من الثورات إلى المصالحات! هل انتهت حقبة 2011 في الشرق الأوسط؟

من الثورات إلى المصالحات! هل انتهت حقبة 2011 في الشرق الأوسط؟

بقلم كريستوفر فيليبس

ترجمة وتحرير مريم الحمد

تقول نظرية أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، فريد هاليدي، أن الأحداث الزلزالية التي تحدث مرة كل عقد، سوف تهز أسس الجغرافيا السياسية في منطقة الشرق الأوسط، فقد أدت أزمة السويس وحرب الأيام الستة والثورة الإيرانية وحرب الخليج عام 1991 بالإضافة إلى هجمات 11 سبتمبر إلى تغيير أولويات القوى الإقليمية والدولية في الشرق الأوسط مع دخول العقد الذي يليه.

بالنظر من خلال “نقاط التحول الكبرى في التاريخ”، يرى هاليدي أن النتيجة أحياناً قد تكون الجمود، ملاحظاً كيف كان هناك قدر من الاستمرارية في كثير من الأحيان مثل التغيير، وهي الفرضية التي تأكدت بعد عام من وفاته مع اندلاع الربيع العربي عام 2011، فقد حددت الثورات وتداعياتها بالفعل السياسة الإقليمية لسنوات بعد ذلك.

يمكن القول أن حقبة 2011 تقترب من نهايتها الآن، حيث تشير التحولات الدبلوماسية الأخيرة في المنطقة، من مصالحة تركيا مع الخليجيين إلى الانفراج السعودي الإيراني وعودة سوريا لحضن الجامعة العربية، إلى أن العلاقات الدولية في الشرق الأوسط آخذة بالابتعاد عن مخرجات “عصر 2011”.

أقول “حقبة 2011” وليس “الربيع العربي”، لأن المفهوم بصورته الأولى انتهى قبل سنوات، فقد فشلت الثورات بالعموم مع مرور الوقت، إلا أن تلك الثورات ألقت بظلالها الجيوسياسية الطويلة، حيث عملت جهات إقليمية ودولية على الضغط من أجل الحصول على نتائج مختلفة في الدول التي حصلت فيها الثورات، مما أدى إلى ظهور 3 كتل تحالف إقليمية، إحداها بقيادة السعودية والإمارات والثانية بقيادة إيران والثالثة بقيادة تركيا وقطر.

إيديولوجيات غير متناسقة!

أهم نقاط ضعف هذه الكتل أنها فضفاضة وغير منسجمة إيديولوجياً إذا ما قورنت بالربيع العربي، فالإمارات والسعودية متهمتان بدعم الثورة المضادة في المنطقة، لكن الرياض ما زالت ترغب بتغيير نظام الأسد في سوريا، بالمقابل شجع الطرفان الإطاحة بمعمر القذافي في ليبيا وعلي عبد الله صالح في اليمن، وحاولا منع الإخوان المسلمين من الوصول إلى السلطة، ولكن إن جئنا للفروق الدقيقة، فالرياض تدعم جناح الإخوان الإصلاحي في اليمن.

في نفس الوقت، تركيا وقطر أخذتا التوجه نحو دعم المتظاهرين بشكل عام وفضلتا جماعة الإخوان المسلمين وغير من الإسلاميين للوجود في السلطة، لكن الدوحة كانت هادئة ساكنة بشأن ثورة البحرين البلد المجاور لها.

عملياً، بدأت نهاية الحقبة مع انتهاء حصار قطر في يناير عام 2021، الأمر الذي فتح الطريق للمصالحة بين الدوحة والرياض وأبو ظبي، وأدى لاحقاً إلى دفء في العلاقات السعودية والإماراتية مع تركيا، حليف قطر، وحتى اقترابها من النظام في مصر

أما إيران، وعلى الرغم من ادعائها دعم التوجه الثوري، إلا أنها لم تدعم سوى الثورات في الدول التي تعرض حلفاؤها فيها لتهديد أعدائها، من السعوديين والإسرائيليين والأمريكيين، مثل مصر واليمن، وفي المقابل دعمت القمع الذي قام بها به حلفاؤها مثل سوريا ولاحقاً لبنان والعراق.

على الرغم غياب التناسق الأيديولوجي، إلا أن السمة الرئيسية لتوجهات الدول جميعاً كانت التنافس مع التكتلين الآخرين كرد فعل على مخرجات الربيع العربي، فالعديد من الخصومات كانت موجودة أصلاً، ولكنها تضخمت بعد أحداث 2011، مثل العلاقة المتوترة بين الإمارات والسعودية مع إيران، وبعضها ظهر مع الربيع مثل مهاجمة الحلف الإماراتي السعودي للكتلة القطر التركية.

قبل عام 2011، اتسمت العلاقات التركية الإماراتية بالودية نسبياً، ومع ذلك دعمت أبو ظبي الانقلاب العسكري ضد حلفاء أنقرة من الإخوان المسلمين في مصر عام 2013، ومن تلك اللحظة بدأ الانقسام، فقامت كل من تركيا والإمارات بدعم الأطراف المتنافسة في الحرب الأهلية الليبية بعد مقتل القذافي، كما اشتبكتا بسبب الحصار الرباعي على قطر عام 2017، حتى أنهما قامتا بدعم الأطراف المتنازعة على السلطة في السودان والصومال.

بالحقيقة، امتدت آثار الخصومات الإقليمية هذه وغيرها إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإيران وقطر والسعودية غالباً ما تدعم أطرافاً مختلفة في الصراعات المسلحة أو التحولات السياسية في مشهد ما بعد 2011، ولذلك تعتبر التحولات الأخيرة مهمة للغاية، لأنها تشير إلى نهاية حقبة 2011 بالفعل.

بؤر توتر إقليمية

عملياً، بدأت نهاية الحقبة مع انتهاء حصار قطر في يناير عام 2021، الأمر الذي فتح الطريق للمصالحة بين الدوحة والرياض وأبو ظبي، وأدى لاحقاً إلى دفء في العلاقات السعودية والإماراتية مع تركيا، حليف قطر، وحتى اقترابها من النظام في مصر.

من جانب آخر، أدى تحول المسار في العلاقات السعودية والإماراتية مع إيران، بالإضافة إلى المشاكل الداخلية في الأخيرة، إلى تحسن العلاقات فيما بين الأطراف الثلاثة، والتي بلغت ذروتها باستعادة العلاقات عبر الوساطة الصينية بين الرياض وطهران في مارس 2023.

قد تندلع صدمة زلزالية جديدة في المنطقة، إما بإشعال خصومات قديمة، أو خلف تنافسات جديدة، أو الذهاب باتجاه جديد غير متوقع جيوسياسياً!

يبدو أن تلك التغيرات جلبت معها قبولاً لجميع الأطراف في مشهد ما بعد حقبة 2011، حتى رحبت الرياض بحليف إيران، سوريا، التي عادت لحضن الجامعة العربية، كما فتحت الرياض الطريق لتفاوض حول اليمن.

كل ذلك لا يعني أن نزاعات 2011 قد انتهت، فلا تزال سوريا وليبيا واليمن بعيدة بمراحل عن انتهاء النزاع، كما أن ذلك لا يعني ذلك بالضرورة أن الخصومات قد اصبحت فعلاً من الماضي، لكنه يشير إلى أنه تم تجاوز الوقت الذي تتحدد فيه ملامح الجغرافيا السياسية المتمثلة بعشر سنوات.

على أرض الواقع، لا تزال بؤر التوتر الإقليمية الأخيرة، مثل السودان، تجتذب التنافس الإقليمي والدولي لكنها تظل أقل تأثيراً بسبب ابتعادها إلى حد ما عن نطاق البيئة الجيوسياسية التي أطرها الربيع العربي، فاللاعبان الرئيسيان في السودان اليوم هما الحليفان، الإمارات والسعودية، فيما تراجع نفوذ إيران وتركيا.

بحسب نظرية هاليدي، فقد تندلع صدمة زلزالية جديدة في المنطقة، إما بإشعال خصومات قديمة، أو خلف تنافسات جديدة، أو الذهاب باتجاه جديد غير متوقع جيوسياسياً!

 

للاطلاع على النص الأصلي: من هنا

مقالات ذات صلة