مع استمرار الإبادة الجماعية… فنانون فلسطينيون يروون تفاصيل عام من الحزن في غزة

بقلم فيكتوريا بريتين

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

مع استمرار الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة، يواصل الشعراء والكتاب المسرحيون والروائيون وصناع الأفلام في الأراضي الفلسطينية خلق الجمال في ظل أكثر الظروف تعقيداً.

فخلال الشهر الماضي، قدم أحد أرقى مواقع الفنون في لندن، وهو الباربيكان، عرضاً فريداً من نوعه بعنوان “أصوات الصمود” والذي استعرض بعض هذه المواهب عبر مقتطفات من مذكرات العديد من الكتاب المقيمين في غزة، إلى جانب الموسيقى وخلفية سينمائية مؤثرة.

افتتحت الأمسية بقصيدة للشاعرة هبة أبو ندى، وهي كاتبة تبلغ من العمر 32 عاماً استشهدت في غارة جوية للاحتلال في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وقامت الكاتبة الفلسطينية هند شوفاني، المعروفة بمشاركتها في كتابة الفيلم القصير الحائز على جائزة عام 2020 “الحاضر” بقراءة قصيدة أبو ندى بصوت مرتفع.

وفي مذكراتها، قبل يوم واحد من قصف الاحتلال لمنزلها، كتبت أبو ندى: “قائمة أصدقائي تتقلص، وتتحول إلى توابيت صغيرة متناثرة هنا وهناك، أنا لا أستطيع اللحاق بأصدقائي بعد الصواريخ، وهي تطير بعيداً، لا أستطيع إعادتهم مرة أخرى ولا يمكنني تقديم التعازي ولا يمكنني البكاء، لا أعرف ماذا أفعل، كل يوم تتقلص القائمة أكثر، هذه ليست مجرد أسماء، هؤلاء نحن فقط بوجوه مختلفة وأسماء مختلفة”.

“كان من المفترض أن يكون اليوم جيداً”

يعود فيلم “أصوات الصمود” بالجمهور إلى 7 أكتوبر 2023، حيث يسبح المؤلف عاطف أبو سيف، الذي يجسد دوره نبيل الوهابي، في البحر، فيما تشارك الكاتبة سندس صبرا، التي تلعب دورها يسرى ورساما، في قطف الزيتون مع عائلتها في أرض جدها.

تبدأ مذكرات صبرا بنص يقول: “إنها تمطر، أنا أحب الصباح الممطر”، هكذا قالت صبرا وهي تغادر مع عائلتها في رحلتها إلى موسم الزيتون الخريفي التقليدي، محملة بالسلالم والحصائر وأواني الطبخ.

وفي وقت لاحق، عندما سمع أفراد الأسرة الانفجارات، أثار صراخ أختها الصغيرة المرعب ذكريات طفولتها عن عدوان الاحتلال على غزة في عامي 2008 و2009، والتي قتلت حوالي 1400 فلسطيني، في اليوم الأول من تلك الحرب، حيث كانت صبرا في المدرسة لتقديم امتحان.

تقول الرواية: “أردت عناقاً من أمي، أتذكر أنني كنت في احتياج شديد إليه، لذا اليوم لن أترك فاطمة ولو للحظة”.

وقد ورد في مطلع مذكرات أبو سيف: “لم أكن أتصور أن هذا سيحدث، كنت في ذلك الوقت أسبح في البحر فقلت لنفسي أن هذا اليوم سيكون يوماً طيباً، ثم دوى صوت الانفجارات في كل الاتجاهات، ورسمت الصواريخ خطوطاً عبر السماء”.

وعلى الشاطئ الفارغ، ركض أبو سيف وعائلته حفاة الأقدام إلى سيارتهم، وزاد من سرعته قبل أن تُغلق الأبواب، وتكدس خمسة ركاب إضافيين في الخلف، بينما قفز الناس من الطريق أمام السيارة، على أمل أن يستقلوها.

“فتحت عيني وشعرت بالألم يمزقني، لقد انهمرت الدموع من عيني وكنت على وشك ولادة طفلي كلاجئة بعيداً عن المنزل، بعيدًا عن زوجي، بعيدًا عن كل التفاصيل الصغيرة التي يجب أن تكون معي في يوم كهذا” – مذكرات الكاتبة آلاء عبيد

ويضيف أبو سيف: “لساعات لم يعرف أحد ماذا يحدث، ثم أخذت الأخبار تتوالى، كان أحد أصدقائي وهو الشاعر والموسيقي الشاب عمر أبو شاويش، يسبح في البحر، مثلنا تماماً، عندما أصابته قذيفة من سفينة حربية، ويقال إنهما كانا أول ضحيتين من غزة”.

بعد أحد عشر يوماً، وصف أبو سيف وجوده في المستشفى بعد يوم قضاه في الصراخ وسط أنقاض المبنى الذي كان يعيش فيه ابن عمه وشقيقة زوجته الوحيدة.

لم ينجُ من الهجوم سوى ابنة أخيه البالغة من العمر 23 عاماً وشقيقتها: “كان حفل تخرجها من كلية الفنون قد أقيم قبل يوم واحد فقط، والآن عليها أن تقضي بقية حياتها بدون ساقين، وبيد واحدة”.

وفي شمال غزة، التي تحولت إلى “مدينة أشباح” بعد النزوح الجماعي إلى الجنوب تحت ضغط جيش الاحتلال، كانت تقيم الكاتبة نهيل مهنا (التي لعبت دورها ماكسين بيك) مع عائلتها حيث تتذكر نهيل “مشاهد الجثث ملقاة في الشارع” بينما كانت القطط والكلاب “تسمن على تناول لحومها”.

وفي لحظة فكاهية، تذكرت كيف انزعج عمها من اتهامات الأسرة له بأن شخيره كان الأعلى صوتاً في منزلهم، مما دفعه إلى المغادرة والنوم في مبنى آخر، وفي الليلة التالية، أصيب جدار الغرفة التي كان ينام فيها بنيران المدفعية، و”عندما جاء إلينا في اليوم التالي، كان شاحب الوجه وقال مازحاً: الشخير له فوائد صحية”.

“لقد نجا لقد نجوت”

تركزت القراءة العاطفية لمعرض أصوات الصمود في قراءة شوفاني لمذكرات الكاتبة آلاء عبيد عن يوم 14 شباط/فبراير.

وبينما كانت منهكة وخائفة، أعربت عبيد عن خوفها بشأن قدرتها على الحفاظ على سلامة طفلها الوليد فكتبت تقول: “رحمي أكثر أماناً عليه من هذه الوحشية”.

وفي المستشفى، حيث وضعت طفلها تذكرت أنها رأت عشرات النساء يقفن في طوابير انتظاراً للفحوصات، كانت في حالة مخاض، لكن لم تكن هناك أسرّة متاحة، لذلك طُلب منها المغادرة والعودة بعد بضع ساعات.

وكتبت عبيد: “كان الألم يزداد كل دقيقة وكان أسرع مما أستطيع تحمله، بكيت بشدة، فقد كان الألم شديداً للغاية”.

في نهاية المطاف، تم وضع آلاء في غرفة مع أربع مريضات أخريات ولم تكن هناك ملاءات على سريرها، وبعد أن نهضت لاستخدام دورة المياه، أصبح الألم مبرحاً.

وقد كتبت عبيد: “بمجرد دخول الطبيبة، أخبرتها أني لا أستطيع التحرك، ثم رأينا طفلي الصغير يسقط على الأرض ويصرخ، وكانت الصرخة الأولى مذهلة للجميع”.

وأضافت: “رأيت الخوف والذعر على وجه الطبيبة، وطلبت مني الاستلقاء على الأرض على الفور فصرخت طالبة بعض الأغراض، لكنهم وضعوا الطفل على صدري، ولا أعرف لماذا لم أنظر إليه، أعتقد أنني كنت خائفة من أن ينكسر قلبي أكثر عندما أراه”.

وتابعت: “لقد نجا، لقد نجوت، كم من النساء في بلدنا ينجبن أطفالاً من رجال ماتوا في هذه الحرب؟ كم من النساء الحوامل لن ينجون؟”

كانت أصوات الصمود تجربة ثقافية فلسطينية غنية، أظهرت لنا روح غزة قبل وبعد السابع من أكتوبر، وقد قالت شوفاني لميدل إيست آي أن قراءة كلمات الفلسطينيين الذين عانوا من “أسوأ الفظائع التي شهدناها على الإطلاق” أثرت عليها بشدة.

وأضافت: “كانت النصوص مروعة وكوميدية ومتحدية ويائسة ومؤلمة ومصممة، لقد أضفى سماعها في أصوات وطاقات فريق التمثيل الرائع الكثير من القوة والشفقة والعفوية على السطور، وكان من المستحيل ألا أبكي عندما وقف الجمهور ليصفق في تحية طويلة”.

وأضافت شوفاني: “سيطرت على دموعي طوال المساء، حتى أسدل الستار، أنا ممتنة لكوني جزءًا من هذا الفريق بأكمله، مع كرمهم وتفانيهم، وهي الطريقة الحقيقية الوحيدة التي يمكن لأي شخص من خلالها النجاة من هذا الحزن”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة