هل اقتربت النهاية بالنسبة لمسلمي الهند؟

بقلم آزاد عيسى

بعد مرور عشرين سنة على المذابح التي ارتكبت بحق المسلمين في ولاية غوجارات في الهند، هناك الآن جيل كامل من القوميين الهندوس الذين باتوا أكثر قناعة من أي وقت مضى بأن تصفية المسلمين يحسن من معيشتهم

وفي مقال للكاتب آزاد عيسى، قال إن ثمة مشروعا كبيرا للتطهير العرقي يجري تنفيذه في الهند، وكما هو منطق الهندوتفا – الأيديولوجيا التي ترتكز عليها الحركة القومية الهندوسية – فإنه لا خيار أمام المسلمين سوى التحول أو الموت.

وأضاف: “كان ذلك هو الأسبوع الأول من شهر رمضان، وكان المسلمون في بلدة كاراولي راجاسثان منشغلين بأمورهم الحياتية، عندما حوّطهم مئات الهندوس الذين كانوا يعتلون دراجاتهم الهوائية، ويتوشحون بأغطية رأس زعفرانية اللون”، وسط موسيقى صاخبة وترديد لمقطع كوبليه تضمن الكلمات التالية:

“عندما ينهض الهندوس، ستكون عاقبة ذلك أن يركع صاحب القلنسوة ويقر بأن الرب رام قد انتصر، عندما يغلي الدم في عروقي، أرجو أن أعرفك مقامك، حينها لن أتكلم أنا، بل سيفي هو الذي سيتكلم.”

وبينما كان المسلمون يراقبون المشهد في حالة من الرعب والهلع، ازداد الحشد صخباً وتهديداً.

حينما يحدث شيء كهذا ويتم تنظيم مهرجان استفزازي من قبل الـ “آر إس إس”، المنظمة شبه العسكرية التي تعتقد بتفوق الهندوس على غيرهم والتي تتزعم الحراك الذي يسعى إلى تحويل الهند إلى راشترا هندوسية، أو دولة هندوسية، لا يجد المسلمون مكانا يلجؤون إليه أو أحدا يلوذون به.

وصل هؤلاء بهدف إذلال المسلمين والتأكيد على فوقية الهندوس، ولا يرحلون حتى يحققوا مبتغاهم.

ما حدث بعد ذلك ما زال غامضا، إذ يبدو أن بعض الشباب المسلمين في الحي لم يتحملوا ما كانوا يرون، فتناولوا حجارة وبدأوا يرجمون بها أصحاب الدراجات النارية، فنشب عراك بين الطرفين، وفي خضم ذلك بدأت النيران تشتعل في البيوت والمحلات، وسرعان ما التهمت ألسنة اللهب الحيّ بأكمله.

كالعادة، بعد أن وقفت الشرطة هادئة وسط الجميع تراقب المشهد عن بعد، قررت في النهاية الاقتراب، وقامت عناصرها بإلقاء القبض على بعض المسلمين من سكان الحي وعلى قلة من المحرضين القادمين من خارجه، ولم يمض وقت طويل حتى انتشرت مقاطع فيديو تروج لفكرة أن المسلمين اعتدوا على الهندوس المسالمين الذين كانوا يحتفلون بميلاد الرب رام.

وبطبيعة الحال تم تحميل المسؤولية عن العنف للمسلمين، وأما وسائل الإعلام الدولية التي بثت تقارير عن الحادثة فوصفت ما جرى بأنه “مصادمات” بين الهندوس والمسلمين، وعليه، صدرت تعليمات للسكان الهندوس بالجوار بمقاطعة المحال التجارية المملوكة من قبل المسلمين.

وكعقاب للمسلمين على تجرؤهم على التصدي للكراهية، قامت حكومة الولاية بإيقاف خدمة الإنترنت وفرض حظر للتجول في المنطقة، وأرسلت الحكومة 600 ضابط شرطة لفرض النظام.

رسالة الكراهية

على مدى الأيام العشرة الماضية، تكررت مشاهد مشابهة لتلك الحادثة في أرجاء العديد من الولايات الهندية.

وبحجة الاحتفال بميلاد الإله رام، والذي يعرف باسم رام نافامي، اقتحم آلاف القوميين وأدعياء التفوق الهندوسي، بينما كان بعضهم يُشهر العصي والسيوف، الأحياء المسلمة وباشروا ببث رسائل الكراهية والقيام بممارسات استفزازية لتحدي ومضايقة المسلمين.

وعادة ما تسارع الدولة إلى التدخل بكل ما أوتيت من أدوات القمع الوحشي، في حال نجم عن ذلك أي نوع من الشجار، فعلى سبيل المثال، تم تدمير الكثير من الممتلكات الخاصة بالمسلمين في منطقة خارغون في ماديا براديش، ثاني أكبر ولاية في الهند، حيث دُمر ما لا يقل عن 16 بيتاً و29 دكاناً، معظمها مملوكة لمسلمين، وذلك في أحداث استفزازية مشابهة وقعت في العاشر من إبريل/ نيسان.

وفي حينه، ادعت السلطات الهندية أن المنشآت التي دُمرت كانت غير قانونية، إلا أن أسد الدين عويسي، رئيس حزب مجلس اتحاد المسلمين في عموم الهند، رد على ذلك في مؤتمر صحفي قائلاً إنه: حتى لو كانت تلك البيوت منشآت غير شرعية، كان من الواجب اتباع الإجراءات القانونية، وأكد عويسي أن الذي وقع إنما كان عقوبة جماعية أُنزلت بحق المسلمين.

لم يزل المسلمون يعيشون على هامش الحياة السياسية والاقتصادية منذ عقود في الهند، ولكن منذ أن وصل نارندرا مودي إلى السلطة في عام 2014، فقد بات المسلمون كبش فداء لكل ما تعانيه الهند من أمراض.

تعرض الرجال المسلمون للاعتداء واتهموا بأنهم يتقربون من النساء الهندوسيات بهدف تحويلهن إلى الإسلام فيما يعرف بجهاد الحب، وتعرض آخرون للقتل في الشوارع على أيدي مجموعات تدافع عن الأبقار.

وفي عام 2020، وفي محاولة واضحة لامتهان المجتمع المسلم بأسره، اُتهم المسلمون بنشر فيروس كورونا أو بالمشاركة فيما أطلق عليه حينذاك جهاد الكورونا.

ولكن حتى بالمقاييس المرعبة للسنوات الثماني السابقة، تكاد الأشهر الستة الماضية أن تكون غير مسبوقة.

دعوة إلى العنف

أثار توجيه مجموعة من الرهبان الدعوات للهندوس لتسليح أنفسهم استعداداً للإبادة الجماعية بحق المسلمين سخطاً في بعض الأوساط الليبرالية في ديسمبر 2021، أما اليوم فقد غدا أمراً معتاداً ومنتظماً، كما لو كان فيلما شديد التعصب من انتاج بوليوود.

تأتي التصعيدات الأخيرة في الاعتداءات بعد سلسلة من الأحداث التي شهدتها ولاية كارناتاكا الجنوبية، حيث دعا اليمينيون الهندوس إلى مقاطعة المسلمين من بائعي الفواكه وسائقي سيارات الأجرة وأصحاب محال اللحم الحلال، بينما حظر على النساء المسلمات ارتداء أغطية الرأس في العديد من الكليات داخل نفس الولاية.

 

وتبحث حكومة الولاية الآن حظر رفع الأذان عبر السماعات المكبرة من مساجد الولاية.

وفي الأسبوع الأخير وحده وردت تقارير بصدور دعوات للعنف وما ينجم عن ذلك من أعمال حرق ضد المسلمين في سبع ولايات على الأقل، بما في ذلك ماذيا براديش، غوجارات، جارخاند وغرب البنغال.

وفي غووا، حاولت مجموعة غوغائية ترفع الرايات الزعفرانية اقتحام مسجد من مساجد الولاية عند صلاة الفجر.

يقتضي التوضيح أن أياً من هذه الأحداث لم يصدر بحقه إدانات من قبل الحكومة الوطنية، بما يثبت تارة أخرى أن الدعوات لممارسة العنف ضد المسلمين لا تنفصل عن الغايات التي تسعى الدولة لتحقيقها.

إنها جزء من مشروع اليمين الهندوسي لإضفاء صبغة هندوسية على المشهد الاجتماعي والاقتصادي توجهاً نحو إقامة دولة ذات أغلبية هندوسية.

مقالات ذات صلة