بقلم محمد سلامي
لقد استغرق الأمر قرابة 7 سنوات و5 جولات من المفاوضات المستمرة بين الجانبين السعودي والإيراني، حتى تمكنا أخيراً من التوصل إلى اتفاق لإعادة العلاقات الرسمية بينهما، بعد وساطة العراق وسلطنة عُمان، والأهم من ذلك مبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه في 10 مارس 2023، بعد جولة أخيرة من المحادثات استمرت 4 أيام، على إعادة فتح سفارة كل منهما خلال شهرين وإعادة تفعيل اتفاقيات التعاون والأمن اللتان تم توقيعهما في 1998 و2001، ولكن السؤال يبقى حول التوقيت والأسباب الكامنة وراء الاتفاق بالإضافة إلى الآثار المترتبة على البلدين، بعد أن أدت التطورات في الشرق الأوسط وحاجة البلدين للتواصل من النواحي السياسية والاقتصادية إلى الدفع باتجاه تجديد العلاقات رغم القطيعة التي حصلت بين البلدين عام 2016.
لقد اعتبر خطاب محمد بن سلمان ضد الزعيم الإيراني علي خامنئي ضارًا بالعلاقات، خاصة عندما شبهه بالزعيم الألماني النازي هتلر
إيران، من جانبها، أرادت التخلص من عزلتها السياسية غير المسبوقة على إثر قمعها الوحشي للاحتجاجات الشعبية على مدار عام 2022، وإرسالها طائرات مسيرة لصالح روسيا إلى أوكرانيا، بالإضافة إلى اكتشاف 84% من اليورانيوم المخصب في منشآتها النووية، وطردها من لجنة الأمم المتحدة لشؤون المرأة، وفوق ذلك كله تعليق المفاوضات النووية بينها وبين الولايات المتحدة، مما شكل تهديداً خطيراً لشرعيتها الدولية.
أسلحة نووية
لقد جعلت العزلة والإدانة الدولية إيران مصممة على استئناف العلاقات مع السعودية، لأن السعودية تتمتع بنفوذ كبير على الأردن والبحرين والإمارات وحتى مصر باستثناء التوترات الأخيرة، ولأن إيران تريد إنعاش الاقتصاد مع السعودية وغيرها من الدول العربية ضمن استراتيجية “سياسة الجوار”، كما أن إيران تريد أن تتراجع السعودية عن دعم قناة “إيران الدولية” المناهضة، والتي يمولها سعودي مقيم في لندن، ومنظمة مجاهدي خلق التي تعتبرها إيران منظمة إرهابية.
وعلى الجانب الآخر، فقد بدت السعودية محتاجة إلى التفاهم مع إيران أيضاً، حيث يشكل حلفاء إيران في العالم العربي سبباً مهماً في إعاقة الأنشطة الدبلوماسية للرياض في كل من العراق واليمن ولبنان وسوريا، خاصة وأنه في وقت سابق، اُعتبر خطاب محمد بن سلمان ضد الزعيم الإيراني علي خامنئي ضارًا بالعلاقات، خاصة عندما شبهه بالزعيم الألماني النازي هتلر، وأشار إلى أنه إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فلن تتردد الرياض باقتناء واحدة أيضاً، لمواجهة أي تهديد إيراني محتمل!
اليمن والصين
نظراً لما سبق من الأسباب، فقد يؤدي الاتفاق الإيراني السعودي إلى حل الخلافات في بعض دول الشرق الأوسط، مثل الوضع السياسي والاقتصادي المتأزم في لبنان، ومع ذلك، يبقى الموضوع الأهم بين الطرفين هو الوضع في اليمن.
ليس من الواضح حتى الآن، ما هي التنازلات التي من الممكن أن تقدمها إيران للسعودية في اليمن، فعلى الرغم من تأثير إيران على الحوثيين، إلا ان جماعة الحوثي مستقلة عن إيران فيما إن كانت ستأخذ نفس موقفها من التفاوض مع السعودية، وبالنهاية سوف يستنتج الطرفان أن الحوثيين والحكومة في عدن واقعان لا ينفصلان، وأن مسار المستقبل السياسي في اليمن لابد أن يمر عبر كليهما.
لقد تمكنت الصين من الحفاظ على علاقات متوازنة في المنطقة من خلال تبني “سياسة العدو الصفري”
كما أن للسعودية رغبة أخرى من هذا التواصل مع إيران، وهو التوجه نحو سياسة خارجية أكثر استقلالاً عن واشنطن، ذلك أن الولايات المتحدة خلال العقد الأخير بدت أقل اهتماماً في دعم حلفائها في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، لم ترد الولايات المتحدة عسكرياً على الهجمات التي طالت منشآت النفط السعودية عام 2019، كما أن الرياض أغضبت واشنطن عندما قامت بخفض حصتها من النفط في أوبك رغم طلب الرئيس الأمريكي بايدن من السعودية زيادة الإنتاج.
انطلاقاً من ذلك، لا يبدو وجود الصين في قلب هذا الاتفاق مفاجئاً، بل ويدل تواجد الصين في رسم هذه الاتفاقية على تزايد الثقة في دورها الإقليمي وعلامة على اعتقادها بوجود مساحة لتحدي الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، حتى وصفها المقرب من الحكومة السعودية، علي الشهابي، بأنها “الأب الروحي للاتفاقية”.
يمكن القول أن مصدر هذه الثقة بالصين نابع من حيادها في مشاكل المنطقة، وتمكنها من الحفاظ على علاقات متوازنة في المنطقة من خلال تبني “سياسة العدو الصفري”، فهي لا تنوي معاقبة من ينتهك الاتفاقية إن حصل، ذلك أنها سوف تحصل على 18% من نفطها من السعودية، كما أن إيران أبدت استعداداً لتلقي استثمارات بقيمة 400 مليار دولار في بنيتها التحتية ضمن اتفاقية تعاون مدتها 25 عاماً مع الصين.
من منظور إيران
لقد رحبت الحكومة الإيرانية بالاتفاق، واعتبرها البرلمان الإيراني خطوة مهمة لاستقرار المنطقة والخليج الفارسي، خاصة في ظل وساطة صينية يرى محللون إيرانيون أنها مؤشر على تراجع قوة واشنطن في النظام العالمي الجديد، حيث علق الإعلام الإيراني على الاتفاق بالقول ” لقد انفجرت شموع كعكة المصالحة بين طهران والرياض بجوار سور الصين العظيم هذه المرة”، كما أشارت تقارير إلى استياء إسرائيل الكبير من الاتفاق.
أما داخلياً، فقد اختلف الخصوم التقليديون في إيران بين الإصلاحيين والمحافظين، حيث يرى المحافظون أن السعودية “اضطرت إلى تهدئة التوترات مع إيران بسبب وضعها الإقليمي الضعيف”، كما يزعمون أن السياسة النشطة للحكومة المحافظة بقيادة إبراهيم رئيسي، قد جلبت مكاسب دبلوماسية للبلاد، مثل عضوية منظمة شنغهاي للتعاون، الأمر الذي أدى إلى تخفيف التصعيد مع السعودية.
أما الإصلاحيون في إيران، فيرون أن الحكومة الحالية المحافظة تسير على خطى الحكومة الإصلاحية بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي (1997-2005) عندما تبنى سياسة التهدئة في المنطقة، الأمر الذي وصفه السياسي الإصلاحي الإيراني، حميد أبو طالبي، في تغريدة على تويتر بقوله “ما يقرب من عامين من المفاوضات التي قامت بها هذه الحكومة، حقق إنجازاً واحداً فقط وهو التوصل إلى مذكرة تفاهم عمرها 20 عاماً”، في إشارة إلى إعادة تفعيل الاتفاقيات الأمنية بين الجانبين عام 1998 و2001 في عهد خاتمي.
وفي زاوية أخرى، ركز محللون على تأثير هذه الاتفاقية على خفض قيمة العملة الإيرانية كرد فعل على انخفاض أسعار الدولار والذهب، حيث شهدت إيران مؤخراً انخفاضاً في قيمة عملتها مقابل الدولار.
ويظل ترحيب العديد من الدول بالاتفاق الإيراني السعودي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، محفوفاً بالحذر والترقب، بسبب المشاكل الهيكلية المتجذرة في أنحاء المنطقة، وما لنا إلا مراقبة الأيام لنرى إذا ما كان بإمكان الطرفين تحقيق اختراق كبير في بعض القضايا تعقيداً واستمرارية، أم أن الاتفاق سيبقى حبراً على ورق.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)