بقلم جوناثان كوك
يبدو أنه أصبح واضحًا للغاية خلال السنوات الثلاث الماضية هو أن زعيم حزب العمال البريطاني “كير ستارمر” لا يتهاون مع أي انتقاد لإسرائيل على الإطلاق – حتى عندما يتوافق هذا النقد مع القانون الدولي، أو أعراف مجتمع حقوق الإنسان أو حتى مجرد الفطرة السليمة.
و تحصل إسرائيل على تصريح مرور مجاني من حزب العمال المعارض بزعامة ستارمر، تمامًا كما تحصل عليه من حزب المحافظين الحاكم، حيث يصبح أي بريطاني معزولاً سياسياً بمجرد اعتقاده بأن الفلسطينيين يستحقون دولة، أو بأنه لا ينبغي أن تُسرق أراضيهم من أجل بناء مستوطنات غير شرعية تخصص لليهود فقط، أو بضرورة أن يكونوا في مأمن من حكم الفصل العنصري الإسرائيلي، أو حتى بأنه لا ينبغي أن يُقتلوا على يد قوات الأمن الإسرائيلية التي تفرح بالضغط على الزناد لقتل الفلسطينيين.
تم التأكيد على ذلك يوم الأربعاء الماضي عندما أجبر زعيم حزب العمال، النائب كيم جونسون، على الاعتذار بعد أن وصفت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأنها “حكومة إسرائيلية فاشية” أثناء توجيهها سؤالاً إلى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في مجلس العموم حول انتهاكات إسرائيل الموثقة لحقوق الإنسان.
ووصف مكتب ستارمر تصريحات الناب جونسون بأنها “غير مقبولة على الإطلاق” وأصر على سحبها، إلا أنها ذكرت في اعتذارها أن استخدام مصطلح “فاشية لم يكن حساساً بالنظر إلى تاريخ دولة إسرائيل”.
بالنسبة لستارمر، هل إسرائيل هي صاحبة النظام السياسي الوحيد في العالم القادر على منع الفاشيين من الوصول إلى السلطة؟
كما اعتذرت جونسون مرة أخرى عن استخدامها لعبارة “غير حساس” من خلال الإشارة إلى أن منظمة العفو الدولية وغيرها من جماعات حقوق الإنسان الرئيسية قد وصفت إسرائيل بأنها دولة فصل عنصري – ومن المفارقات أن منظمة العفو الدولية أصدرت في نفس اليوم بيانًا جديدًا أكدت فيه أن الفصل العنصري الإسرائيلي كان “نظام سيطرة قاسِ وجريمة ضد الإنسانية “.
لذلك، يبدو أنه لا يهم سوى “الحساسيات” الإسرائيلية، أما تلك الخاصة بالفلسطينيين -الذين يواجهون أكثر الحكومات قومية وعنصرية وتحريضًا في تاريخ إسرائيل – فيبدو أنها “حساسيات” لا تهم حزب العمال الذي ينتمي إليه ستارمر.
لكن الأسوأ من ذلك، أنه تبين أن نظرة ستارمر الكاملة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هي نظرة مسمومة. فهل يقترح ستارمر، في صفعه لجونسون، أن إسرائيل تمثل النظام السياسي الوحيد في العالم القادر على منع وصول الفاشيين للسلطة؟
فمن الممكن اعتبار قادة السويد فاشيين، وقادة ايطاليا أيضا، لكن السياسيين الإسرائيليين هم فقط من يستثنون من مثل هكذا إدانة، حتى وهم يمررون قوانين عنصرية ويضطهدون ويقتلون شعبًا آخر بطرق لا يجرؤ أي سياسي في السويد أو إيطاليا على فعلها.
والاقتراح بأن إسرائيل لديها بطاقة خروج مجانية من تهمة الفاشية بسبب ارتكاب ألمانيا للإبادة الجماعية ضد اليهود – وليس ضد إسرائيل – يخلط بين إسرائيل كدولة واليهود كأشخاص في جميع أنحاء العالم.
إن الاعتقاد بأن اليهود هم المسؤولون عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل أو الظن بأن أي انتقاد لإسرائيل يسيء بالضرورة لليهود أيضًا يُعد من معاداة السامية، والمسألتان منفصلتان، كما تشهد على ذلك حقيقة أن العديد من اليهود يطلقون على إسرائيل دولة الفصل العنصري وأن حكومتها الجديدة فاشية.
“الفاشية هي نحن”
في الواقع، يمنع ستارمر نوابه من التحدث عن الحكومة الإسرائيلية الجديدة باستخدام العبارات المتداولة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث شملت العناوين الرئيسية الأخيرة: “لماذا شوارع إسرائيل هادئة جدًا في مواجهة استيلاء الفاشية على السلطة؟” “أصبح الأمر رسميا الآن: الفاشية هي نحن”، “القتال ضد الفاشية لا ينتهي عند الخط الأخضر”، و “نعم، يمكن لليهود أن يدعموا الفاشيين أيضا “.
والأكثر من ذلك، منع ستارمر نواب حزب العمال من وصف وزراء الحكومة الإسرائيلية بنفس اللغة التي يستخدمها هؤلاء الوزراء عن أنفسهم، ففي الشهر الماضي، تم تسجيل مقطع صوتي لوزير المالية الإسرائيلي الجديد، “بتسلئيل سموتريتش”، وهو يصف نفسه، بعيداً عن الأنظار، بأنه “فاشستي رهاب المثلية”.
وأعربت جماعات حقوق الإنسان عن قلقها البالغ إزاء التصعيد السريع من قبل الحكومة الإسرائيلية الجديدة في الاعتداءات الجسدية والإدارية والتشريعية على المجتمعات الفلسطينية، والتي لا تشمل تصاعد العنف فحسب، بل “إضفاء الشرعية” على المستوطنات، وموجة من هدم المنازل، واعتقالات جماعية، وخطط لإلغاء “إقامة” الفلسطينيين، وقمع الاحتجاجات.
في الحقيقة، لا يجب أن يكون تعليق جونسون مثيرًا للجدل، فرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود باراك – من حزب العمل الإسرائيلي، الذي ينتمي إليه حزب ستارمر رسمياً – حذر قبل سبع سنوات من أن إسرائيل كانت تنزلق بسرعة نحو الفاشية، لقد فعل ذلك قبل وقت طويل من دعوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للكتلة الصهيونية الدينية المناهضة للعرب، بشكل علني وشديد، للانضمام إلى ائتلافه.
من الواضح أن باراك رأى إلى أين تتجه إسرائيل قبل فترة طويلة من وصول برلمانيي الصهيونية الدينية إلى الكنيسيت باعتبارها ثالث أكبر فصيل.
وبالنظر إلى ميل إسرائيل المتواصل نحو اليمين على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، كافح الخبراء الإسرائيليون لإيجاد طرق جديدة لوصف التفوق اليهودي الأكبر في تاريخ الحكومة الإسرائيلية، إلا أنهم لم يجدوا سوى كلمات مثل “متطرفة” و”متطرفة جدا” بدلا من “قومية” و “يمينية” كألقاب تتداول لوصف الحكومة الجديدة، وذلك قبل أن تصبح الكلمة الوحيدة المتبقية هي “فاشية”.
حتى أن مسؤول كبير سابق في (AIPAC)، مجموعة اللوبي الإسرائيلية والرئيسية في واشنطن، أعلن أن ساسة الصهيونية الدينية هم “قوات فاشية” – وقد فعل ذلك في صحيفة جيروزاليم بوست الصديقة لنتنياهو.
التحريض على العنصرية
يقود إيتامار بن غفير، زعيم المستوطنين واللاعب الرئيسي في تحالف الصهيونية الدينية، الحزب الأكثر تطرفاً، القوة اليهودية، الذي حظر البرلمان الإسرائيلي منبعه الأيديولوجي، كاخ، في أواخر الثمانينيات.
أسس معلم بن غفير، الحاخام مئير كهانا، كاخ على منصة تدعو إلى ضم الأراضي المحتلة، والطرد الجماعي للفلسطينيين؛ وحظر الزواج – وجميع أشكال الاتصال الجنسي – بين اليهود وغير اليهود، مع أحكام بالسجن تصل إلى 50 عامًا، وكان ملتزمًا باستخدام العنف اليهودي على وجه التحديد لإحداث مثل هذه التغييرات.
و كانت وجهات نظر كاهانا متطرفة لدرجة أن الولايات المتحدة صنفت كاخ كمنظمة إرهابية في عام 1997، ولم يتم رفع هذا التصنيف إلا العام الماضي، لأنه كان يُنظر إلى كاخ على أنه “غير نشط” على ما يبدو.
ولكن إذا كان كاخ غير نشط فذلك فقط لأن أتباعه قد غيروا علامتهم التجارية، وكما قال أحد العلماء الأمريكيين، ويليام لافي يومانز، لقناة الجزيرة: ” لقد كان على وزارة الخارجية تحديث التصنيف وتوسيعه بدلاً من إزالته”.
وفي عام 2007، أدين بن غفير نفسه بتهمة دعم منظمة إرهابية والتحريض على العنصرية.
و بالنظر إلى الصعود السريع للكاهانيين في السياسة الإسرائيلية، تحت مسمى مختلف، يجب على الأقل أن يكون هناك شك في أن تحرك السلطات الأمريكية جاء بهدف تجنب مواجهة محرجة مع الحكومة الإسرائيلية ذاتها التي لدينا الآن.
يعمل بن غفير الآن وزيرا للشرطة، ولديه صلاحيات غير مسبوقة على الجناح شبه العسكري للشرطة العاملة داخل كل من إسرائيل والأراضي المحتلة.
عائدات الجريمة
إن ما قام به ستارمر كرد فعل على تصريحات جونسون هو جزء من نمط سلوكي لا يزال يمارسه منذ انتخابه كزعيم لحزب العمل الذي يُحيّد أي انتقاد لإسرائيل ويُخمد أي تضامن مع الفلسطينيين.
ففي عام 2020، وبخ ستارمر نائبه ستيفن كينوك، الذي كان يتنحى في ذلك الوقت عن رئاسة المجموعة البرلمانية عن فلسطين، لانتقاده إسرائيل بسبب المستوطنات غير القانونية، وبسبب دعوته إلى فرض حظر على سلع المستوطنات، لافتا إلى أن “التربح من هذه المنتجات هو بمثابة التربح من عائدات الجريمة”.
لكن النائب كان يعبر عن وجهة نظر تتفق تمامًا مع القانون الدولي ويفترض أنها كانت إجماعًا بين المجتمع الدولي منذ عقود.
لقد أصبح تقبل التطرف الإسرائيلي الذي زاد عن أي وقت مضى ممكنًا لأنه ببساطة لا يواجه معارضة في الغرب
تعد المستوطنات اليهودية بمثابة جريمة حرب لأنها تتطلب النقل القسري لسكان دولة الاحتلال إلى الأراضي الفلسطينية، ولدعم هذه المستوطنات، يتعين على إسرائيل سرقة الأراضي والموارد الفلسطينية، وإقامة نظام الفصل العنصري بين شعبين، واستخدام العنف لسحق المقاومة، فيما يتم الحفاظ على انتاج المستوطنات للسلع من عائدات تلك الجرائم.
كان كينوك محقًا تمامًا في الإدلاء بتعليقه، حتى أن الاتحاد الأوروبي المفكك والموالي لإسرائيل – المدعوم من محكمة العدل الأوروبية – وافق على وجوب وضع علامات على منتجات المستوطنات حتى يتمكن المتسوقون من تجنبها.
بعد عام، أعلن ستارمر أن معارضة الصهيونية، وهي الأيديولوجية الإسرائيلية الرسمية، على أنها معاداة للسامية، متبنيا موقفًا سياسيًا غير معقول – وهو موقف يطبق هذا الوصف بشكل فعال على مجموعات حقوق الإنسان الغربية الرئيسية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وكذلك مجموعات حقوقية إسرائيلية، مثل بتسيلم، الذين صنفوا إسرائيل على أنها دولة فصل عنصري، وهو موقف يؤيده كل فلسطيني مناهض للصهيونية ومن يتضامن مع كفاحه من أجل إقامة الدولة والحق في العيش بكرامة.
غض الطرف
أضافت النائب عن حزب العمال السيدة مارجريت هودج، وهي من أقوى أصدقاء حزب العمل في إسرائيل، صوتها إلى الخلاف هذا الأسبوع، ووصفت تصريحات جونسون بأنها “إهانة” لإرث السيدة لويز إيلمان، التي كانت سلفا لجونسون في منصب النائب عن ليفربول ريفرسايد، والتي تنحت في عام 2019، بسبب تعامل الحزب مع مزاعم معاداة السامية في عهد سلف ستارمر، جيريمي كوربين.
لكن، لا ينبغي لإشارة نائب عن حزب العمال إلى حقيقة بسيطة مفادها أن حزبًا فاشيًا أصبح في قلب الحكومة الإسرائيلية الجديدة، أن تشكل “إهانة” لهودج أو إلمان أو غيرهما من أصدقاء حزب العمل في إسرائيل، بل يجب أن يغضبوا من أن الفاشيين أصبحوا في السلطة، إن كانوا يهتمون كثيرًا بإسرائيل، كما يجب أن يكونوا في طليعة أولئك الذين يتصدرون الحديث عن معارضة انحدار إسرائيل إلى الفاشية.
ولكن هنا نصل إلى المشكلة، لقد أصبح تقبل التطرف الإسرائيلي الذي زاد عن أي وقت مضى ممكنًا لأنه ببساطة لا يواجه معارضة في الغرب، فالمدافعون عن إسرائيل يسيطرون على اليسار واليمين في العواصم الغربية.
ويغض “أصدقاء” حزب العمال الطرف باستمرار عن اضطهاد الفلسطينيين، وبصرف النظر عن مدى تفاقم الوضع، فإنهم يلتزمون الصمت – ويفرضون هذا الصمت على الآخرين من خلال اتهامهم بأنهم معادون للسامية أو “غير حساسين” إذا تجرأوا، مثل جونسون، على التحدث علانية.
لقد فهم كوربين، سلف ستارمر، هذا الخطر جيدًا، حيث إن إسرائيل التي لا يمكن انتقادها هي نفسها تلك التي من شأنها أن تزيد من معاناة الفلسطينيين دون عقاب، وهي ذاتها التي يمكن أن تسلحها بريطانيا بقليل من التدقيق.
ومهدت الحملة الدؤوبة لتشويه سمعة كوربين باعتباره معادًا للسامية والإطاحة به كقائد الطريق لاستهداف ستارمر لأعضاء الحزب، بمن فيهم اليهود، الذين يخشون مما تتجه إليه إسرائيل.
لن تبتعد إسرائيل عن الفصل العنصري أو الفاشية عندما لا يكون هناك ثمن سياسي أو دبلوماسي أو مالي تدفعه ثمنا لقمع الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيًا. بل ستندفع ببساطة نحو هذا الطريق بشكل أسرع.