مع اغتيال اسماعيل هنية… يبدو أن هدف نتنياهو الوحيد هو إشعال المنطقة!

مع اغتيال اسماعيل هنية… يبدو أن هدف نتنياهو الوحيد هو إشعال المنطقة!

بقلم ديفيد هيرست

ترجمة وتحرير مريم الحمد

يعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران، إسماعيل هنية، بمثابة رسالة واضحة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إيران وحركات المقاومة بأنه يريد حرباً إقليمية.

ومن ناحية أخرى، فقد أضر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بمصداقية واشنطن المتضررة أصلاً من خلال إنكاره لأي تورط أو معرفة مسبقة بعملية اغتيال هنية!

في غضون ساعة من وقوع الاغتيال، كان مسؤولو الأمن الأمريكيون قد بدأوا باطلاع الصحفيين على مقتل عضو كبير في محور المقاومة، دون تحديد أين أو من، فقد كان يُعتقد في البداية أنها ضربة ثانية في لبنان بعد استهداف القائد العسكري الأعلى في حزب الله واليد اليمنى للزعيم حسن نصر الله فؤاد شكر.

من وجهة نظر استراتيجية، يعتبر هذا الاغتيال الإسرائيلي عملاً مجنوناً، وهذا ليس تعبيري بل هو التعبير الذي استخدمه الجنرال الإسرائيلي السابق، عميرام ليفين، الذي أضاف: “كان ينبغي لقوات الأمن أن تعارض بشدة هذه الخطوة”

من المؤكد أن المسؤولين الأمنيين الأمريكيين كانوا على علم بعملية الاغتيال خلال دقائق من وقوعها، فتصوير نتنياهو وكأنه زعيم يتحكم به الفاشيون اليهود وأنهم من أمروه بهذه الضربة ليس سوى نصف القصة. 

قبل عقدين من الزمن، كان نتنياهو منبوذاً سياسياً كان يصفه الليبراليون الصهاينة بأنه متطرف، فلم يكن لديه سوى فكرة واحدة ليقولها وهي أن “إيران هي السفينة الأم، وحماس وحزب الله ليسا سوى حاملات طائرات تابعين لها”. 

إن إيمان نتنياهو طوال حياته بأنه هو من سيقود أمته إلى النصر من خلال سحق القضية الفلسطينية ومنع إقامة الدولة أمر لا يمكن تجاهله أبداً، فاليوم، ربما يعتقد هو أنه بات على أعتاب تتويج إنجازه السياسي باعتباره رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة، من خلال جر الولايات المتحدة وبريطانيا إلى الحرب مع إيران!

تمزيق ورقة المفاوضات

باغتياله هنية، فقد أرسل نتنياهو رسائل أخرى أيضاً، حيث قام بفعلته بتمزيق ورقة المفاوضات ومعها أي فكرة لإعادة الرهائن أحياء، فقد كان ينبغي أن يكون هذا واضحاً بالفعل من الجولة الأخيرة من المحادثات التي كانت في روما، حين ضاعف الجانب الإسرائيلي من شروطه المتعلقة بالمرحلة الأولى من الصفقة. 

لقد كان ذلك واضحاً أيضاً من زيارة نتنياهو الأخيرة إلى رفح، حيث تعهد بأن إسرائيل سوف تحتفظ بالسيطرة إلى أجل غير مسمى على ممر فيلادلفيا.

وهنا أنقل تساؤل رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، عن كيفية المضي قدماً في المفاوضات عندما تقتل إسرائيل نظيرها المفاوض؟! فقد كان هنية في الحقيقة أحد أعضاء لجنة التفاوض!

لقد كان رد فعل آل ثاني موجهاً إلى نتنياهو، الحريص على تصعيد التوترات الإقليمية وتقويض موقف الإدارة الأمريكية حول التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار ومعارضتها المستمرة لفتح جبهة ثانية في لبنان. 

لقد قتل نتنياهو رجلاً معتدلاً مثل هنية، فهو لم يكن في الأنفاق بل كرس حياته المهنية للمفاوضات والتواصل مع العالم الإسلامي في قطر وتركيا وإيران، ولذلك فإن إسرائيل باغتياله قد قتلت زعيماً كان من الممكن أن تكون بحاجته في يوم من الأيام، من أجل التفاوض على هدنة أو وقف إطلاق نار طويل الأمد!

خارج المعادلة

على الصعيد الشخصي، كان هنية ودوداً معتدل الأخلاق مستمعاً منتبهاً متواضعاً ودبلوماسياً، ولم يكن أبداً من الأشخاص الذين يتحدثون بالسوء عن فتح أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس. 

