من نابلس إلى نابولي.. عندما تروي الجداريات في إيطاليا قصة المقاومة في فلسطين! 

بقلم فيتوريا فولجاري ديتالي

ترجمة وتحرير مريم الحمد

في إحدى أزقة المركز التاريخي لمدينة نابولي الإيطالية، توجد لوحة جدارية تصور جنديين يرتديان الزي العسكري ويتسلقان سلماً يؤدي إلى نافذة سيدة مسنة، تطردهم عبر دلو من الماء، ومن حبل غسيلها يتدلى العلم الفلسطيني بدلاً من الملابس، صورة من تصميم الإيطالي إدوارد كاستالدو، الذي يحترف ما يسمى فن الشارع لرفع الوعي بالقضية الفلسطينية.

لقد جاء إلهام كاستالدو من صور التقطها في الضفة الغربية، وكأن الجنديين إسرائيليين في الضفة التي تمثلها شرفة السيدة المسنة، وفي زقاق آخر، صور كاستالدو لوحة جدارية لوجوه الفلسطينيين الذين قابلهم عند نقطة تفتيش إسرائيلية، وكأن وجوههم محاصرة خلف قضبان أشبه بالسجون.

على مدى سنوات، تطورت علاقة خاصة بين مدينة نابولي الإيطالية وفلسطين، وذلك من خلال أشكال عديدة من التضامن عبر فن المقاومة والمنظمات الثقافية والدعوة لحقوق الفلسطينيين.

نشاط شبابي

كاستالدو مشهور في أنحاء إيطاليا بسبب لوحاته التضامنية، خاصة مع تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي، فهو يستلهم أفكاره من صور الأشخاص الذين قابلهم، خلال سنوات حياته منذ أن جاء إلى نابولي وهو ابن 18 عاماً للدراسة الجامعية.

خلال حياته الجامعية، حرص كاستالدو على  التواصل مع المجتمع الفلسطيني المحلي من طلاب جاءوا للدراسة في إيطاليا في السبعينات، خاصة وأنهم لعبوا دوراً مهماً في زيادة الوعي حول وطنهم داخل الأوساط الأكاديمية، الأمر الذي ساهم في تعزيز الروابط بين نابولي وفلسطين.

توثيق المعاناة بالصور

 في نفس الفترة، اكتشف كاستالدو شغفه في التصوير الفوتوغرافي، وفي عام 2007، قرر كاستالدو تغيير حياته والانتقال إلى مدينة رام الله بالضفة الغربية، ومنها تحرك نحو القاهرة لتصوير أحداث الثورة هناك، حتى حصل على جائزة World Press Photo عام 2012.

عام 2009، شهد كاستالدو عملية “الرصاص المصبوب” الذي شنته القوات الإسرائيلية على غزة لمدة 3 أسابيع أسفرت عن تدمير البنية التحتية وعن 1400 من الضحايا الفلسطينيين.

“عشرات من الآباء فخورين بتعلم أطفالهم لحمل الرشاشات واستخدام القذائف، كان على الأطفال إطلاق النار على عرب وهميين، مقدار العنف الذي شاهدته لا يطاق، كنت مبتسماً في وجهي يومها ولكن الموت كان في قلبي” – إدوارد كاستالدو- فنان إيطالي

خلال كل تلك المدة، كانت رسالة كاستالدو متمثلة في توثيق معاناة الناس من خلال صوره، على سبيل المثال، يذكر كاستالدو أنه التقط صورة لإمرأة في غزة وسط أنقاض منزلها مع زوجها وأطفالها في أعقاب القصف، ولكنه كان يتردد في استخدام الصور أحياناًَ خوفاً من التلاعب بالسرد غفي الإعلام في بعض الأحيان.

التصوير لنشر الوعي

عام 2015، كان العام الذي حدثت فيه نقطة تحول رئيسية في حياة كاستالدو، عندما دعاه زميله لوسيانو فيرارا، لعرض أعماله في قلب مدينة نابولي، في مساحة فريدة من نوعها، مليئة بالآثار ومختلفة عن المعارض التقليدية.

ومن هنا، أخذ كاستالدو بعرض صوره في وسط نابولي لمدة 8 سنوات، شعر فيها بالتحرر وازدادت ثقته بأنه يمكنه استخدام فن التصوير لديه في رفع الوعي بالقضية الفلسطينية أو غيرها من القضايا التي كان يهتم بها.

عام 2021، قرر كاستالدو نشر صور التقطها عام 2009 من قاعدة عسكرية إسرائيلية خلال احتفال عائلات الجنود، وعلق على تلك الصور في صفحته في الانستغرام بالقول “عشرات من الآباء فخورين بتعلم أطفالهم لحمل الرشاشات واستخدام القذائف، كان على الأطفال إطلاق النار على عرب وهميين، مقدار العنف الذي شاهدته لا يطاق، كنت مبتسماً في وجهي يومها ولكن الموت كان في قلبي”.

الفنانة الهولندية النابولية الشهيرة، جوريت، ألقي القبض عليها في بيت لحم عام 2018 بسبب رسمها لوجه عهد التميمي على طول الجدار الفاصل

لم يشارك كاستالدو عمله من فلسطين إلا بعد 12 عاماً من بدء التقاط الصور، وذلك بعد 2009 تحديداً، بعد تصوير احتفالية الإسرائيليين لأنه أدرك أن هؤلاء الأطفال أصبحوا الجنود المسؤولين عن قتل الفلسطينيين فيما بعد.

لقد ساعد قراره بنشر صوره عن معاناة الفلسطينيين برؤيته للتأثير القوي الذي أحدتثه صوره، وكيف أن نشرها أداة مهمة لزيادة الوعي بمحنة الفلسطينيين.

النقاش من خلال الفن

امتد أثر أعمال كاستالدو إلى خارج نابولي في بلدان أخرى في أوروبا، فخلال زيارة له إلى ألمانيا، قام بتغيير رقمي لوحة إعلان أرماني إلى  أحمر الشفاه، كما قام بتغطية العراضة في الإعلان بكوفية باللونين الأبيض والأسود، وكتب “جورجيو أرماني لفلسطين”، الكثيرون اعتقدوا أنها لوحة جدارية من الأساس وليس بوستر إعلاني!

هذا سر نجاح كاستالدو، قدرته على فتح باب النقاش من خلال فنه، وتحفيز فنانين آخرين على ذات النهج، فالفنانة الهولندية النابولية الشهيرة، جوريت، والتي ألقي القبض عليها في بيت لحم عام 2018 بسبب رسمها لوجه عهد التميمي على طول الجدار الفاصل، قامت أيضاً بتزيين نابولي بجداريات مؤيدة لفلسطين.

“لقد استخدمنا الطعام والسينما والأدب والمسرح من أجل الترويج لفلسطين في نابولي” – عمر سليمان-فلسطيني مقيم في نابولي

في إحدى ضواحي نابولي، هناك مبنى من 5 طوابق يظهر على جدار كامل منه وجه صبي يرتدي كوفية ويحدق من ثقب باب، مما يرمز إلى مفتاح العودة الفلسطيني، وفي جدارية أخرى، ترتدي قديسة إيطالية الكوفية مع انعكاس لأعلام جنوب أفريقيا وفلسطين في عينيها، ومرة أخرى، مفتاح العودة في أحد أركان اللوحة. 

نابولي متضامنة مع فلسطين

يمتد دعم القضية الفلسطينية في نابولي إلى أبعد من فن الشوارع، فالمؤسسات الأكاديمية والمنظمات الثقافية وجماعات التضامن تنشط في التضامن مع حقوق الفلسطينيين، حتى أنه من المثير للاهتمام أن اسم نابلس مشتق من الكلمة اليونانية نابوليس أي المدينة الجديدة، وهو نفس معنى كلمة نابولي بالإيطالية.

يتجلى دعم نابولي من خلال شراكتها مع مدينة نابلس، من خلال التبادل الثقافي والتعليمي، فلم تغلق أي إدارة في نابولي أبوابها في وجه المجتمع الفلسطيني، بحسب شهادة الفلسطيني المقيم في المدينة الإيطالية منذ السبعينات، عمر سليمان، فقد جاء بهدف الدراسة ثم العودة، حتى وجد لنفسه في نابولي موطناً ثانياً.

يوجد اليوم حوالي 80 فلسطيني في مدينة نابولي، أما بالنسبة لسليمان، فقد افتتح مقهى في أوائل التسعينات في المدينة بالقرب من مركز المدينة ولوحات كاستالدو، وبعد عدة سنوات، افتتح مطعماً لبيع المأكولات الفلسطينية، كما شارك في تنظيم أول مهرجان فلسطيني في المدينة، يقول سليمان “لقد استخدمنا الطعام والسينما والأدب والمسرح من أجل الترويج لفلسطين في نابولي”.

على الرغم من مضي 40 عاماً على وجود سليمان في نابولي، إلا أنه لا ينسى وطنه فلسطين ولا الاهتمام بنشر الوعي في القضية الفلسطينية، فهو كالكثير من الفلسطينيين في الغربة، أمر متأصل في داخله، يقول سليمان “إذا كان لديك إحساس بأهمية الحرية والعدالة، فلا يمكنك أن تكون فلسطينياً ولا تشعر بالقيد في وطنك”.

للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة