بقلم عمر سليمان
ترجمة وتحرير مريم الحمد
بعد أقل من 3 أسابيع على تنصيبه للمرة الثانية، وجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ضربة قاضية لشعار حملته الانتخابية الأساسي “أمريكا أولاً”، وذلك بإعلانه عن “للسيطرة على غزة” وبناء “ريفييرا الشرق الأوسط”.
وقف جزار غزة، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بجانب ترامب وابتسامته عريضة من الأذن إلى الأذن، كيف لا وهو الذي قال للعالم أن هذه الخطة يمكن أن “تغير التاريخ”.
وسرعان ما طمس ترامب خطوط المساءلة عن “أعظم صديق وحليف لواشنطن في الشرق الأوسط”، بإشارته إلى أن الجيش الأمريكي هو من سيقوم بتطهير غزة وتأمينها على حد وصفه.
ولكن ما الذي يعنيه ترامب بهذه الخطة التي تبدو أقرب لفكرة مقاول؟ هل تعني إزالة 50 مليون طن من الأنقاض التي خلفتها عمليات التدمير الشامل التي نفذتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية – أم سكان غزة أنفسهم؟!
إن مجرد الاعتقاد بأن الحوافز الاقتصادية أو البنية التحتية المحسنة يمكن أن تمحو عقوداً من النضال والحرمان هي فكرة وهمية، وإنما تكشف عن انفصال كل من ترامب ونتنياهو عن الواقع
لا شك أن الإجابة الثانية ستأتي كامتداد منطقي لسياسة الإبادة الجماعية التي سنتها إسرائيل والتي أصبحت ممكنة بفضل الذخائر الأمريكية.
فإذا ما استندنا إلى شهية الشعب الإسرائيلي للإبادة الجماعية مع تعطش نتنياهو للبقاء في السلطة، فإن هناك دافعاً لاستمرار آلة القتل التي تركزت أنظارها بقوة على مليوني فلسطيني ناجين من التطهير العرقي.
قال ترامب: “أنا ملتزم بشراء وامتلاك غزة وسوف نجعلها موقعاً جيداً جداً للتنمية المستقبلية”، وفي ظل ذلك لا يمكن أن ننسى كيف كلف التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط أرواح الملايين من العرب والمسلمين، وما الفكرة الأخيرة هذه إلا التعطش المستمر للدماء، سواء كان القرار من الجمهوريين أو الديمقراطيين، ذلك أنه يغذي بالأساس المجمع الصناعي العسكري الأمريكي في جوهره.
وجهان لعملة واحدة
لقد عارضت كل من مصر والأردن بشدة اقتراح ترامب بإعادة توطين الفلسطينيين في غزة داخل حدودهما، مما يؤكد أهمية حل الدولتين، ويبقى أن نرى مدى استعداد ترامب لتطبيق نظريته حول السلام من خلال “الرخاء”.
لقد تعهد الأردن بخوض حرب مع إسرائيل إذا تم اتخاذ أي خطوات لدفع الفلسطينيين إلى أراضيه، وبعد يوم واحد فقط من إعلان ترامب، تراجع وزير الخارجية ماركو روبيو عن قراره قائلاً أن النزوح سوف يكون مؤقتاً فقط.
إن ما لا يستطيع العقل الإمبريالي الغربي استيعابه هو ذاته ما يلهم الفلسطينيين ويدفعهم، فهم لن يغادروا حتى لو عرض عليهم الذهب أو المجد، لأنهم يرون المجد الحقيقي من خلال حبهم وتضحياتهم لوطنهم بغض النظر عن حالته أو العدو الذي يواجهه
لقد أظهر كل من الرئيس السابق جو بايدن وترامب دعماً قوياً لإسرائيل على جميع المستويات من خلال المعاملة الدنيئة للشعب الفلسطيني، بدءاً من الاستيلاء على الأراضي وحتى إسقاط ما يعادل قنبلتين نوويتين على غزة.
الحقيقة أن نهجيهما هو وجهان لعملة واحدة، حيث دعمت كلتا الإدارتين حق إسرائيل في “الدفاع عن النفس” بدلاً من العزلة الدولية، وفي عهد بايدن، تمكنت إسرائيل من تجاوز الخطوط الحمراء التعسفية وتجويع سكان شمال غزة وتدمير كل جامعة في المنطقة.
من جهة أخرى، فقد أعرب كل من بايدن وترامب عن مخاوفهما حول السكان المدنيين في غزة، وبنفس الوقت تسهيل قتلهم من خلال الإمداد غير المشروط لإسرائيل بالذخائر الأمريكية.
علاوة على ذلك، فقد رحب كلاهما في واشنطن برجل متهم بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، كما قطع كلاهما التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لمساعدة الفلسطينيين في أحوج الوقت إليه.
ولا يزيد اقتراح تحويل غزة إلى وجهة سياحية الطين إلا بلة، فهو يفترض أن الأشخاص الذين نجوا من 15 شهراً من الحرب والمجاعة والنزوح لن يقوموا بإخلاء منازلهم فحسب، بل سوف يسمحون بتدنيس قبور أحبائهم المذبوحين من خلال السماح للمتعة الرأسمالية التافهة بإقامة منتجعات على الشاطئ!
إن مجرد الاعتقاد بأن الحوافز الاقتصادية أو البنية التحتية المحسنة يمكن أن تمحو عقوداً من النضال والحرمان هي فكرة وهمية، وإنما تكشف عن انفصال كل من ترامب ونتنياهو عن الواقع.
لقد قلت ذلك من قبل، وسوف أكرره هنا، فأنا أرى أنه كما لم يتمكن بايدن من القضاء على غزة، فلن يتمكن ترامب من ذلك أيضاً، خاصة وهو يعتقد أن من في غزة “يعيشون في الجحيم” ويرى أن سبب بقائهم هو أنه “لا يوجد بديل”.
إن ما لا يستطيع العقل الإمبريالي الغربي استيعابه هو ذاته ما يلهم الفلسطينيين ويدفعهم، فهم لن يغادروا حتى لو عرض عليهم الذهب أو المجد، لأنهم يرون المجد الحقيقي من خلال حبهم وتضحياتهم لوطنهم بغض النظر عن حالته أو العدو الذي يواجهه.
لقد عانى الشعب الفلسطيني من عقود من الاحتلال والحصار والقمع المنهجي، ولذلك فإن إجبارهم على ترك وطنهم سوف يكون بمثابة الانتهاك النهائي لحقهم في تقرير المصير.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)