لا شك أن إسرائيل سوف تحتاج إلى أشخاص في حماس للتفاوض معهم، خاصة مع وضوح عدم تمكنها من القضاء على الحركة عسكرياً،  ولكنها قتلت للتو واحداً ممن كان يمكنها الاستمرار في التفاوض معه!

من وجهة نظر استراتيجية، يعتبر هذا الاغتيال الإسرائيلي عملاً مجنوناً، وهذا ليس تعبيري بل هو التعبير الذي استخدمه الجنرال الإسرائيلي السابق، عميرام ليفين، الذي أضاف: “كان ينبغي لقوات الأمن أن تعارض بشدة هذه الخطوة”.

بالنسبة لإسرائيل، كانت قيمة هنية حياً أهم منها ميتاً، فمن جانب، كان بإمكان إسرائيل استخدام حياته للجدال أمام الجمهور الغربي بأن هنية أيضاً كان على قائمة من وردت أسماؤهم في طلب المحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر الاعتقال، ولكنه كان حراً في قطر بل ويتجول في جميع أنحاء المنطقة.

لقد كان من المحتم أيضاً أن يتم الضغط على قطر لتسليمه وطرد المكتب السياسي لحماس، لكن الآن وبعد أن خرج من المعادلة، فقدت إسرائيل هذه الورقة أو بمعنى أصح،كا ما كان يمكن أن تحققه لم لم تقم باغتياله.

حماس تزداد قوة

الأمر الأهم الذي لا يستطيع نتنياهو التمكن منه بهذا الاغتيال هو إضعاف حماس، فعلى العكس تماماً، سوف يتم إدراج هنية، الرجل المتواضع الذي فقد 60 من أفراد عائلته بمن فيهم الأبناء والأحفاد، كواحد من أعظم شهداء حماس. 

إن إشعال النار في المنطقة هو رد نتنياهو الوحيد على الحرائق التي تندلع في منزله وعلى عتبة بابه

لقد نقلت وسائل التواصل الاجتماعي لحظة تلقيه خبر اغتيال أبنائه وأحفاده في سيارات قصفتها القوات الإسرائيلية خلال العيد الماضي، حين كان يزور مستشفى في الدوحة يعالج فيه الفلسطينيون المصابون من غزة، فاكتفى بالقول: “رحمهم الله” دون أن يقطع زيارته، في موقف أكد على وضعه للقضية الفلسطينية فوق حزنه الشخصي كأب.

على مر سنوات، قتلت إسرائيل عدداً لا يحصى من زعماء حماس وقادتها، فلم يزد ذلك الحركة إلا بالمزيد من المجندين والأسلحة والنفوذ السياسي، واليوم تظهر استطلاعات الرأي أن حماس سوف تفوز في الضفة الغربية إذا سمح بإجراء انتخابات حرة هناك.

إن حركة حماس التي قاومت العدوان الإسرائيلي على غزة لمدة 10 أشهر أقوى بكثير من حجم وقدرات حماس أيام الشيخ أحمد ياسين، حين قُتل مؤسس حركة حماس المصاب بالشلل الرباعي عندما أطلقت مروحية إسرائيلية صاروخاً عليه أثناء نقله من صلاة الفجر في غزة!

لقد ارتفع سهم حماس ورصيدها في فلسطين والعالم العربي والإسلامي منذ هجوم 7 أكتوبر، ولم يتراجع، وهذا هو السبب الوحيد الذي دفع عباس البالغ من العمر 88 عاماً، إلى نعي منافسه هنية، حيث أدان عباس جريمة القتل ووصفها بأنها “عمل جبان وتطور خطير” ودعا الفلسطينيين إلى الوحدة، وقد كان حديثه من منطلق الخوف والضرورة السياسية وليس من منطلق الحب لحماس. 

من جانب آخر، فقد حاولت قوات الأمن التابعة لعباس اعتقال قائد جريح من كتيبة طولكرم من مستشفى في الضفة الغربية المحتلة، وذلك في غضون أيام فقط من اتفاق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية الذي تم التفاوض عليه في بكين، لكنها فشلت. 

أنا على يقين تام من أن عباس ليس لديه أي نية لتوحيد فتح مع الفصائل الفلسطينية الأخرى، فقد كانت بكين بالنسبة له للاستعراض فقط، فلم يحدث أي فرق على أرض الواقع في الضفة الغربية المحتلة.

إشعال النار في المنطقة نتيجة إشعالها في المنزل!

ليس من قبيل المصادفة أن الأمر باغتيال هنية كان قد صدر بعد يوم واحد من اقتحام الفاشيين الإسرائيليين وأعضاء كنيست من اليمين المتطرف أحد معسكرات الاحتجاز، في محاولة لمنع اعتقال جنود بتهمة اغتصاب سجين فلسطيني.

إن إشعال النار في المنطقة هو رد نتنياهو الوحيد على الحرائق التي تندلع في منزله وعلى عتبة بابه، بعد أن كشف مئات من الأسرى بروايات مروعة ما يحصل داخل مركز الاحتجاز سيئ السمعة سدي تيمان.

لقد كان موقع ميدل إيست آي أول من نشر تقريراً عن كيفية استخدام القضبان الحديدية والصدمات الكهربائية والكلاب والحرق بالسجائر في تعذيب الأسرى الفلسطينيين في مراكز الاعتقال الإسرائيلية،  حيث تحدث عمر محمود عبد القادر صمود، الذي احتُجز لأكثر من 42 يوماً، عن غرفة “الديسكو” في المعسكر.

الهدف واحد وهو حل الدولة الواحدة الذي تهيمن فيه دولة إسرائيل أرض إسرائيل التوراتية، من النهر إلى البحر

قال عمر: “جرني جندي على الأرض عارياً ومقيد اليدين ووضعني على قطعة من السجاد، ثم قام الجنود برش الماء البارد عليّ ووضعوا مروحة أمامي، وكانوا يتركونني لبضعة أيام دون طعام أو ماء أو ذهاب إلى الحمام حتى تبولت على نفسي وطلبت الرحمة لكنهم لم يهتموا.

وأضاف: “كان الجنود يركلونني على جميع أنحاء جسدي، تخيل نفسك عارياً مكبل اليدين على الأرض مع 5 أو 6 جنود يركلونك بأحذيتهم، ويضربونك بالأسلحة والهراوات، ثم طلبوا مني الجلوس، وكيف يمكن أن أجلس؟ وعندما لم أتمكن من اتباع أوامرهم، ضربونني بقوة أكبر، لقد اعتقدت أن هذا الكابوس لن ينتهي أبداً”.

لقد كشفت معلومات عن بتر أطراف نتيجة الأصفاد داخل المعسكر ومع ذلك لم يتم اعتقال أحد من الجنود ولم يتم التحقيق في أي شيء، ولكن مع تصاعد ضغوط المحكمة الجنائية الدولية وقضية الإبادة الجماعية الجارية في محكمة العدل الدولية في لاهاي، شعر المدعون العسكريون الإسرائيليون بأنهم ملزمون بالتحرك، ولذلك تم اعتقال 9 جنود متهمين بالاعتداء الجنسي على أحد الأسرى، مما أدى إلى نقله إلى المستشفى مصاباً بجروح خطيرة في المستقيم!

انهيار داخل الدولة

ما حدث بعد ذلك كان انهياراً حقيقياً داخل الدولة، على غرار هجوم أنصار ترامب على الكونغرس عام 2021، حيث قوبلت اعتقالات الجنود بمظاهرات غاضبة على أبواب سدي تيمان وكان من بين المتظاهرين جنود احتياط بالإضافة إلى نائبين من اليمين المتطرف: تسفي سوكوت، عضو الحركة الصهيونية الدينية، ووزير التراث عميحاي إلياهو من حزب القوة اليهودية.

وصلت الشرطة بعد مضي 3 ساعات، كما اضطر رئيس الأركان العامة للجيش، هرتسي هاليفي، إلى قطع اجتماع عسكري حول رد إسرائيل على الهجوم الأخير على مرتفعات الجولان، وقام كل من الجيش والشرطة بإلقاء اللوم على الآخر في انهيار القانون والنظام.

في البدايات، تحصن الجنود المتهمون في سدي تيمان واستخدموا رذاذ الفلفل للدفاع عن أنفسهم ضد الاعتقال قبل أن يتم احتجازهم في النهاية.

من أهم الاخطاء التي يرتكبها أولئك الذين يصفون أنفسهم بأنهم أصدقاء لإسرائيل أن يصوروا مثل هذه المشاهد وكأنها معركة بين المعتدلين واليمين المتطرف، وهذا أمر وهمي تماماً، لأن “المعتدلين” يؤيدون الحرب على غزة، وبذلك فالإسرائيليون هنا يختلفون في الوسائل وليس الغايات.

إن كان الإسرائيليون يريدون الحفاظ على وجودهم، فيجب على أولئك الذين يفهمون ذلك أن يتحركوا قبل أن يورطهم نتنياهو في حرب لا يمكنهم إيقافها ناهيك عن الفوز بها!

يرى الإسرائيليون الذين يتشبثون بهويتهم الغربية أنهم أسياد الماضي في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتقسيمها بمهارة وهدوء ومن دون ضجة كبيرة ولكن بصبر، فهم يهتمون بصورتهم ولا يريدون أن يكونوا منبوذين عالمياً، أو بأن يُلصق بهم وصف الفصل العنصري أو جرائم الحرب. 

على الجهة المقابلة، فاليمين الديني الصهيوني لا يبالي بالرأي العالمي أو المحاكم الدولية، فهم يريدون ضم الضفة الغربية الآن، فبالنسبة لهم، كلما حدث ذلك مبكراً كلما كان ذلك أفضل. 

يمكن تسميتها “الصهيونية ذات السرعتين” لكن الهدف واحد وهو حل الدولة الواحدة الذي تهيمن فيه دولة إسرائيل أرض إسرائيل التوراتية، من النهر إلى البحر.

تعميق الشروخ والخلافات

من الخطأ أيضاً الاستخفاف بالشروخ التي تزداد تعمقاً داخل إسرائيل، خاصة وأنها تتفاقم مع وجود حرب كبرى.

طالما عملت إسرائيل على تصوير نفسها للعالم الخارجي على أنها الدولة الوحيدة المتقدمة في منطقة من الدول الفاشلة المحيطة، فقد تفاخر نتنياهو ذات يوم أمام الساسة الأمريكيين في إحدى مشاركاته العديدة أمام الكونغرس بالقول: “لقد بنينا بالفعل”.

ألا يرى نتنياهو أن تلك الدولة تظهر علامات واضحة على الفشل أيضاً؟! فنابليون وهتلر كانا في أوج قوتهما عندما اعتقد كل دكتاتور منهما أن مهاجمة روسيا ستكون فكرة جيدة، وكذلك نتنياهو فهو يعرض كل ما حققته إسرائيل في إنشاء دولة قوية من خلال تهيئة الظروف العلنية لحرب إقليمية. 

إن الجيش الإسرائيلي يعرف الحقيقة، فهو يدرك أن اغتيال هنية كان آخر شيء ينبغي عليهم فعله إذا كانوا يريدون رؤية أي من الرهائن مرة أخرى، وهم  يعرفون أنهم غير مستعدين لمهاجمة جنوب لبنان، لأنه ليس لديهم ما يكفي من الدبابات والذخيرة. 

يعرف الإسرائيليون مدى تسليح حزب الله والحوثيين وجماعات المقاومة الأخرى ومدى فعالية صواريخهم، وهم يعرفون الجغرافيا والمسافات ومدى تعرض سكان إسرائيل واقتصادها للحرب على 5 جبهات في وقت واحد، فعندما يهدد حزب الله بإغلاق مطار بن غوريون أو بضرب شبكة الكهرباء الإسرائيلية، فهذه ليست تهديدات فارغة. 

تدرك المؤسسات الأمنية الإسرائيلية أيضاً أنها معرضة لخطر فقدان القيادة والسيطرة على قواتها، وأنها إذا أعطت الأمر بالانسحاب، فقد لا تطيعها العديد من الوحدات العسكرية.

إسرائيل اليوم، وتحت قيادة نتنياهو، ترتكب الخطأ الكلاسيكي الذي ارتكبته جميع القوى الاستعمارية، من المبالغة الاعتقاد بأن اليهود هم حقًا شعب الله المختار وأن الكتاب المقدس أمر بكل ما يحدث الآن وأن إسرائيل قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في النصر العسكري الكامل. 

في هذه اللحظة يصبح المشروع في أضعف حالاته مهدداً بانهياره، ففي السنوات الأخيرة من نظام الفصل العنصري، ذهب نظام جنوب إفريقيا إلى أقصى حد له حين قرر الإطاحة بحكومة أنجولا وتنصيب نظام عميل في ناميبيا ومهاجمة زيمبابوي وبوتسوانا وزامبيا، وكلها مشاريع عقيمة لم تتمكن من تجنيب النظام من الانهيار، وإسرائيل في عهد نتنياهو سائرة على ما يبدو بنفس المسار!

إن كان الإسرائيليون يريدون الحفاظ على وجودهم، فيجب على أولئك الذين يفهمون ذلك أن يتحركوا قبل أن يورطهم نتنياهو في حرب لا يمكنهم إيقافها ناهيك عن الفوز بها!

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة