بقلم ندى عثمان
عند الحديث عن الإرث الفني في تركيا، فنحن نتحدث عن تاريخ بعمر حضارة كاتالهويوك قبل 9 آلاف عام، تلاها إرث البيزنطيين الذين احترفوا فن الرسم على جداريات ولوحات من النحت أو الفسيفساء، ما زالت شاهدة على إبداعهم حتى اليوم في مناطق البلقان والأناضول، بالإضافة إلى تحف معمارية ماثلة إلى اليوم مثل آيا صوفيا في اسطنبول.
أما العثمانيون فقد تركوا وراءهم إرثاً من الهياكل المعمارية التي تزين أفق اسطنبول وتشكل علامة تميزها حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى تعزيز فن الرسم وصناعة المجسمات المصغرة التي جسدت كل شيء من تفاصيل حياة العثمانيين اليومية إلى صور السلاطين وحياتهم، حتى اعتبر الفنان العثماني عثمان حمدي بيه أحد الرواد التشكيليين في عصره.
انطلاقاً من إرثها الغني هذا، تسعى تركيا اليوم إلى تقديم نفسها كعنصر أساسي مؤثر في الفن العالمي المعاصر أيضاً، ففي حديثه لميدل إيست آي، قال مدير وقف الفن المعاصر في اسطنبول، علي غوريلي، أنه يرى أن “اسطنبول والأناضول هي منشأ حضارات العالم” بحسب تعبيره، مشيراً إلى دور الوقف الذي يديره بالتركيز على احتضان الطاقات الشبابية الجديدة من الفنانين وإتاحة الفرصة لهم لعرض أعمالهم، وأكد غوريلي على أن تركيا باتت جاهزة اليوم لوضع نفسها على خارطة الفن المعاصر العالمي من خلال مساعدة الجيل الجديد من الفنانين على الازدهار.
كما أوضح غوريلي أهمية اسطنبول كمدينة في احتضان هذه الحركة الفنية الجديدة، حيث “يأتي إليها فنانون من أنحاء الأناضول، اسطنبول، المدينة التي جمعت بين قارتي أوروبا وآسيا، هي المكان الأنسب لهذا التطور، فهي موطن ازدهار الحضارات والفن في قلب العالم”.
مشهد فني يزدهر
يمكن رؤية ازدهار الفن في تركيا لتحقيق هدفها في أن تصبح اسطنبول بوصلة عالمية للفن المعاصر، من خلال افتتاح العديد من المعارض الفنية لأنواع الرسم والنحت بالإضافة إلى المتاحف في المدينة، وعرض أعمال الفنانين الشباب من الأتراك وغيرهم، من لوحات تقليدية ومنحوتات إلى أنواع فنون الديجيتال ورسومات NFTs.
ويعد معرض “مشور” الفني في تقسيم وسط اسطنبول مثالاً على تطور الفن المعاصر في تركيا، فهو يتضمن 230 قطعة فنية لأكثر من مئة فنان جلهم من النساء، حيث يهدف المعرض إلى تسليط الضوء على مساهمات الفنانات النساء في الإرث الفني، بالإضافة إلى التركيز على اللوحات التي تصور النساء ومساهماتهن في المجتمع.
دعم المواهب
ساهم إقبال الجيل الشاب من الأتراك وغيرهم على الفن المعاصر من خلال إنتاجه أو تذوقه كجمهور، على اهتمام المؤسسات في تركيا بافتتاح المزيد من المعارض واستقطاب المواهب.
فنانة تركية شابة، جنان تولون، عبرت خلال حديثها مع ميدل إيست آي عن سعادتها لعرض أعمالها من خلال وقف اسطنبول للفن المعاصر، ” أنا أستخدم الضوء والمساحة في فن التصميم المعماري، أريد أن يفهم الناس ما أريد قوله من خلال فني”.
تطوير السياحة
إلى جانب عوائدها الثقافية، يسعى المسؤولون الأتراك من خلال تطوير الحركة الفنية في البلاد إلى زيادة إيرادات الدولة عن طريق المعارض والمتاحف التي تجذب السياح والزائرين.
فعلى سبيل المثال، تم افتتاح منطقة “ترسانة” عام 2019، لتساهم في نمو القطاع السياحي في تركيا على أطراف القرن الذهبي في خليج البسفور، منطقة كانت في السابق ميناء لسفن العثمانيين الحربية، واليوم أصبحت مكاناً فيه عدد من المتاحف وتعرض فيه منحوتات ومعارض تشمل أكثر من 600 عمل فني لحوالي 300 فنان شاب من الأتراك وغيرهم.
ويعد مشروع “ميناء غالاتا” على مضيق البسفور، والبالغة قيمته 1.7 مليار دولار ، مثالاً آخر على سعي الأتراك لجذب السياح والفنانين في ذات الوقت، فبالإضافة إلى المقاهي والمحلات والمطاعم على طول الميناء، يأمل الأتراك في أن يصبح المكان أيضاً محطة في التعبير عن الفن التركي المعاصر، تماماً مثلما يأمل علي غوريلي، مدير وقف اسطنبول للفن المعاصر، في أن ينمو تأثير الوقف فيقول متفائلاً “الهدف أن ننتشر في كل مكان في تركيا”.