نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني مقالا للكاتب، آلان غابون، استعرض فيه واقع الإسلاموفوبيا في عصرنا الحالي ودخولها مرحلة جديدة سماها بالإسلاموفوبيا العلمية، التي تتميز بزيادة كبيرة في الأساليب والتقنيات الإبداعية والفعالة في عداء المسلمين.
نحن الآن فيما يمكن أن نطلق عليه عصر الإسلاموفوبيا العلمية، والذي يتميز بزيادة هائلة في أساليب نشر التعصب ضد المسلمين.
بعد تجاوز سياسات التمييز، وصلت بعض البلدان الآن إلى نقطة الاضطهاد الصريح للمسلمين بما في ذلك مواطنيها “الأصليين”، وهذه الطفرة في الإسلاموفوبيا طالت كل بلد غربي، وحتى الدول الأكثر انفتاحًا وتسامحًا وتعددًا للثقافات والديمقراطية والليبرالية لم تسلم منها.
في الآونة الأخيرة، دخلت الإسلاموفوبيا مرحلة جديدة تتميز بعملية ثلاثية: التقارب والتبلور (تتجمع الآن الحكومات والأحزاب والحركات والقوى المختلفة المناهضة للإسلام التي كانت معزولة في الماضي)؛ والتوسع الأفقي/الجغرافي؛ والتكثيف/الاختراق الرأسي، الذي يؤثر على المزيد من مجالات الحياة حتى الأكثر حميمية منها مثل (العائلة، والخيارات التعليمية للوالدين، وحرية المعتقد والوعي، وما إلى ذلك).
نشهد الآن ما يمكن أن يُسمّى عصر الإسلاموفوبيا العلمية، التي تتميز بزيادة كبيرة في الأساليب والتقنيات الإبداعية والفعالة (القديمة والجديدة) والأدوات (بما في ذلك الأدوات القانونية) والاستراتيجيات المعادية للمسلمين والإسلام.
وعلى غرار استراتيجيات القوة المنطقية لفوكو، نسجت هذه الخطوط المتعددة للاحتواء والاختراق شبكة لا مفر منها تقريبا لأغلب المسلمين.
وقدم الكاتب توضيحا لأقوى 10 استراتيجيات مألوفة للترويج للإسلاموفوبيا، قائلا إن أي واحدة منها كفيلة بالتسبب بالضرر الكبير للمسلمين، لكنها ستكون مدمرة في حال اجتمعت كلها معا.
المسلمون “تحدي”، والإسلام “مشكلة“: تتمثل هذه الاستراتيجية في تشكيل “بعبع الإسلام” الخيالي والجوهري، الذي يُصوّر من خلاله الإعلام والسياسيون والمثقفون العامون البارزون وحتى كبار الفنانين (بما في ذلك العديد منهم في العالم العربي ذي الأغلبية المسلمة) الإسلام والمسلمين كمشكلة أو تهديد وجودي أو في أحسن الأحوال “تحدٍ” (“للجمهورية” و”الديمقراطية” و”الحضارة الغربية” وما إلى ذلك).
المؤامرة ضد الحياة الإسلامية الطبيعية: إن التحولات الديمغرافية الطبيعية للمجتمعات الغربية بسبب التركيبة السكانية والهجرة، كتغير المساحة الحضرية لبعض الأحياء، ظهور الملابس الإسلامية في الشوارع، وبناء مسجد بجوار كنيسة كاثوليكية، وغيرها، أصبحت تُصور في شكل مؤامرة مثيرة للريبة حول “أسلمة أوروبا واستبدالها بخلافة إسلامية واسعة.
التضييق الأمني على الإسلام والمسلمين: تقوم على بناء تصور زائف عن “تآمر السكان المسلمين” لتخلق عواقب سياسية خطيرة كاتخاذ تدابير استثنائية قمعية مثل زيادة الوجود العسكري والضوابط الأمنية، والمراقبة المنهجية للمساجد، وما إلى ذلك -باعتبار الإسلام تهديدًا ومصدرا للخطر.
الحالة الاستثنائية: استخدام الأمن القومي كذريعة استثنائية لتجريد المسلمين من حقوقهم الأساسية في كل مجال من مجالات الحياة وبما يؤثر بشكل كبير على السياسة العامة والثقافة والحياة الأكاديمية والفكرية.
تسليح مبادئ الديمقراطية: للتستر على هذا المشروع المعادي للإسلام، غالبًا ما تنتشر المغالطات والأكاذيب الصارخة حول طبيعة الأنظمة السياسية الغربية والمجتمعات التي تمارس التمييز بشكل روتيني ضد المسلمين.
ثنائية “المسلم الصالح والمسلم السيئ”:
تعتمد هذه الاستراتيجية الترويج لنموذج جسده بعض المسلمين لطاعتهم السياسية أو خضوعهم ويوصفون بأنهم “معتدلون” وشرعيون ويمثلون نموذجا في “الاندماج” ويُكافؤون بسخاء على هدوئهم السياسي أو عدم نشاطهم، في حين يتم تشويه سمعة الفئة الثانية من المسلمين علنا ووصفها بأنها “راديكالية” و”متطرفة” و”أصولية” و”إسلامية” ويحظر نشاط منظماتها بذرائع وهمية، ويتعرض قادتها للاضطهاد.
ازدواجية المعايير الغربية: مثال ذلك إطلاق فرنسا عام 2021 ميثاقهما المتعلق بمبادئ الإسلام الفرنسي، الذي لا يهدف إلى تنظيم وتحديد هيكل تمثيل المسلمين في فرنسا والعمل الداخلي للمساجد فقط، بل حتى العقيدة الإسلامية واللاهوت نفسه.
وعندما حاولوا إجبار القادة المسلمين والمنظمات الإسلامية والمساجد على التوقيع على هذه الوثيقة، هددوا علانية بقمع الدولة لأي شخص يرفض ذلك، ولم يُطلب من أي طوائف دينية أخرى إعادة تثقيف أو تأويل عقيدتها أو توقيع مثل هذه “المواثيق”، وإنما خصّت المسلمين فقط.
تقنين الإسلاموفوبيا: يتم تقنين الأفكار المُسبقة والصور النمطية المعادية للإسلام بشكل متزايد وترسيخها في قوانين قمعية، ويعمل كل من القانون الفرنسي لسنة 2004 ضد الجماعات الدينية في المدارس العامة أو مشروع قانون “الانفصالية المعادية للإسلام”، أو قانون تعزيز مبادئ الجمهورية مرة أخرى كنماذج أولية ومنهج لدول أخرى مثل كندا أو سويسرا أو بلجيكا، وهذه المقالات المحددة تستهدف الجمعيات والمدارس الخاصة والتعليم المنزلي بغية جعل هذه الخيارات إما صعبة للغاية أو مستحيلة.
كاتش 22: تتمثل الإستراتيجية الأكثر خبثًا لإقصاء المسلمين في تقديم التزام مزدوج متناقض وغير قابل للحل، فمن ناحية، يُمنعون من الانخراط في النشاط السياسي أو حتى المدني الذي يصنفهم تلقائيا على أنهم “إسلاميون” وينعتهم بـ “الإسلاميين السياسيين”، ومن ناحية أخرى، يتم استدعاؤهم بانتظام “لجعل أصواتهم مسموعة” علنًا، أو التحدث “بصوت أعلى”، أو التظاهر، كمسلمين.
قوة صلبة
وفي حال لم ينجح أي مما سبق، تثبت الحكومات استعدادها لاستخدام أشكال أقسى من الرقابة والتأديب والعقاب.
الذنب بالارتباط والعقاب الجماعي: يُنسب أي هجوم “جهادي” فردي اُرتكب في مكان ما إلى “الإسلام” ويتحمل جميع المسلمين المسؤولية ويُدعون إلى إدانة الفاعل علنًا، في المقابل، لا يوجه مثل هذا اللوم الجماعي على المجتمعات الدينية أو الأديان الأخرى أو حتى على أنواع أخرى من الإرهاب.
تكتسي هذه الإدارة الاستعمارية الجديدة للإسلام والمسلمين طابعًا عالميًا بشكل متزايد، وفي حين يمكن لواحدة من هذه الاستراتيجيات أن تكون ضارة بالمسلمين، يمكن لعشرة منها أن تدمر مجتمعًا بأكمله.