية” لأنهم ينتقدون إسرائيل أو يدعمون حقوق الفلسطينيين. وقد استمر استهداف هؤلاء الطلاب والمعلمين اليهود لأكثر من عقدين في الجامعات الأمريكية، وهي فترة أطول بكثير من الاستهداف المزعوم للطلاب والمعلمين اليهود الذين يدعمون إسرائيل. ثانيا، لا تذكر “الاستراتيجية” حقيقة أنه يتم استثناء إسرائيل عن غيرها من الدول من قبل مؤيديها الأمريكيين على وجه التحديد بسبب يهوديتها التي يقدمونها كذريعة لتأييدهم لها، حيث يتم وصف حروبها وسياساتها وإنجازاتها العسكرية على أنها “يهودية” الهوية، وهو وصف لم يكن سيفلت من تهمة معاداة السامية المشروعة لو قام معارضو إسرائيل باستخدامه.
لاحظ جوزيف مسعد، منذ التسعينات، كيف أن لا علاقة للصهيونية بثقافة "الشتات اليهودي"، بمعنى أنها تريد اختراع "يهودي جديد" منفصل عن تاريخه في بلده الأصلي، ومرتبط بحلم "العودة" للبلد الموعود الذي لا علاقة لهم به. والتي شاءت الصدفة الإستعمارية أن تكون فلسطين. pic.twitter.com/T1b39NpMaj
— موسى (@BinNassema) June 13, 2023
تتجاهل “استراتيجية” بايدن تماما الطلاب والمعلمين اليهود المستهدفين بسبب انتقادهم لإسرائيل، فهمّها منحصر بالطلاب اليهود الذين “يشعرون أنهم يدفعون تكلفة اجتماعية إذا دعموا وجود إسرائيل كدولة يهودية”، وليس أولئك الطلاب اليهود “الذين يشعرون أنهم يدفعون تكلفة اجتماعية” لمعارضتهم أو انتقادهم لوجود إسرائيل. فقد هاجم مؤيدو إسرائيل بلا هوادة الأساتذة اليهود (ناهيك عن غير اليهود) الذين ينتقدون إسرائيل، واصفين مواقفهم بأنها تعبّر عن “كره الذات”.
ويعبّر أنصار إسرائيل عن شعورهم بالفزع إزاء وجود “عدد أكبر من اليهود الذين يكرهون أنفسهم” بين أولئك الذين يتهمونهم بمعاداة السامية؛ لأنهم يدعمون حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. كما يصف مؤيدو إسرائيل الحاخامات الصهاينة الذين ينتقدون السياسات الإسرائيلية بأنهم أيضا “يكرهون ذاتهم”، كما وصف أيضا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كبار مسؤولي البيت الأبيض من اليهود قبل بضع سنوات، وهم من عتاة المؤيدين لإسرائيل، بأنهم “يكرهون ذاتهم” بسبب دعوتهم إسرائيل إلى “تجميد” بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.
إن اعتبار النقد اليهودي لإسرائيل على أنه شكل من أشكال “الكراهية الذاتية لليهود” وعلى أن الاثنين شيء واحد ليس بالأمر الجديد، بل هو في الواقع استراتيجية اتبعتها الحكومة الإسرائيلية نفسها لمدة نصف قرن على الأقل. ففي مؤتمر عُقد في إسرائيل في عام 1972 لمنظمة “المؤتمر اليهودي الأمريكي”، أوضح وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أبا إيبان الاستراتيجية: “إن التمييز بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية لا يمكن أن يكون تمييزا على الإطلاق، فمعاداة الصهيونية هي مجرد ضرب جديد من معاداة السامية”.
وبينما تتم مهاجمة منتقدي إسرائيل من غير اليهود بعدّهم معادين للسامية، فقد وصف إيبان اثنين من النقاد اليهود الأمريكيين في تلك الفترة -الأكاديمي نعوم تشومسكي والصحفي آي. إف. ستون- بأنهما يعانيان من عقدة “الذنب بشأن نجاة اليهود” من المحرقة، حيث تدخل “قيمهم وأيديولوجيتهم” -أي مناهضتهم للاستعمار والعنصرية- “في صراع وتصادم مع القيم اليهودية التي تشكل عالمنا الخاص بنا”.
والمفارقة هي أن مساواة إيبان بين السياسات الاستعمارية والعنصرية الإسرائيلية والتقاليد اليهودية كانت ستقابل بالإدانة المستحقة بوصفها معاداة صريحة للسامية لو قام بطرحها مسؤول غير إسرائيلي، حيث إن من شأن هذه الحجة توريط جميع اليهود في أفعال إسرائيل ومُثُلها، والتي ينبغي أن تُعتبر دولة إسرائيل وحدها المسؤولة عنها. لكن حملة إيبان الخبيثة للمساواة بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية قد أصبحت مرجعا رئيسا لمؤيدي إسرائيل، لدرجة أن الرئيس الحالي لرابطة مكافحة التشهير الأمريكية، وهي من أهم المنظمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة، جيسون غرينبلات، لا ينفك يكررها بانتظام في تصريحاته.
لكن من الصعب فصل الادعاء بأن جميع اليهود الأمريكيين يدعمون إسرائيل، أو أن دعمهم لها يشكل جزءا جوهريا من هويتهم اليهودية، عن التعميمات المعادية للسامية. وذلك لأن الهوية اليهودية، شأنها شأن كل الهويات الأخرى، متعددة الأوجه دينيا وعرقيا، وجغرافيا وثقافيا واقتصاديا. إن الزعم بأن الهوية اليهودية مرادفة للأيديولوجيا الصهيونية هو أمر قاومه اليهود الأمريكيون منذ ولادة الصهيونية، وحاربوه بشكل أكثر حزما منذ قيام المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية.
فكما قام الكاتب اليهودي الأمريكي ألفريد ليلينثال في عام 1949 بنشر مقالته في مجلة “ريدرز دايجست” واسعة التوزيع تحت عنوان “علم إسرائيل ليس علمي”، فقد وقّع رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية جاكوب بلاوستين في عام 1950 اتفاقية مع رئيس وزراء إسرائيل حينئذ دافيد بن غوريون، لتوضيح الأمور التي فاتت أنصار إسرائيل المعادين للسامية. فقد أعلن بن غوريون في الاتفاقية أن اليهود الأمريكيين هم مواطنون كاملون في الولايات المتحدة، وأن لديهم ولاءً سياسيا واحدا هو للولايات المتحدة: “وإنهم لا يدينون بأي ولاء سياسي لإسرائيل”. في الوقت نفسه، أعلن بلاوستين أن الولايات المتحدة ليست “منفى”، بل “شتاتا”، وأوضح أن دولة إسرائيل لا تمثل رسميا يهود الشتات أمام بقية العالم. وأصر بلاوستين في جملة في غاية الأهمية بأنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون ملجأ لليهود الأمريكيين. فحتى لو حصل ولم تعد الولايات المتحدة دولة ديمقراطية، وكان على اليهود الأمريكيين “أن يعيشوا في عالم يمكن أن يُطردوا فيه من أمريكا نتيجة الاضطهاد، فلن يكون هذا عالما آمنا لإسرائيل أيضا”.
فبدلاً من الدفاع عن حق الطلاب والمعلمين اليهود في الاختلاف مع إسرائيل، وفي معارضة زعمها المتعجرف بالتحدث باسم جميع يهود العالم، وفي انتقاد سياساتها الاستعمارية والعنصرية، تقوم الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بمناقضة السجل التاريخي، وتتهم هؤلاء اليهود وغيرهم من نقاد الاستعمار الإسرائيلي وعنصريته بمضايقة أنصار إسرائيل!
وبينما يتم في العديد من الحالات مناصرة إسرائيل من قبل مؤيديها بسبب يهوديتها، يتم تجاهل هذا الأمر أيضا من قبل استراتيجية بايدن. وفي هذا السياق يتم اتهام ضحايا إسرائيل الفلسطينيين وأنصارهم بأن مقاومتهم لإسرائيل هي بسبب يهوديتها وليس بسبب سياساتها الاستعمارية والعنصرية. فعلى سبيل المثال، زعم الصحفي الأمريكي البارز مورتيمر زوكرمان أن إسرائيل لا تستطيع صنع السلام مع الفلسطينيين، لأنهم يكنون “كراهية جهادية شديدة لليهود وللدولة اليهودية”.
يدعي أنصار إسرائيل، مثل الأكاديمي الأمريكي دانيال إلعازار، أن إسرائيل قد “تأسست على القيم اليهودية”، وهو ادعاء يربط بشكل مثير للجدل بين المبادئ الاستعمارية لدولة إسرائيل والديانة اليهودية والهوية اليهودية. لكن إلعازار ليس وحيدا في طرحه هذا، فيعتقد آخرون مثل الحاخام الأمريكي إيرفينغ غرينبيرج، الذي أصبح فيما بعد مديرا للجنة الرئيس الأمريكي بشأن المحرقة، أن الله نفسه كان قد دعم إسرائيل في الحرب بسبب حبه للشعب اليهودي، وللتعويض عن “فشله” في الدفاع عن اليهود ضد هتلر. فبعد انتصار إسرائيل في حرب عام 1967، ساوى غرينبرغ بين مصير إسرائيل ومصير يهود العالم، بمن فيهم اليهود الأمريكيون، عندما أكد أن “في أوروبا فشل [الله] في القيام بمهمته.. كان من الممكن أن يكون حزيران/ يونيو [1967] تدميرا أكثر حسماً للعهد” المعقود بين الله واليهود كما ورد في التوراة.
وقد تماهى الكاتب اليهودي الأمريكي إيلي فيزل مع الاستعمار الإسرائيلي، لدرجة أنه أعلن في عام 1967 أن أولئك الذين يقاومون إسرائيل ويقاتلون ضدها لاستعادة حقوقهم هم أعداء للشعب اليهودي برمته: “يدرك اليهود الأمريكيون الآن أن حرب عبد الناصر ليست موجهة فقط ضد الدولة اليهودية، ولكن ضد الشعب اليهودي”. وخلال حرب 1973، عندما اجتاحت مصر وسوريا أراضيهما التي احتلتها إسرائيل، لتحريرها، كتب فيزل أنه للمرة الأولى في حياته منذ بلوغه سن الرشد “يخشى أن يبدأ الكابوس من جديد”. فبالنسبة إلى اليهود، بحسبه، “العالم لم يتغير.. حيث إنه غير مبال بمصيرنا”. وأصر مؤيدون أمريكيون آخرون لإسرائيل، مثل الناقد الأدبي اليهودي إيرفينغ هاو، على أن أولئك الذين لا يدعمون إسرائيل يكرهون اليهود: فقد أعلن أن هنالك “حكمة مؤلمة” تفسّر عزلة إسرائيل الدولية، حيث إنه “حتى في أكثر القلوب مودةً، هنالك بقعة باردة لليهود”.
لا يقتصر الأمر على قيام إسرائيل والعديد من مؤيديها اليهود الأمريكيين بوصف السياسات الإسرائيلية على أنها “يهودية” أو أنها تُطبّق دفاعا عن الشعب اليهودي، ولكن يشمل ذلك أيضا الكثير من الأصوليين المسيحيين الأمريكيين الذين يدعمون إسرائيل على وجه التحديد لأنها يهودية. فقد وصف الزعيم المسيحي الأصولي الموالي لإسرائيل بات روبرتسون، المتوفي حديثا، الغزو الصهيوني لأرض الفلسطينيين بأنه “معجزة من عند الله”. وأضاف أن “الانتصارات الرائعة للجيوش اليهودية على الصعاب الساحقة في المعارك المتتالية في 1948 و1967 و1973 هي بوضوح معجزات من عند الله”.
لم يقم روبرتسون بوصف الغارات العسكرية الإسرائيلية على أنها جزء من خطة الله للشعب اليهودي فحسب، بل وصف الإنجازات الإسرائيلية أيضا على أنها إنجازات يهودية: “فالعجائب التكنولوجية للصناعة الإسرائيلية والبراعة العسكرية وفضل الزراعة الإسرائيلية والثمار والزهور ووفرة الأرض؛ كلها تشهد على اهتمام الله الساهر بهذه الأمة الجديدة وعبقرية هذا الشعب”.
تبدو استراتيجية بايدن غافلة عن حقيقة أن إشادة مؤيدي إسرائيل بالفظائع والحروب الإسرائيلية باعتبارها إنجازات “يهودية” لا تختلف عن وصف أولئك الذين يدينون هذه الحروب بأنها جرائم “يهودية”، فكلا الادعاءين معاديان للسامية بشكل مقيت.
ثمة جانب آخر من “استراتيجية” بايدن الجديدة، وهو أن حكومة الولايات المتحدة “ستواصل محاربة معاداة السامية في الخارج وفي المحافل الدولية، بما في ذلك جهود نزع الشرعية عن دولة إسرائيل”. وهذا يشمل “التزاما لا يتزعزع بحق دولة إسرائيل في الوجود وشرعيتها وأمنها. بالإضافة إلى ذلك، نحن ندرك ونحتفي بالعلاقات العميقة التاريخية والدينية والثقافية، وغيرها من الروابط التي تربط العديد من اليهود الأمريكيين والأمريكيين الآخرين بإسرائيل”.
تُعمم مثل هذه التصريحات مرة أخرى على اليهود الأمريكيين عبر تجاهل أولئك اليهود الأمريكيين الذين يفتقرون إلى روابط “عميقة” أو حتى ضحلة بإسرائيل، أو الذين تجبرهم علاقاتهم بإسرائيل على عدم دعم مزاعمها بشأن اليهود أو سياساتها تجاه الفلسطينيين. فبدلاً من محاربة معاداة السامية، فإن هذا الاقتران بين اليهود الأمريكيين وإسرائيل في استراتيجية بايدن يكرر مزاعم اليهود الصهاينة والمسيحيين الإنجيليين الأمريكيين بحق اليهود ككل، والتي يعترض عليها العديد من اليهود الأمريكيين.
تظهر استطلاعات رأي غالوب أن غالبية الأمريكيين البروتستانت الذين يدعمون إسرائيل يقومون بذلك لأن إسرائيل “يهودية”، وهذا ينطبق على المواطن العادي بقدر ما ينطبق على رؤساء الولايات المتحدة المسيحيين الإنجيليين والأصوليين. ففي عام 1977، أصر الرئيس جيمي كارتر، مناقضا اتفاقية بلاوستاين لعام 1950 مع بن غوريون، على أن “مواطنينا اليهود” -معمما عليهم جميعا- “لديهم هذا الالتزام العميق تجاه إسرائيل”، الأمر الذي برر جزئياً تصريح كارتر المفزع: “إنني أفضل الانتحار على إيذاء إسرائيل”.
وقد أعلن الرئيس السابق بيل كلينتون بدوره أن “الحقيقة هي أن المرة الوحيدة التي أتيت فيها أنا وزوجتي إلى إسرائيل قبل اليوم كانت قبل 13 عاما، مع قسيسنا في مهمة دينية”. وأضاف كلينتون: “لقد زرنا الأماكن المقدسة، وقد استعدت تاريخ الكتاب المقدس وتاريخ كتبكم وكتبي المقدسة. وكانت تربطني بقسيسي علاقة وطيدة”. وفي وقت لاحق، عندما مرض القسيس، قال لكلينتون: “إذا تخليت عن إسرائيل، فلن يغفر الله لك ذلك أبدا”، حيث إن “إرادة الله هي في استمرار إسرائيل، الموطن التوراتي لشعب إسرائيل، إلى الأبد وإلى دهر الداهرين”. ولا شك بأن هذه الالتزامات المسيحية الإنجيلية تجاه إسرائيل قد تحظى برضا العديد من الصهاينة، ولكنها لا تُرضي بالضرورة جميع اليهود الأمريكيين.
أما باراك أوباما، فمن خلال إعلانه عن حبه الأبدي لإسرائيل، كان يدرك أن إسرائيل لا تمثل الشعب الإسرائيلي -أي اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين من مواطني إسرائيل- لكنها تمثل، خلافا لاتفاقية بلاوستين مع بن غوريون، “الشعب اليهودي” في جميع أنحاء العالم. وقد أكد أوباما: “أنا مؤمن وواثق من مدى حبي الشديد لإسرائيل والشعب اليهودي”.
عندما اتُهمت الأكاديمية اليهودية الأمريكية الألمانية حنة أرندت، وكانت من المؤيدين الناقدين بعض الشيء لإسرائيل، بأنها لا تكن “المحبة” للشعب اليهودي، صرّحت، بخلاف أوباما، بأنها لا تحب أي شعب أو أمة (بمعنى استحالة محبة شعب بأكمله لا تعرف كل فرد فيه)، بل “أحب أصدقائي فقط”. وكي لا يبزه أحد، أعلن جو بايدن أيضا بأنه “لو كنت يهوديا، لكنت صهيونيا”، وهو ما يعنيه أن أولئك اليهود الأمريكيين غير الملتزمين بالصهيونية يخطئون بحق باقي اليهود. وأضاف بايدن: “والدي قد أوضح لي بأنه لم يكن من الضروري أن أكون يهوديا كي أكون صهيونيا”.
تكمن المفارقة في أن أولئك اليهود وغير اليهود الذين يصرون على أن الاستعمار الإسرائيلي وسلب السكان الأصليين ممتلكاتهم ليس لهما علاقة باليهودية، وأن سرقة أرض شعب آخر ليست سمة يهودية متأصلة، هم من يتم وصفهم على الفور بأنهم “يكرهون ذاتهم” أو أنهم “معادون للسامية “من قبل أولئك الذين يصرون على يهودية إسرائيل وعلى يهودية كل سياساتها وأفعالها.
لا تبدو هذه الفترة من التاريخ اللحظة المناسبة لإدارة بايدن للدفاع عن اليهود الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل بدلا من الدفاع عن اليهود الأمريكيين من منتقدي إسرائيل، لا سيما أننا في زمن يسعى فيه عدد متزايد من اليهود الأمريكيين إلى فصل أنفسهم عن إسرائيل ونظام الفوقية العرقية اليهودية الذي تنتهجه وعن جرائمها الاستعمارية، والذين يتم استهداف مواقفهم السياسية من قبل جماعات الضغط الموالية لإسرائيل واعتبارهم “كارهين لذاتهم”. في استراتيجيته هذه، يبدو أن بايدن، شأنه شأن كلينتون وكارتر وأوباما، ناهيك عن سلالة بوش الحاكمة، يريد أن يوصل رسالة مفادها أنه سيستمر بالانتصار للمؤيدين اليهود الأمريكيين والتضحية بالنقاد اليهود الأمريكيين لإسرائيل، وهي رسالة تملؤها الكراهية ويجب إدانتها.
كان ينبغي أن تجعل الإدانةُ الساحقة لإسرائيل كدولة فصل عنصري من قبل منظمات حقوق الإنسان الغربية؛ بايدن يتأنّى بعض الشيء قبل استصدار استراتيجيته. لكن، وحيث أن إستراتيجية بايدن الجديدة لمحاربة معاداة السامية توحي بأن التفوق العرقي اليهودي لإسرائيل قد غدا جزءا من الهوية اليهودية، أو أن الافتراض الأكثر فظاعة بأن الاستعمار الإسرائيلي وطرد السكان الأصليين هما من صلب الديانة اليهودية، فإنما يفضح هذا الجزء من الاستراتيجية على أنه ليس أقل من إعلان حرب على اليهود الأمريكيين الذين ينتقدون إسرائيل، ناهيك عن غير اليهود الذين ينتقدونها كذلك.
لقد هاجم النقاد اليهود الصهيونية لأكثر من قرن بصفتها أيديولوجيا معادية للسامية، مما أظهر مرارا وتكرارا أن معاداة السامية هي أعلى مراحل الصهيونية، وليست استراتيجية بايدن الجديدة سوى تأكيد وإثبات لتلك المقولة للمرة الألف.
للإطلاع على المقال باللغة الانجليزية من (هنا)