ترجمة وتحرير موقع بالعربية
احتجزت السلطات الفرنسية لاجئًا فلسطينيًا مُنح حق اللجوء في فرنسا منذ أكثر من عام ونصف، وذلك “بطلب من دولة الاحتلال”.
ووجهت مجموعة “حرّروا علي” (Libérez Ali)، وهي مجموعة حقوقية تُطالب بالإفراج عنه، انتقادات لاذعة لما وصفته بـ “تقويض خطير لالتزامات فرنسا الدولية تجاه حماية اللاجئين”.
وبحسب المجموعة فإن الفلسطيني المعروف باسم “علي” معتقل رهن الحبس الاحتياطي في السجون الفرنسية منذ توقيفه في مايو/أيار 2024، بعدما أحالت سلطات دولة الاحتلال اتهامات بحقه إلى السلطات الفرنسية.
وكان علي قد أُبعد قسرًا عن الأراضي المحتلة عام 2014، بعد أن تعرّض للاعتقال عدة مرات دون توجيه أي تهم.
وعلى مدى قرابة عشر سنوات، أقام علي في فرنسا حيث مُنح حق اللجوء وحظي بوضع اللاجئ، قبل أن يُعاد اعتقاله في ظروف وُصفت بالعنيفة.
وذكرت مجموعة “حرّروا علي” أن الشرطة الفرنسية داهمت، فجر 28 مايو/أيار 2024، منزل عائلته وكسرت باب الشقة، وألحقت أضرارًا بسيارة زوجته وعبثت بمحتويات المنزل بما في ذلك غرف الأطفال.
وأضافت أن علي وزوجته اعتُقلا “بعنف” أمام أطفالهما القُصّر، وجرى احتجاز زوجته لساعات طويلة، تعرّضت خلالها لتهديدات بالسجن وسحب حضانة الأطفال، رغم أنها لم تُحل لاحقًا إلى أي إجراء قضائي.
وأوضحت المجموعة أن علي، الذي لا يملك أي سجل جنائي أو نزاعات قانونية في فرنسا، أُوقف بموجب تشريعات “مكافحة الإرهاب” بعد أشهر من المراقبة الأمنية.
سحب صفة اللجوء
وبحسب المجموعة، فقد سُحبت من علي صفة اللاجئ بدعوى أنه يشكّل “تهديدًا للأمن القومي”، رغم أنه لم يُحاكم بعد، ورغم أن القانون الفرنسي يكفل مبدأ قرينة البراءة.
ووصفت المجموعة ما جرى مع الفلسطيني بأنه “أمر بالغ الخطورة”، قائلة أنه يمثل “خيانة كاملة لتعهدات فرنسا بحماية اللاجئين”.
وقالت المتحدثة باسم المجموعة، في تصريح لموقع “لو ميديا” إن منح فرنسا صفة اللجوء لعلي يعني اعترافها بأن دولة الاحتلال كانت تضطهده لسنوات، “لكن فرنسا اليوم، وبمجرد أن قدمت دولة الاحتلال اتهامات ضده، اختارت أن تتعامل مع هذه الاتهامات وتُجرّم وجوده على أراضيها، بدل أن تحميه من ذات الدولة التي اضطهدته”.
وحذّرت المتحدثة من أن تراجع فرنسا عن هذا النوع من الالتزامات، استنادًا إلى علاقات “التواطؤ أو الصداقة أو القرب” مع أنظمة تُمارس الاضطهاد في بلدانها، يشكّل “سابقة مقلقة للغاية”.
ولا تزال طبيعة الاتهامات الموجهة إلى علي غير معروفة، حيث قالت المجموعة إنها اختارت عدم نشرها “حتى لا تضفي أي شرعية على دولة الاحتلال، في ظل ما تشهده الساحة الدولية من أحداث جسيمة، والكمّ الهائل من الاتهامات الموجهة إلى دولة الاحتلال أمام هيئات القانون الدولي”.
ويُشار إلى أن دولة الاحتلال متهمة أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب جريمة إبادة جماعية في حربها على غزة، كما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف بحق قادتها بتهم تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
احتجاز في سجون عالية الخطورة
ويقضي علي حاليًا فترة اعتقاله في سجن أوزني بمنطقة فال دواز قرب باريس، وكان قد أُمضي أربعة أشهر في “وحدة تقييم التطرف” بسجن فاندان-لو-فييل شديد الحراسة، وهو مرفق أثار انتقادات المراقب العام لأماكن الحرمان من الحرية في فرنسا، بسبب ما وُصف بانتهاكات للحقوق الأساسية للمحتجزين.
ورُفض الطلب الأول لإطلاق سراح مشروط لعلي، قبل أن يتقدم محاموه باستئناف، إلا أن المحكمة قضت بعدم اختصاصها للنظر في القضية.
من مخيم بلاطة إلى سجون الاحتلال
وُلد علي في مخيم بلاطة للاجئين قرب نابلس في الضفة الغربية المحتلة، حيث لجأت عائلته بعد تهجيرها القسري من مدينة يافا خلال نكبة عام 1948.
