منظمات إغاثة: الحصار الإسرائيلي يمنع دخول الأدوية والمعدات الطبية إلى غزة رغم وقف إطلاق النار

حذرت منظمات الإغاثة من أن الوضع الطبي في غزة لا يزال دون تغيير، حيث تمنع القيود الإسرائيلية دخول جميع الإمدادات والمعدات الطبية تقريباً في ظل وقف إطلاق النار الهش.

في حديث لها مع ميدل إيست آي، ذكرت لينا الدجاني، متطوعة تنسق المساعدات الطبية في غزة بأن “تقريباً، كل طبيب تحدثت إليه قال بأنه لم يتغير شيء في قطاع الرعاية الصحية” منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الجاري.

لم يعد العاملون في مجال الصحة يتعاملون مع موجات من ضحايا القصف وإطلاق النار على مواقع توزيع المساعدات، إلا أنهم ما زالوا يعانون من نقص الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية بأن 10% فقط من الإمدادات الطبية المطلوبة دخلت غزة منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. 

 “لا يمكنك العثور حتى على الباراسيتامول وأبسط الأدوية غير متوفرة في الصيدليات والمستشفيات” – بهاء زقوت- مدير العلاقات الخارجية في PARC

أوضحت الدجاني لموقع ميدل إيست آي: “إن تعفن الدم مشكلة كبيرة؛ فلا يوجد الكثير من المطهرات المتاحة، والمستشفيات أرض خصبة للفيروسات والبكتيريا”.

وقد أكدت بأن الطلب لا يقتصر على المستلزمات والمعدات الطبية فقط، فلا يزال الاكتظاظ مستمراً، حيث يُجبر المرضى على النوم على الأرض ويتم إخراجهم إلى خيام مؤقتة، فقالت: “نحن نتحدث عن مرضى يمكن أن يكونوا في وحدة العناية المركزة في أي بلد آخر، فقد كان هناك مرضى خرجوا للتو من غيبوبة بعد إصابتهم بشظايا في فقراتهم وكانوا ينامون على الأرض”.

تحدثت الدجاني عن إحدى الحالات التي تعاملت معها لطفل يُدعى صعب، تم إجلاؤه من شمال غزة وسط الهجوم العسكري الإسرائيلي المطول فاقداً نصف جمجمته، فتقول: “كان نائماً على الأرض وأخبروه أن عليه المغادرة، فلا يوجد دعم طبي ولم يتم إدخال الأسرّة ولم تدخل أي معدات أو وفود طبية للسماح للأطباء بالتنفس ولو للحظة واحدة”.

هناك حاجة ماسة أيضاً إلى أدوية الاضطرابات الوراثية، فقد أشارت الدجاني إلى أن العديد من الأطفال أصيبوا بنوبات صرع نتيجة للصدمة الناجمة عن عامين من الحرب، لكن شراب كيبرا – المستخدم لعلاج الصرع – غير متوفر، فتقول: “أصيب الكثير من الأطفال بنوبات صرع بسبب الصدمة الناجمة عن الظروف مثل انفجار القنابل”.

ويضاف إلى ذلك الافتقار إلى البنية التحتية والكهرباء، فلا يمكن تخزين الأدوية التي تتطلب التبريد، مثل الأنسولين الذي يستخدم لعلاج مرض السكري.

استخدام مزدوج

في تصريحه لميدل إيست آي، نفى مدير العلاقات الخارجية في PARC، وهي منظمة فلسطينية غير حكومية تتابع دخول المساعدات، بهاء زقوت، دخول أي معدات طبية أو أدوية تقريباً للقطاع منذ فرض وقف إطلاق النار.

يذكر أنه يُمنع دخول المواد التي تعتبر “ذات استخدام مزدوج” إلى غزة، والتي تشمل معظم المعدات والمواد الطبية اللازمة لبناء الملاجئ، إلى المنطقة، فبحسب زقوت، قبل أكتوبر عام 2023، صنفت السلطات الإسرائيلية حوالي 1400 مادة على أنها “ذات استخدام مزدوج”، ولكن منذ أن شنت إسرائيل مجازرها في غزة، توسعت القائمة لتشمل الأدوية وحتى ملابس الأطفال، لتصل إلى 4000 عنصر الآن في القائمة.

وأضاف زقوت بأن الغالبية العظمى من الشاحنات التي وصلت إلى غزة هي شاحنات تجارية، حيث تمثل شاحنات المساعدات حوالي 15% من جميع المساعدات التي يتم توصيلها إلى القطاع منذ تنفيذ وقف إطلاق النار، ولا تدخل إلى غزة إلا 90 شاحنة يومياً، وهو جزء صغير من المعدل الموعود في اتفاق وقف إطلاق النار.

وقد أكد زقوت بان عمليات التسليم التجارية تميل إلى إعطاء الأولوية للأغذية ذات القيمة الغذائية المنخفضة لأنها تتطلب تنسيقاً أقل مع السلطات الإسرائيلية، وأضاف: “لا يمكنك العثور حتى على الباراسيتامول وأبسط الأدوية غير متوفرة في الصيدليات والمستشفيات”.

من جهة أخرى، أكد زقوت بأن جميع الأجهزة المساعدة تقريباً مثل الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية والعكازات محظورة، في ظل ارتفاع عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع أنحاء غزة وسط الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل. 

وقد خلص تقرير صادر عن جمعية أطفالنا للأطفال الصم، وهي منظمة غير حكومية مقرها مدينة غزة، إلى أنه حتى يوليو عام 2025، كان هناك 58 ألف شخص يعانون من إعاقات، في حين أن ما يقدر بنحو 22500 من المصابين في الهجوم الإسرائيلي أصيبوا بجروح غيرت حياتهم وتتطلب خدمات إعادة تأهيل.

أوضح التقرير أيضاً بأن 83% من المشاركين من ذوي الإعاقة أفادوا بفقدان أحد أجهزتهم المساعدة أثناء النزوح، كما قدرت المنظمة بأن نحو 35 ألف شخص معرضون لخطر فقدان السمع المؤقت أو الدائم.

“نادراً ما يرفضون الأشخاص الذين تكون مسمياتهم الوظيفية هي منسق المشروع أو مدير الخدمات اللوجستية أو مسؤول الصحة والسلامة، في حين أن أي شخص يحمل مؤهلاً طبياً في مسمى وظيفته يخضع لمزيد من التدقيق” – فكتوريا روز- طبيبة بريطانية متطوعة إلى غزة

في حديثه مع ميدل إيست آي، أوضح مدير جمعية أطفالنا، فادي عابد: “هذا يعني أن هناك حاجة كبيرة للأجهزة المساعدة في غزة”، مضيفاً بأن نقصها يعني أن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يستطيعون الوصول إلى خدمات أخرى، بما في ذلك دعم الصحة العقلية الذي هم في أمس الحاجة إليه.

قال عابد: “لدينا أطفال يعانون من مشاكل في السمع ولا يستطيعون حضور الجلسات النفسية والاجتماعية أو المشاركة في أنشطة التعلم”.

تجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة غير الحكومية تدير عيادات تشخيصية للأطفال دون سن الخامسة الذين يعانون من صعوبات في السمع. ومع ذلك، فإن التشخيص في هذه الفئة العمرية يتطلب معدات متخصصة غير متوفرة حالياً في غزة.

منع الوفود الطبية

وتواصل الوفود الطبية نضالها من أجل الدخول إلى غزة، حيث كانت جراحة التجميل البريطانية فيكتوريا روز، التي تعمل مع مؤسسة طبية خيرية تدعم رعاية المصابين في غزة منذ عام 2009، جزءاً من وفد كان من المقرر أن يغادر إلى غزة في 10 أكتوبر، وهو اليوم الذي تم فيه إعلان وقف إطلاق النار، وقد أُبلغت في التاسع من الشهر الجاري بأنه تم منعهم من الدخول.

قالت روز لموقع ميدل إيست آي: “لم يتم إخبارنا بذلك مبكراً، عادةً ما يخبرنا مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية في الأراضي في الليلة التي تسبق دخولنا، فقد كان الأمر غريباً، حيث تم إخبارنا بذلك قبل مغادرتنا، وعندما ناقشنا الأمر مع وزارة الخارجية، بدا أنهم يريدون وقف تحركنا قبل وقف إطلاق النار”.

وأضافت: “هناك توقع أنه، بسبب وقف إطلاق النار، ستكون هناك زيادة في المساعدات المقدمة إلى غزة، ويجب أن تشمل المساعدات عاملين في مجال الرعاية الصحية، لذلك إذا أرادوا منع الناس من الدخول، فعليهم منعهم قبل وقف إطلاق النار”.

وقد أوضحت روز بأنه منذ أكتوبر عام 2023، تم تحديد عدد العاملين الصحيين بـ5 مقاعد فقط شهرياً في القوافل التي تدخل غزة، وقد كانت القافلة التالية محجوزة بالكامل بالفعل، لذا فهي وفريقها ينتظرون الإعلان عن مقاعد إضافية، وهو ما تعهدت إسرائيل بفعله بعد وقف إطلاق النار.

يذكر أن السلطات الإسرائيلية منعت دخول الوفود الطبية مراراً، فقد حاولت روز دخول غزة 5 مرات دون جدوى، وتقول: “نادراً ما يرفضون الأشخاص الذين تكون مسمياتهم الوظيفية هي منسق المشروع أو مدير الخدمات اللوجستية أو مسؤول الصحة والسلامة، في حين أن أي شخص يحمل مؤهلاً طبياً في مسمى وظيفته يخضع لمزيد من التدقيق”.

وقد أفاد فريق ذهب إلى غزة في شهر سبتمبر الماضي بأن الاحتياجات الطبية لم تتغير، حيث تقول روز: “إنهم بحاجة إلى مدخلات جراحة العظام والتجميل؛ فعدد الأطباء لديهم منخفض للغاية، وهم مستنزفون للغاية في عدد الموظفين”، مشيرة إلى قتل إسرائيل لـ 17,000 عامل طبي فلسطيني منذ أكتوبر عام 2023، فيما لا يزال 95 قيد الاعتقال.

مقالات ذات صلة