بقلم فيصل قطي
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
كأستاذ قانون، فإن أحد المساقات التي أفضل تدريسها هي التحليل القانوني والكتابة والدفاع.
يضع هذا المقرر الدراسي بعض الأسس الرئيسية والمهارات المميزة المطلوبة للنجاح في كلية الحقوق وممارسة القانون من خلال تعليم الطلاب كيفية التفكير والكتابة ورفع الدعاوى.
خلال الفصل الدراسي الأول من المقرر نتعمق في التحليل والكتابة الموضوعية مما يستلزم تحليل القضايا بطريقة غير متحيزة، وفيه يتم تدريب الطلاب على ما يجب أن تفعله وسائل الإعلام بشكل مثالي، حيث نتوقع أن تركز وظيفتها الأساسية على معالجة القضايا بموضوعية وتثقيف المواطنين لاتخاذ قرارات مستنيرة والتأكد من أن من هم في السلطة يدعمون المبادئ الديمقراطية للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية للجميع.
بشكل عام، كانت وسائل الإعلام الغربية تحصل على درجات سيئة في صفي عند التحليل الموضوعي والكتابة عن حرب إسرائيل على غزة والعديد من القضايا الأخرى، لكنها تحصل على درجة A+ لكتاباتها المقنعة المناصرة للمواقف الأمريكية والإسرائيلية، ولم يكن ذلك مفاجئاً للكثيرين بالطبع.
“التهديد الإسلامي”
في كتابهما الرائع “الموافقة على التصنيع: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية”، أوضح إدوارد إس هيرمان ونعوم تشومسكي أن وسائل الإعلام الأمريكية تعمل كمؤسسات أيديولوجية فعالة، حيث تنشر مصالح من هم في السلطة من خلال آليات الإقناع الدقيقة والرقابة الذاتية.
لقد أكد الكاتبان أن هذا الأسلوب يتضح بشكل خاص في القضايا التي تنطوي على مصالح اقتصادية وسياسية مهمة للولايات المتحدة، حيث تعمل وسائل الإعلام في كثير من الأحيان كوكالات دعاية حكومية.
وفي كتابه “تغطية الإسلام”، كتب إدوارد سعيد وهو باحث مسيحي فلسطيني أن الذين يسيطرون على وسائل الإعلام الغربية أقوياء وخطيرون لأنهم قادرون على تشكيل أفكار الناس.
وخلال حقبة ما بعد الحرب الباردة، سادت فكرة “التهديد الأخضر” و”التهديد الإسلامي” إلى اليوم أو بشكل أكثر دقة للعقود القادمة، لقد فتح التمعن في كتاب “الاستشراق” لإدوارد سعيد الذي يركز على “نحن ضدهم” ثم كتابه “تغطية الإسلام” في أواخر الثمانينيات عيني عندما كنت ناشطًا طلابيًا ووضعني على طريق الدراسة والتفاعل مع وسائل الإعلام.
وفي أعقاب أحداث 11 أيلول / سبتمبر، عادت أطروحة الكتاب إلى الحياة مرة أخرى بالنسبة لي باعتباري محاميًا ، ولكن هذه المرة اتسعت روح العصر لتتجاوز المسلمين الأجانب لتشمل أشخاصًا مثلي أي مسلمين غربيين، فقد أصبح أولئك الذين يعيشون بيننا أيضًا “هم” و”العدو” من حيث النظرة الغربية.
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر، تفاقمت عملية التجريد من الإنسانية، حيث يُقتل الإسرائيليون بينما يموت الفلسطينيون، فالشباب الإسرائيليون هم “أطفال” أو “رهائن” أما الأطفال الفلسطينيين فهم “قاصرون” و”سجناء”، هناك تسقط القنابل من السماء وتخلف ضحايا لكننا في كثير من الأحيان لا نعرف من يُسقط القنابل ولا نتعاطف مع آلاف الأطفال الذين يموتون لأننا “نحن” بالطبع لا نثق في الأرقام.
لقد روجت جميع وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تقريبًا للكراهية عن قصد أو غير قصد ونشرت التحريض على الإبادة الجماعية والروايات اللاإنسانية ومبررات جرائم الحرب والدعاية الإسرائيلية والمعلومات المضللة حتى بلغت الرائحة الكريهة للتلاعب بالمعلومات عنان السماء.
وجهة نظر تتمحور حول إسرائيل
قبل أسبوعين، نشرت منظمة “العدالة والدقة في نقل الأخبار” تقريراً بعنوان “أوراق رائدة حولت الجدل حول غزة نحو وجهات النظر الإسرائيلية والحكومية”، حيث وجدت الدراسة التي ركزت على صحيفتي نيويورك تايمز وواشنطن بوست أنه على الرغم من الجهود المبذولة لإدراج الأصوات الفلسطينية فقد قام محررو الرأي بتحريف النقاش حول غزة ليتمحور حول إسرائيل ومنحوا مسؤوليها الحكوميين مساحةً كبيرةً في النقاش.
وخلص تقرير آخر صادر عن موقع The Intercept إلى أن الصحف الأمريكية الكبرى ركزت بشكل غير موضوعي على الوفيات الإسرائيلية في الصراع، واستخدمت لغة عاطفية لوصف الضحايا الإسرائيليين دون الضحايا الفلسطينيين، وغطت الأعمال المعادية للسامية في الولايات المتحدة، في حين تجاهلت إلى حد كبير العنصرية المعادية للمسلمين بعد السابع من أكتوبر.
وفي غضون أقل من أسبوع، وفي عرض مثالي للسجالات الاستشراقية، نشرت صحيفة وول ستريت جورنال افتتاحية بعنوان “شيكاغو تصوت لحماس”، بعد أن صوت مجلس مدينة شيكاغو لصالح وقف إطلاق النار، وبعد ذلك بيومين، نشرت الصحيفة نفسها مقالا بعنوان “أهلا بكم في ديربورن، عاصمة الجهاد في أمريكا”، ومرة أخرى كان السبب دعوتها إلى وقف إطلاق النار.
وحتى تغطية جلسات الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية حول الإبادة الجماعية كان يشوبها التحيز، حيث حمل تقرير وول ستريت جورنال عنوان “المحكمة الدولية ترفض طلب وقف إطلاق النار في غزة”، والواقع أن المحكمة رفضت رد دعوى جنوب أفريقيا لأنها وجدت أساسًا “معقولًا” لدعم ادعاءات الإبادة الجماعية وأصدرت أوامر مؤقتة ضد إسرائيل.
وبعد ذلك، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً للكاتب المخضرم توماس فريدمان يستخدم مقارنات مجازية من مملكة الحيوان لتمثيل مختلف البلدان والكيانات في المنطقة، حيث تم تصوير الولايات المتحدة وإسرائيل على أنهما حيوانات نبيلة، بينما تم تصوير الآخرين على أنهم حشرات وطفيليات في المقالة التي افتقرت إلى التماسك والاتساق المنطقي، ولكن الأهم من ذلك أنها كانت تصويرًا مبسطًا ومهينًا للديناميكيات الجيوسياسية المعقدة.
إيران هي الدبور، وحماس وغيرها كانت بيضة الدبور الطفيلية، إن السبيل الوحيد لتدمير إيران “بأمان وكفاءة” يتلخص في قيام الولايات المتحدة من خلال إسرائيل بإحراق الغابة بالكامل حيث لا يوجد سوى الحشرات الضارة.
تأجيج الكراهية
ويوم 4 شباط/ فبراير، نشرت صحيفة الغارديان كشفًا عن الجهود الواعية والمتضافرة التي تبذلها القيادة العليا لشبكة سي إن إن لتحديد لهجة مؤيدة لإسرائيل.
والوضع في كندا ليس أفضل، فقد وثقت منظمة “كنديون من أجل العدالة والسلام في الشرق الأوسط (CJPME)، ومنظمة “The Breach”، ومجلة الصحافة التابعة لكلية الصحافة بجامعة تورونتو متروبوليتان، حالات عديدة من التحيز المؤيد لإسرائيل في الفضاء الإعلامي الكندي.
أسوأ المخالفات في الإعلام الكندي وردت في صحيفة ناشيونال بوست وتورونتو صن، الأمر الذي لا يشكل مفاجأة للمراقبين الكنديين.
وقد وجدت دراسة أعدتها The Breach و Review of Journalism وهي تغطي شهرًا واحدًا ينتهي في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر أن CBC و CTV لديهما على التوالي أصوات لصالح إسرائيل بنسبة 42% و 62% على الرغم من أن أعداد القتلى أعلى بأكثر من 10 مرات على الجانب الفلسطيني.
ووجدت The Breach أيضًا أن قناة CTV وجهت الصحفيين إلى عدم استخدام كلمة “فلسطين” وزرعت “ثقافة الخوف” التي تقمع أي تغطية انتقادية لإسرائيل، كما اتُهمت الإذاعة بفصل موظفة فلسطينية بسبب نشاطها.
حظر على “فلسطين”
وكانت قناة CBC قد تعرضت لانتقادات في وقت سابق لحظرها استخدام كلمة “فلسطين”، كما منعت مؤخرًا موظفيها من مشاركة أي معلومات حول الحرب على غزة على وسائل التواصل الاجتماعي في تناقض مع سياساتها الرقمية التي تسمح بمشاركة “الصحافة الخارجية إذا كانت القصة أو القطعة غير متوفرة على CBC.ca وكان المصدر موثوقًا”.
ويمثل عنوان قناة CBCللقصة المأساوية للطفلة الفلسطينية هند رجب مثالا على تغطيتها المنحازة: ” بعد أيام من طلب المساعدة، تم العثور على جثة الفتاة في سيارة في مدينة غزة، كما يقول أقاربها”، يجعل هذا العنوان الأمر يبدو وكأنه تم العثور على الطفل البالغة من العمر ست سنوات ميتةً، والحقيقة أنها قتلت مع أفراد عائلتها واثنين من المسعفين الذين أرسلوا لإنقاذهم على يد القوات الإسرائيلية.
وأفاد تقرير آخر في The Breach أن قناة CBC ردت على الشكاوى المقدمة من قبل الأستاذ المتقاعد جيف وينش إلى لجنة الراديو والتلفزيون والاتصالات الكندية (CRTC) بالقول أن: ” الوفيات الفلسطينية ترجع إلى أن إسرائيل تنفذ عمليات القتل عن بعد بدلاً من أن تكون وجهاً لوجه”.
وبحسب تقرير The Breach، فقد أكدت شبكة CBC أيضًا أنها تستخدم مصطلحات مثل “قاتل” و”شرير” و”وحشي” و”مذبحة” و”مذبح” للإشارة فقط إلى هجوم حماس على الإسرائيليين في السابع من أكتوبر.
عندما تصبح كراهية الإسلام وعداء الفلسطينيين أشكالاً مقبولة من التعصب، فلا ينبغي لنا أن نتفاجأ عندما تتجلى في التمييز والعنف
لقد ناقش إدوارد سعيد الذي قام أيضًا بتأليف “قضية فلسطين” كيف تشكل وسائل الإعلام للتصورات العامة وكيف تقوم بتصنيف المعلومات بشكل انتقائي للتحكم في ما يعرفه الناس وما لا يعرفونه عن الإسلام والعالم الإسلامي.
لا يؤدي هذا التحريف والتمثيل الناقص والدعاية الصريحة في بعض الأحيان إلى تقويض ثقة المجتمعات المحرومة في السلطة الرابعة للديمقراطية فحسب، بل يؤدي أيضا إلى تأجيج الكراهية والتمزق في نسيج المجتمع ذاته.
وعندما تتحول كراهية الإسلام والكراهية ضد الفلسطينيين إلى أشكال مقبولة اجتماعياً من التعصب، فلا ينبغي لنا أن نتفاجأ عندما تتجلى في التمييز، بل وحتى العنف، إن تزايد الكراهية ضد المسلمين والفلسطينيين موثق جيدًا على مستوى العالم.
في أعقاب الاستهداف البغيض الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال لمدينة ديربورن بولاية ميشيغان، أمر رئيس بلديتها عبد الله حمود بتعزيز الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء مدينته.
وغرد قائلاً: ” سيسري الأمر على الفور، ستعزز شرطة ديربورن تواجدها في جميع أماكن العبادة ونقاط البنية التحتية الرئيسية، هذه نتيجة مباشرة لمقال الرأي التحريضي الذي أدى إلى زيادة مثيرة للقلق من الاستهداف بسبب الخطاب المتعصب والمعادي للإسلام، يا أهالي مدينة ديربورن كونوا يقظين”، لقد أصبحت أطروحة إدوارد سعيد ومؤلفاته الآن مرئية لدى الجميع.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)