اعتبر طلبة من جامعة كولومبيا وأعضاء في هيئة التدريس فيها استهداف الأكاديميين والمحاضرين الداعمين للقضية الفلسطينية جزءاً من المساعي لتشويه سمعة من يرفضون الصمت حيال الأحداث الجارية في فلسطين.
جاء ذلك في أعقاب انتقادات تعرض لها ثلاثة أكاديميين في الجامعة وأدت إلى إنهاء وظيفة أستاذ زائر مسلم على شاشة التلفزيون الوطني في وقت سابق من هذا الأسبوع.
وبلغ التوتر في كلية Ivy league ومقرها نيويورك ذروته هذا الأسبوع، بعدما استدعى المسؤولون فيها إدارة شرطة نيويورك (NYPD) ظهر الخميس لهدم مخيم “مناهضة للحرب والإبادة الجماعية” أقامه الطلاب في المروج الجنوبية للحرم الجامعي في هارلم بعد ما يزيد قليلاً عن 24 ساعة من إنشائه.
وتم احتجاز أكثر من 100 طالب وإيقاف ثلاثة آخرين وتفكيك أكثر من 50 خيمة من قبل الشرطة التي حضرت بكامل معدات مكافحة الشغب أمام الآلاف من طلاب كولومبيا الذين غمروا المروج لإظهار التضامن مع الطلاب المحتجين.
وتعرض عناصر الشرطة للسخرية من قبل الطلبة أثناء قيامهم بجر الطلاب إلى الحافلات لنقلهم إلى مركز الشرطة المحلي.
وتجمهر المئات من نشطاء المجتمع المحلي الذين حضروا من أحياء المدينة المختلفة إلى محيط الجامعة للتعبير عن سخطهم من تصرف رئيستها نعمات مينوش شفيق بسبب دعوتها الشرطة لاعتقال الطلاب الذين كانوا يحتجون سلمياً في الحرم الجامعي.
وقالت ريبيكا جوردان يونج، الأستاذة في قسم دراسات المرأة والنوع الاجتماعي في كلية بارنارد بجامعة كولومبيا: “لشهدنا بالأمس رد الفعل الأكثر قمعاً على الإطلاق في الحرم الجامعي، حجم التنازل مثير للدهشة، والليلة الماضية، لقد شهدنا تعالياً دراماتيكياً هو أكثر ما رأيت استبداداً وقلة احترام في الحرم الجامعي”.
وجاء قرار شفيق باستدعاء شرطة نيويورك لطلابها بعد يوم واحد فقط من جلسة استماع في الكونغرس بدا فيها الرئيس موافقاً على اتهامات السلوك المعادي للسامية من قبل أعضاء هيئة التدريس، وتوعد بعقوبات وعواقب قاسية على المتهمين بذلك.
واستجوب المشرعون الجمهوريون شفيق خلال الجلسة التي استمرت أربع ساعات تقريباً في الكابيتول هيل مرارًا وتكرارًا بشأن تقاعس الجامعة عن التحرك ضد مزاعم معاداة السامية في الحرم الجامعي.
وركز المشرعون الجمهوريون واحداً تلو الآخر على الشعارات التي استخدمها المتظاهرون المؤيدون لفلسطين في جامعة كولومبيا، وأشاروا على وجه التحديد إلى تصريحات أو أعمال الأساتذة جوزيف مسعد وكاثرين فرانك ومحمد عبده عند مواجهة شفيق.
ووصف المشرعون الجمهوريون مراراً وتكراراً المقالة التي كتبها مسعد للانتفاضة الإلكترونية عن أحداث السابع من أكتوبر بأنها ذات طابع احتفالي، ورغم إيضاحه لطبيعة التحريف الذي لحق بمقالته لم تبذل شفيق جهداً للدفاع عنه أو لتوضيح تعرض كلماته للتحريف.
وعلى نحو مماثل، تم تحريف تعليقات فرانكي بشأن الجنود الإسرائيليين السابقين الذين زُعم أنهم كانوا وراء رش المياه الملوثة على الناشطين المؤيدين للفلسطينيين في حادث وقع في الحرم الجامعي في كانون الثاني/يناير، وجرى النظر إليها على أنها دعوة لمنع جميع الجنود الإسرائيليين السابقين من دخول الحرم الجامعي.
أما عبده، فقد اتُهم بإظهار الدعم لحركة حماس الفلسطينية المسلحة في منشور على فيسبوك في 11 تشرين الأول/أكتوبر.
ورداً على أسئلة حول كيفية التعامل مع مسعد وفرانكي، قالت شفيق إن الثنائي يخضعان حاليا للتحقيق بتهمة الإدلاء “بتصريحات تمييزية”، لكن الطريقة التي تعاملت بها مع الاتهامات الموجهة إلى عبده، وهو أيضا مؤلف كتاب الإسلام والفوضوية جلبت أكبر قدر من الذعر.
فقد كانت إدانة شفيق الواضحة لعبده مضرة بشكل خاص باعتباره أستاذاً غير مثبت في عضوية هيئة تدريس الجامعة على عكس مسعد وفرانكي.
وقالت شفيق أن عبده: “يقوم حالياً بتصحيح أوراق طلابه ولن يقوم بالتدريس في جامعة كولومبيا مرة أخرى وسيكون ذلك في سجله الدائم”.
وعبر العديد من الطلبة بمن فيهم طلاب مساق ، “التحرر من الاستعمار والإلغاء في جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا (SWANA)” في جامعة كولومبيا، عن شعورهم بالذعر من إدانة رئيس جامعتهم للأساتذة علناً دون الشروع في التحقق الأساسي من المعلومات.
وكان عبده الذي التحق بالجامعة منتصف عام 2023 بعقد قصير الأجل قد كتب في منشوره على فيسبوك بتاريخ 11 تشرين الأول/أكتوبر “نعم، أنا مع المقاومة سواء كانت حماس أو حزب الله أو الجهاد الإسلامي ولكن إلى حد ما، نظرا للاختلافات النهائية حول التزاماتنا السياسية الأخلاقية، هذا هو الفرق بين الاستراتيجية والتكتيك أيضا”.
وأشارت جوردان يونج إلى أن الطريقة التي تم بها استدعاء عبده لم تكن صادمة ومهينة فحسب، بل كانت أيضاً غير إنسانية، موضحةً أنه: “ليس من العدل أن يفعل ذلك بشخص لا يتمتع بالأمن الوظيفي، إنه أمر غير إنساني”.
وقال نايلي، وهو طالب دكتوراة في جامعة مدينة نيويورك (CUNY)، والمسجل حاليا في صف عبده في جامعة كولومبيا: “هو لم يقل أبداً أي شيء يستحق عليه أن يُطرد من وظيفته، ولهذا السبب يعتمدون على مثل هذه التكتيكات لجعله يبدو سيئاً”.
وبالمثل، ذكرت سوميا دادو، طالبة الدكتوراه في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا بجامعة كولومبيا إن الهجمات على الدكتور عبده تبدو ذات دوافع عنصرية وتهدف لإرضاء السياسيين.
وقال طالب دكتوراه يهودي مسجل حاليًا في فصل عبده في جامعة كولومبيا أنه غاضب من المعاملة التي تلقاها عبده لأن “رئيسة الجامعة قامت بفصل أستاذ على منصة عامة دون فحص التفاصيل مما أدى إلى التشكيك في كفاءتها كقائدة”.
وأدى الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر إلى مقتل نحو 1200 شخص، معظمهم من الإسرائيليين، وإلى أسر أكثر من 200 آخرين تم نقلهم إلى غزة، فيما ردت إسرائيل بقصف جوي وهجوم بري في غزة أدى إلى استشهاد أكثر من 34 ألف فلسطيني، فيما وصفه نشطاء حقوق الإنسان والمحامون بـ “الإبادة الجماعية”.
وقد برزت جامعة كولومبيا كمنارة لنضالات الطلاب من أجل حقوق الفلسطينيين ومن أجل وضع حد لتواطؤ الجامعة في احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية الأمر الذي جذب متابعة حثيثة من قبل المانحين ومؤيدي إسرائيل للجامعة.
ومثل جامعات هارفارد وبنسلفانيا وبراون، واجهت جامعة كولومبيا على الدوام اتهامات بالسماح لمعاداة السامية بالازدهار في حرمها الجامعي، وبلغت هذه الاتهامات ذروتها في جلسات استماع في الكابيتول هيل.
لكن منظمة “فلسطين القانونية”، وهي المنظمة التي تحمي الحقوق الدستورية والمدنية للأمريكيين الذين يتحدثون من أجل الحرية الفلسطينية، وصفت جلسات الاستماع هذا الأسبوع بأنها ليست أكثر من مجرد “مطاردة مكارثية تستهدف الأساتذة والطلاب الذين يتحدثون علناً عن الحقوق الفلسطينية ويناهضون الإبادة الجماعية.”
وقالت المنظمة في بيان يوم الأربعاء “في المقابل، فإن الجامعات تبتلع الطعم، وتساهم في هجوم يميني أوسع على المؤسسات التعليمية وتدريس كل شيء من العنصرية النظامية عن فلسطين”.
وقال جاريد ساكس، وهو طالب دكتوراه يهودي في جامعة كولومبيا، أن الإداريين كانوا يستخدمون شبح معاداة السامية لإسكات منتقدي إسرائيل، واصفاً الأساتذة الذين كان على اطلاع على أدائهم بأنهم “معلمون مهتمون وملتزمون بمعالجة العنصرية ومعاداة السامية وكراهية الإسلام بجميع أشكالها”.
وقال ساكس: “أعلم أنهم جميعاً يقدرون الوضوح الأخلاقي لجوزيف مسعد في التمييز بين انتقادات الدولة الإسرائيلية ورفض أي تمييز ضد اليهود، هذه الملاحقة ضد هؤلاء الأساتذة الأربعة لا علاقة لها بمعاداة السامية الفعلية، بل هي مجرد عقاب لمعارضتهم المذبحة التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة”.