وعندما كان في الرابعة عشرة من عمره، شهد علي استشهاد شقيقه البالغ ثماني سنوات، بعدما أطلق عليه جندي من جيش الاحتلال النار في صدره.
وفي سن السادسة عشرة، اعتقله جيش الاحتلال خلال مداهمة لمنزل عائلته، وقصى في الأسر عامًا كاملًا رهن “الاعتقال الإداري”، وهو نظام يُتيح لدولة الاحتلال احتجاز الفلسطينيين إلى أجل غير مسمى دون تهمة أو محاكمة.
وحُكم على علي لاحقاً بالسجن أربع سنوات بتهمة “إلقاء الحجارة”، ثم اعتُقل ثلاث مرات إضافية دون محاكمة أو تهمة، لفترات بلغت 12 و14 وتسعة أشهر على التوالي، وفي كل مرة، أُفرج عنه دون توجيه أي اتهام رسمي.
وخلال فترة اعتقاله الثالثة، توفي والده إثر جلطة دماغية بعدما تلقى معلومات خاطئة تفيد بأن ابنه استشهد في السجن.
وتقول مجموعة “حرّروا علي” إن سلطات دولة الاحتلال تعمّدت تأخير الإفراج عنه لمنعه من حضور جنازة والده.
وفي عام 2014، أبعدت دولة الاحتلال علياً قسرًا، وبعد عامين، اعتُقل في مدينة باري الإيطالية بناءً على اتهامات قدمتها سلطات الاحتلال، إلا أن القاضي أمر بالإفراج عنه بعد أيام، لعدم ارتباط تلك الاتهامات بأي نشاط على الأراضي الإيطالية.
ورغم ذلك، نُقل علي مباشرة إلى مركز احتجاز للمهاجرين، حيث بقي ستة أشهر، قبل أن تقرر الحكومة الإيطالية الإفراج عنه، وتقدّم له اعتذارًا رسميًا، وتمنحه صفة اللاجئ وتعويضًا ماليًا، بفضل تدخل محامين وسفارة فلسطين ومنظمات حقوقية.
لكن علي رفض العرض، وغادر إيطاليا ليستقر في فرنسا، حيث عمل في عدة وظائف وأنشأ عائلة.
تبعات إنسانية قاسية
وبعد أسابيع من اعتقاله في فرنسا، شُخّصت زوجته بإصابة بسرطان شديد العدوانية انتشر بسرعة كبيرة، وقال طبيبها إن التوتر النفسي الحاد قد يكون أحد مسبباته، كما يعاني أطفال العائلة من أشكال حادة من القلق منذ اقتحام الشرطة منزلهم واعتقال والدهم.
وأدانت مجموعة “حرّروا علي” طريقة تنفيذ المداهمة، مؤكدة أنها كانت “خيارًا سياسيًا”، حيث قالت المتحدثة باسم المجموعة: “كان بإمكانهم استدعاء علي إلى مركز الشرطة، وكان بإمكانهم حماية الأطفال والعائلة، لكنهم اختاروا عدم القيام بذلك”.
وشددت على أن اتهامات الاحتلال الموجهة إلى علي في فرنسا “ليست سوى امتداد مباشر لاضطهاد تمارسه دولة استعمارية بحق فلسطيني، يجد نفسه، حتى بعد نفيه القسري وابتعاده عن وطنه، ملاحقًا من الدولة نفسها، وبواسطة القضاء الفرنسي الذي يتصرف كشريك في هذا الاضطهاد”.
مخاوف من الترحيل والتجريم
وبعد أن كانت المجموعة الحقوقية تُفضّل إبقاء القضية بعيدًا عن الإعلام لضمان مسارها القانوني، قررت اللجوء إلى الرأي العام عبر إطلاق عريضة إلكترونية، إثر ما وصفته بـ “ضغوط سياسية قوية” على السلطات القضائية.
وتطالب المجموعة بالإفراج الفوري عن علي، وضمان استعادة وضعه كلاجئ، حتى لا يصبح في وضع قانوني غير نظامي في حال إطلاق سراحه، إضافة إلى وقف الملاحقات القائمة على اتهامات دولة الاحتلال، وحمايته من أي مخطط للترحيل أو التسليم.
وحذّرت من أن تسليمه إلى دولة الاحتلال سيكون بمثابة “توقيع على حكم إعدامه البطيء داخل سجونها”، في ظل تصاعد اقتحامات جيش الاحتلال والمستوطنين في الضفة الغربية، وتزايد التقارير، بما فيها تقارير أممية، توثق الاستخدام المنهجي للتعذيب وارتفاع أعداد الأسرى الفلسطينيين الذين قضوا شهداء داخل السجون.
كما نددت المجموعة بما وصفته “تجريم وجود الفلسطينيين في الدول الأوروبية”، مؤكدة أن قضية علي “ليست حالة استثنائية”، بل تأتي ضمن مسارين قانونيين يُستخدمان لهذا الغرض هما قوانين الإقامة والهجرة، وتشريعات “مكافحة الإرهاب”، وقد جرى توظيفهما معًا في هذه القضية.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)







