من معاداة السامية إلى كراهية الإسلام.. كيف تحالفت الصهيونية مع اليمين البريطاني المتطرف؟

بقلم غابرييل بولي

ترجمة وتحرير نجاح خاطر

التزاوج الغريب بين نزعات التفوّق العرقي وكراهية الإسلام هو بالضبط ما جمع بين أعداء الأمس وحلفاء اليوم، ففي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، ألقى الناشط البريطاني المناهض للهجرة ستيفن ياكزلي-لينون، المعروف باسم تومي روبنسون، خطابًا في تل أبيب، أمام حشدٍ احتفى به كما لو كان أحد رموز “المعركة ضد الإسلام”، في مشهدٍ يكشف التحول العميق في علاقة اليمين البريطاني المتطرف بـ”دولة الاحتلال”.

عندما بدأ المؤرخ غراهام ماكلين كتابة كتابه “القادة الفاشلون.. تاريخ اليمين المتطرف في بريطانيا” عام 2020، لم يكن يدرك مدى ارتباط ذلك بما سيشهده المشهد السياسي لاحقًا.

فخلال الشهور الأخيرة، شهدت المدن البريطانية موجات من الاحتجاج أمام الفنادق التي تؤوي طالبي اللجوء، بينما كانت أعلام “سانت جورج” و”الاتحاد” تخفق في مسيرات تُعلن أنه “لا مكان للإسلام في أوروبا” دون أي ردٍّ يُذكر من الحكومة العمالية.

ورغم تقديم مظاهرة “وحّدوا المملكة” على أنها استعراض للوطنية البريطانية، إلا أن أعلام دولة الاحتلال كانت حاضرة أيضًا، ترافقها شتائم بذيئة ضد الفلسطينيين والمتضامنين معهم، وفي مشهد عبثي، أقدمت مجموعة من الماوريين المنتمين إلى كنيسة متشددة صغيرة في نيوزيلندا على تمزيق العلم الفلسطيني وسط هتاف الحشود، في تناقضٍ صارخ مع الموقف التقليدي للماوريين الداعم لفلسطين.
غير أن ذلك يتماشى مع الموقف المتعصب المؤيد للاحتلال الذي يتبناه روبنسون، مؤسس حركة “وحّدوا المملكة”.

مؤخرًا، تلقى روبنسون دعوة رسمية من وزير الشتات في دولة الاحتلال، أميخاي شيكلي، لزيارة تل أبيب، وهي الزيارة التي أجّلت محاكمته في بريطانيا بتهم تتعلق بالإرهاب.

وقد سعى شيكلي خلال الأعوام الماضية إلى بناء علاقات وثيقة مع رموز اليمين المتطرف الغربي، مثل روبنسون، في تجسيدٍ لتحولٍ أعمق جرى خلال العقدين الماضيين، فالأحزاب والحركات التي كانت تزدري “إسرائيل” وتصفها بـ”المؤامرة اليهودية”، بل وتُبدي أحيانًا تعاطفًا مع الفلسطينيين، أصبحت اليوم من أشدّ أنصار دولة الاحتلال.

من معاداة السامية إلى كراهية الإسلام

وتُظهر قراءة تاريخية في كتاب ماكلين كيف انتقل اليمين المتطرف من معاداة اليهود إلى تبني خطابٍ يناصر “إسرائيل” باسم “الحضارة الغربية”، فمنذ ثلاثينيات القرن الماضي، وفي ذروة الفاشية، مرورًا بحزبي الجبهة الوطنية والحزب القومي البريطاني في السبعينيات والتسعينيات، كان ما يسمى بـ”معاداة الصهيونية” عند هؤلاء لا يعني دعم الفلسطينيين، بل كراهية اليهود أنفسهم.
لقد كانوا يعتمدون على “بروتوكولات حكماء صهيون”، الوثيقة الزائفة التي روّج لها النازيون، لتبرير خطابٍ يدّعي وجود “مؤامرة يهودية للهيمنة على العالم”.

لكن في بعض الأحيان، أخذ اليمين المتطرف يلتفت إلى فلسطين من زاوية أخرى، ففي عام 1938، وأثناء الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاستعمار البريطاني، نشر أرنولد ليس مؤسس “الرابطة الفاشية الإمبراطورية” كتيّبًا بعنوان “الشيطنة في الأرض المقدسة”.

لم يذكر المؤلف حق الفلسطينيين في أرضهم إلا عابرًا، بل امتلأ الكتيب بخرافاتٍ عنصرية، وانتهى بلا مواربة بعرض شعار النازية (الصليب المعقوف).

وفي المقابل، كانت حكومات دولة الاحتلال المتعاقبة ترحّب بتحوّل بلادها إلى منبرٍ يجذب العنصريين وكارهي الإسلام حول العالم، ما مهّد لتحالفٍ غير متوقع بين اليمين المتطرف والاحتلال.

العمى الأيديولوجي لليسار القديم

كانت العلاقة المعاكسة واضحة أيضًا، ففي خمسينات وستينات القرن الماضي، تبنّى كثير من المثقفين اليساريين في الغرب رواية دولة الاحتلال عن “المجتمع الاشتراكي الجديد” الذي يبنيه “اليهود الخارجون من المحرقة”، دون أن يروا أن تلك الكيبوتسات أُقيمت على أراضٍ فلسطينية سُلبت من أصحابها.

وفي تلك المرحلة، رفع اليمين المتطرف البريطاني شعارًا بدا غريبًا: “بريطانيا للبريطانيين، وفلسطين للفلسطينيين”، لكن ذلك لم يكن بدافع مناصرة القضية الفلسطينية، بل من منطلق قومي انعزالي عنصري، يطالب بطرد المهاجرين السود والآسيويين من بريطانيا.

وخلال السبعينات والثمانينات، كانت الدوافع الدينية غائبة تقريبًا عن خطاب اليمين المتطرف، كما يوضح ماكلين، إذ قال مؤسس الحزب القومي البريطاني جون تيندال لمناصريه إنه لا يرى في الإسلام تهديدًا لبريطانيا، بل في “المجموعات العرقية التي جلبته إلى هنا”.

في تلك الأثناء، كانت سياسات دولة الاحتلال نفسها تشهد تحولًا جذريًا، فبعد عام 1967، تخلّت الدولة العبرية عن أي مظهر تقدمي، وأقامت تحالفًا وثيقًا مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، الذي كان يُعتبر النموذج المُلهم لأنصار التفوق الأبيض في بريطانيا.

ورغم ذلك، استمر سحر “الكيبوتسات” في اجتذاب المتعاطفين الغربيين حتى التسعينات، في وقتٍ كانت فيه حركة التحرر الفلسطينية تكتسب زخمًا في أوساط اليسار الأوروبي.

أما اليمين المتطرف، فقد أعاد تشكيل نفسه في التسعينات والألفية الجديدة، إذ تراجع رموز النازية العلنية مثل تيندال، ليحل محلهم قادة أكثر “واقعية” مثل نيك غريفين، زعيم الحزب القومي البريطاني، الذي ورث نفس الجذور الفكرية العنصرية، لكن بوجهٍ أقل تطرفًا في المظهر العام.

من “المؤامرة اليهودية” إلى “الخطر الإسلامي”

ومع اندلاع “الحرب على الإرهاب” عقب غزو أفغانستان والعراق، وجد اليمين البريطاني المتطرف عدوًّا جديدًا يوحد صفوفه، إنه الإسلام والمسلمون، فلم تعد “المؤامرة اليهودية” محور دعايته، بل تحوّل الخطاب إلى “صراع الحضارة الغربية ضد الإسلام”.

لم يجد هذا التحول أي تناقض بين كراهية الإسلام وبين التعاطف مع دولة الاحتلال فكلاهما، في نظرهم، يقف في خندقٍ واحد ضد “التهديد الإسلامي”، وقد عبّر غريفين صراحة عن ارتياحه لأن “وجود دولة الاحتلال، نتيجة طرد الفلسطينيين، يعني أن عدد اليهود في أوروبا بات أقل”.

لقد أثبتت الإسلاموفوبيا أنها وقودٌ فعّال للانتشار السياسي، ففي عام 2009، وصف غريفين الإسلام بأنه “دين شرير وخبيث”، وظهر في برنامج “كويستشن تايم” الشهير على “بي بي سي”، ثم حصد حزبه في انتخابات 2010 أكثر من 560 ألف صوت، وهو أكبر نجاح انتخابي لليمين المتطرف في تاريخ بريطانيا قبل أن يتهاوى سريعًا بعد ذلك.

في تلك اللحظة، كان تومي روبنسون يستعد لملء الفراغ، فالرجل الذي انتمى سابقًا للحزب القومي البريطاني، أسس رابطة الدفاع الإنجليزية (EDL)، لتكون أول حركةٍ يمينية متطرفة تجعل من كراهية الإسلام قضيتها المركزية.
لقد تحوّل خطابها من “خطر اليهود” إلى “خطر المسلمين”، مقدِّمة نفسها كدرعٍ لـ”الحضارة الغربية” في مواجهة “الإسلاموية”.

ومع اتساع هذا الخطاب، توثقت علاقة روبنسون بدولة الاحتلال؛ ففي عام 2016 زار تل أبيب والمستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة وهضبة الجولان، وخلال الإبادة الجماعية في غزة، صعّد من خطابه، واعتبر التظاهرات المؤيدة لفلسطين في لندن “استيلاءً على عاصمتنا”، وها هو يعود اليوم لزيارة دولة الاحتلال من جديد.

تُظهر القراءة التاريخية أن علاقة اليمين البريطاني المتطرف بدولة الاحتلال ليست تحالفًا عقائديًا متجذرًا، بل زواج مصلحة مؤقت.
فمن رحم ثقافةٍ مشبعة بمعاداة السامية، خرج جيلٌ جديد من المتطرفين وجد في كراهية الإسلام قاسماً مشتركاً مع دولة الاحتلال، فتحوّل العداء القديم إلى تحالفٍ جديد.

أما دولة الاحتلال نفسها، فقد فتحت ذراعيها للعنصريين وكارهي الإسلام حول العالم، وسمحت بأن تتحول إلى رمزٍ يجتمع تحته دعاة التفوق الأبيض وأنصار الإسلاموفوبيا من الغرب إلى أقصى اليمين الأوروبي.

لقد جمعتهم عقيدة واحدة قوامها تفوق العِرق وهيمنة القوة، فتحوّل أعداء الأمس إلى أصدقاء تجمعهم الكراهية ذاتها.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة