منشور “كل العيون على رفح”… حرب الذكاء الاصطناعي بين الفضاء الالكتروني وأرض الواقع في غزة

بقلم خديجة الشيال وشيرين فرنانديز

ترجمة وتحرير مريم الحمد

على مدى 8 أشهر، شهدنا جرائم لا يمكن وصف فظاعتها في غزة، حتى رأينا طفلاً برأس مقطوع في الهجوم الإسرائيلي على خيام النازحين في رفح بتاريخ 26 مايو، في مجزرة قُتل فيها 45 فلسطينياً.

 من المرجح أن الهجوم كان انتقامياً بعد أن أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بوقف العمليات العسكرية في رفح، وقد كانت هذه المشاهد المروعة بمثابة تذكير بأن الفلسطينيين لا يستطيعون النجاة من القصف.

لقد أدى العدوان الإسرائيلي حتى الآن إلى مقتل أكثر من 36,000 فلسطيني، يضاف إليهم المحاصرون تحت الأنقاض وعشرات الآلاف من الجرحى وحوالي مليوني نازح داخلياً.

على مدى أشهر، تم تداول مشاهد هذا العدوان المروعة على وسائل التواصل الاجتماعي بكثافة غير مسبوقة فيما وُصف بـ “أول إبادة جماعية يتم بثها على الهواء مباشرة”، ولم يعد هناك نقص في ما يمكن اعتباره دليلاً على الإرهاب الإسرائيلي في عصر المؤثرين الذي ساهم في نشر الأصوات الفلسطينية الشجاعة التي توثق وتبث إلى العالم. 

إن استخدام الطائرات بدون طيار وبرامج المراقبة المتطورة لزعزعة استقرار حياة الفلسطينيين مع الحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين من خلال تجنب الغزو البري، يظهر كيف يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعطاء الأولوية لحياة بعض الأشخاص على حساب الآخرين

لقد بتنا جميعاً نتابع موجزات الشباب على الأرض، فلم يعودوا يشاركون الصور فحسب، بل أصبحوا يعرضون لنا نافذة على حياتهم وتجاربهم الشخصية، صرنا نحزن معهم ونقلق على سلامتهم إذا لم يعلنوا أنهم نجوا من تلك الليلة.

كنتيجة لذلك، لاحظنا السرعة التي أصبح بها قالب إنستغرام “كل العيون على رفح” واسع الانتشار الآن، وهي الصورة، التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي مكونة من خيام بيضاء متراكبة على مساحة لا نهاية لها من الخيام المجمعة بعناية ذات الألوان المختلفة وتغطيها الجبال البيضاء الثلجية.

للوهلة الأولى، تشعر وكأن الكلمات المعروضة بأحرف كبيرة غير متناسبة مع الصورة الأنيقة، فالواقع في رفح مختلف تماماً ولكن ربما هذا هو ما جعل المشاركة سهلة للغاية، وربما يكون السبب أن التطهير الكامل والحذف المتعمد للصور الرسومية جعلها “مشاركة” أسهل لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في الوقت الذي يتعرض فيه “المؤثرون” والمشاهير لانتقادات شديدة بسبب عدم تفاعلهم مع فلسطين.

إذا كانت السهولة أو الراحة هي العوامل الحاسمة في المحتوى الذي نشاركه، فإن السؤال الأساسي الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا هو: ما الذي نقوم بتحسينه عند نشر هذه الصورة بدلاً من صورة حقيقية؟ ما الذي نقوم بحمايته فعلياً؟؟

نشاط رقمي

مع بداية الحرب على غزة، حدث تحول ملحوظ في كيفية تعاملنا مع التكنولوجيا والفضاء الرقمي، فتهديدات جمع المعلومات الشخصية باتت حاضرة في أذهان الطلاب المحتجين ومعها المخاوف حول التداعيات المهنية عندما يتم الإشارة إلى أصحاب العمل أو إبلاغهم بمنشورات وسائل التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال، فقد زُعم مؤخراً أن فايزة شاهين، المرشحة المحتملة لحزب العمال البريطاني، تم استبعادها بسبب إعجابها بتغريدات تدعم حركة المقاطعة (BDS)، مما يؤكد أن ترهيب الناشطين حقيقي، وفي المقابل فإن انتشار منشور “رفح” الذي تجاوز 40 مليون مشاركة قد يعطي الشعور بأن هناك أماناً في الأرقام.

إن اعتماد الجيش الإسرائيلي المستمر على أنظمة تحديد وتتبع الذكاء الاصطناعي مثل Lavender و”The Gospel” و”Where’s Daddy؟” يمنح صلاحيات مخيفة للبرامج المرخص لها بالقتل باستخدام “القنابل الغبية” أو الصواريخ غير الموجهة مع حد أدنى من الإشراف البشري

انتقد العديدون الرسم الذي أنشأه الذكاء الاصطناعي، فشبهوه بالإيماءات الفيروسية الأخرى التي تعتبر ضحلة وسطحية، مثل مربعات الملف الشخصي السوداء سيئة السمعة ومنشورات #BlackoutTuesday المصاحبة، والتي اكتسبت شعبية خلال احتجاجات جورج فلويد عام 2020 لإظهار التضامن مع مجتمعات السود ضد الظلم العنيف والإقصاء الذي واجهوه.

رأى آخرون أن منشور “رفح” هو دليل على كيفية توظيف السياسة للفن وإمكاناته كشكل من أشكال الاحتجاج والمقاومة، خاصة مع غياب “الرعب” أيضاً من الوصول الهائل للصورة من خلال تجاوز آليات التصفية أو الحجب في السوشيال ميديا.

أعتقد أن هذه الحلقة يجب أن تدفعنا إلى النظر بشكل أعمق في دور الذكاء الاصطناعي وتأثيره في بناء السرد والنشاط على الإنترنت، فقد تم الترحيب بسهولة وسرعة في فكرة إنشاء محتوى ذكاء اصطناعي باعتباره شيئاً من التسلية والتمكين، عليك فقط كتابة بعض الكلمات الرئيسية مع صورة أو نص في متناول يدك تعبر بطريقة أو بأخرى عن أفكارنا وتكشف عن مخاوفنا وأحكامنا المسبقة في نفس الوقت.

في الوقت الذي فتح فيه الفضاء الرقمي العديد من الإمكانيات، إلا أنه يثير تساؤلات أيضاً حول مدى فعالية هذه الطريقة في تحقيق الأهداف بتجاوز المعوقات المتعلقة بالحجب من قبل خوارزميات السوشيال ميديا، وحتى أبعد من ذلك، ما مدى تأثير الوسوم هذه وأفكار “الحجب” الجماعي؟

وفي حال افترضنا أنها قد تؤثر بالفعل وتحقق أهدافها المقصودة، فما هي المعلومات التي نقدمها عن أنفسنا لشركات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال مشاركتنا في هذا النشاط، وهل يمكن أن يسهم ذلك في قطع النشاط أو احتوائه أو تهدئته؟!

“إبادة جماعية بالذكاء الاصطناعي”

رداً على شعبية صورة “رفح”، تم إنتاج العديد من الرسومات المضادة، تصور إحداها مقاتلاً من حماس يحمل مسدساً وينظر إلى طفل رضيع، مع سؤال “أين كانت عيناك يوم 7 أكتوبر؟” مزخرف بأحرف كبيرة.

مهما كانت ميولنا السياسية، فمن الواضح أن المحتوى الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي يعمل على تشجيع سرد القصص لدينا وتحفيز الجمهور الذي يشاهد هذا المحتوى، ولكن في الوقت نفسه يزيد من صعوبة التمييز بين ما هو صحيح وما هو خطأ، حيث تتزايد الروبوتات والحسابات المزيفة التي تدفع الأيديولوجيات وربما تؤدي إلى تعميق عدم ثقتنا في التكنولوجيا.

لقد وصلنا إلى لحظة بلغت فيها صحافة المواطن ذروتها، فنحن نشهد حرفياً أول حرب للذكاء الاصطناعي، سواء من خلال المنشورات الفيروسية التي أنشأها الذكاء الاصطناعي لتغذية الروايات أو من خلال تطوير وسائل المراقبة والأسلحة لإحداث أكبر قدر من الضرر!

بدلاً من الانهماك في ما إذا كانت مشاركة المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي مقبولة، يجب علينا أن نناقش كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز الحرب من خلال المراقبة وعمليات القتل “المستهدفة” والتي تشكل الواقع على الأرض.

في عام 2021، تفاخرت إسرائيل باستخدامها للتكنولوجيا المتطورة وذلك خلال توغل عُرف باسم “عملية حارس الجدران”، حيث قُتل 261 فلسطينياً وبذلك أصبحت غزة مختبراً سنوياً لأسلحة الذكاء الاصطناعي!

إن اعتماد الجيش الإسرائيلي المستمر على أنظمة تحديد وتتبع الذكاء الاصطناعي مثل Lavender و”The Gospel” و”Where’s Daddy؟” يمنح صلاحيات مخيفة للبرامج المرخص لها بالقتل باستخدام “القنابل الغبية” أو الصواريخ غير الموجهة مع حد أدنى من الإشراف البشري.

إن استخدام الطائرات بدون طيار وبرامج المراقبة المتطورة لزعزعة استقرار حياة الفلسطينيين مع الحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين من خلال تجنب الغزو البري، يظهر كيف يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لإعطاء الأولوية لحياة بعض الأشخاص على حساب الآخرين.

من ناحية أخرى، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم ​​ومحوها وتهديدها، سواء عن عمد من خلال الأسلحة المستخدمة على رؤوس مجتمع بأكمله، أو من خلال تداول صور بالذكاء الاصطناعي تخفي الفظائع التي يتعرض لها الفلسطينيون بشكل مستمر!

المشكلة في ذلك أن حجب الحقيقة من خلال الذكاء الاصطناعي قد لا يؤدي إلا إلى حجب  في نهاية المطاف، وهي مفارقة يجب أن نظل متيقظين لها مع استمرار تدفق المحتوى الذي يمكن صناعته بالذكاء الاصطناعي.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة