من هم شباب “جيل زد 212” الذين أشعلوا احتجاجات المغرب؟

يشهد المغرب منذ عدة أيام واحدة من أوسع موجات الغضب الشعبي التي يقودها الشباب، والتي انتقلت من العالم الافتراضي إلى الشارع، مطالبة بإصلاح التعليم والصحة وإنهاء الفساد المستشري في مفاصل الدولة.

فمنذ يوم السبت الماضي، عمّت تظاهرات حاشدة عدداً من المدن المغربية، رغم قرار السلطات حظر التظاهر، وعلى مدى الأيام الثلاثة الأولى، التزمت المسيرات الطابع السلمي، وهو مبدأ شدّد المتظاهرون مراراً على التمسك به. 

لكن يوم الثلاثاء الماضي شهد مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن في مدن عدة، وسرعان ما تصاعدت لتؤدي إلى مقتل ثلاثة شبان برصاص الشرطة، وإصابة المئات بجروح متفاوتة.

ومع استمرار الغضب، أعلنت السلطات عن اعتقال المئات، ففي العاصمة الرباط وحدها تم توقيف أكثر من 200 متظاهر خلال الأيام الأولى، ليرتفع العدد لاحقاً إلى أكثر من 400 معتقل ستتم محاكمة أكثر من 130 منهم على خلفية الأحداث الأخيرة.

إدانات حقوقية ومعارضة سياسية

ولقي أسلوب السلطات في التعامل مع المتظاهرين انتقادات واسعة، حيث اتهمت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) الحكومة باستخدام “العنف المنهجي” ضد شباب “كانوا يتظاهرون سلمياً”، ونددت بما وصفته بـ”المقاربة الأمنية البحتة تجاه المطالب الاجتماعية”.

كما عبّرت أحزاب معارضة، من بينها حزب العدالة والتنمية وفيدرالية اليسار الديمقراطي، عن رفضها لسياسة القمع، محمّلة الحكومة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع.

ولم تصدر الحكومة أي تعليق رسمي في البداية، لكن بعد ثلاثة أيام من التزام الصمت، خرجت مساء الثلاثاء ببيان قالت فيه إنها “استمعت وفهمت المطالب الاجتماعية” للشباب المتظاهرين، وأبدت “استعدادها للتجاوب بشكل إيجابي ومسؤول”. 

كما سمحت الحكومة للمرة الأولى بتنظيم تظاهرات يوم الأربعاء، وهو اليوم الذي دوّت فيه هتافات مطالبة برحيل رئيس الوزراء عزيز أخنوش.

“جيل زد 212”.. الميلاد والملامح

ويقف خلف هذه التعبئة غير المسبوقة تجمع شبابي جديد انبثق من رحم الفضاء الرقمي، يطلق على نفسه اسم “جيل زد 212″، وهو مجموعة وُلدت على الإنترنت، وتحوّلت سريعاً إلى قوة اجتماعية تفرض حضورها في الشارع.

ظهرت الحركة لأول مرة في 18 سبتمبر/أيلول عبر دعوات للاحتجاج على منصات التواصل مثل “ديسكورد”، وعرّفت نفسها بأنها “فضاء للنقاش حول قضايا تهم جميع المواطنين، مثل الصحة والتعليم ومحاربة الفساد”.

وقد اختار “جيل زد 212” أن يقدّم نفسه كحركة سلمية تلتزم بمبدأ اللاعنف، مؤكداً مراراً أسفه على اندلاع المواجهات الأخيرة. 

ويحمل اسم الحركة دلالة رمزية: “212” هو رمز الهاتف الدولي للمغرب، و”جيل زد” هو جيل الشباب المولود بين أواخر التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية.

خلال أقل من أسبوعين، ارتفع عدد أعضاء المجموعة من أقل من ألف عند التأسيس إلى أكثر من 120 ألفاً بعد ثلاثة أيام فقط، وهي حركة بلا قيادة معلنة، تعمل بشكل لامركزي عبر منتديات حوار مقسّمة حسب المناطق، وتتواصل بالأساس عبر المنصات الرقمية.

ويرى الباحث السياسي المغربي عزيز شهير أن “غياب المركزية في التنظيم يمنح الحركة ميزة استراتيجية، إذ يسمح لها بكسب حلفاء محلياً ودولياً عبر لغة عابرة للحدود تستند إلى قيم العدالة والكرامة والاعتراف بالحقوق، قابلة للتكيّف مع سياقات محلية مختلفة”.

أما محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، فيعتبر أن “الطابع المجهول للحركة يشكّل تحدياً للسلطات، إذ يجعل من الصعب التفاوض معها أو احتواؤها، لأن أحداً لا يعرف من هم قادتها”.

مطالب “جيل زد 212”

ترفع الحركة شعارات أساسية واضحة هي “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، و”الشعب يريد إسقاط الفساد”، وتؤكد أن هدفها هو “الإصلاح والتنمية في إطار الدولة المغربية ومؤسساتها”.

كما تطالب السلطات بإعطاء الأولوية للتعليم والصحة وفرص العمل ومحاربة الفساد، إضافة إلى ضمان كرامة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية الحقيقية.

وتأتي هذه المطالب في ظل مناخ اجتماعي متوتر وتراكم سنوات من تدهور الخدمات العامة، في بلد تُعد فيه الفوارق الاجتماعية من أبرز التحديات التي تثقل كاهل الشباب والنساء.

ويشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاماً نحو ربع سكان المغرب، لكنهم من أكثر الفئات هشاشة، إذ تصل نسبة البطالة بينهم في المدن إلى قرابة 50%، وفي الوقت نفسه، يرزح المواطنون تحت وطأة ارتفاع أسعار السلع الأساسية.

شرارة الغضب

تعود بواعث الحراك إلى أوائل سبتمبر/أيلول، حين فجرت مأساة صحية الغضب الشعبي، بعدما توفيت ثماني نساء حوامل إثر عمليات قيصرية في مستشفى عمومي بمدينة أغادير، ما أشعل احتجاجات في عدد من المدن للتنديد بوضع القطاع الصحي.

وعبّر أعضاء “جيل زد 212” عن رفضهم لسياسات الحكومة، قائلين عبر منصة “ديسكورد”:
“نريد بلداً لكل المغاربة للمرضى، للأميين، للعاطلين والفقراء، لا منصة للسياسيين أصحاب البطون الممتلئة، نحتاج إلى قادة يخدمون الشعب، لا مصالحهم الخاصة.”

كما انتقد المتظاهرون ضخامة الاستثمارات الحكومية في البنية التحتية الخاصة بكرة القدم، في وقت تستعد البلاد لاستضافة كأس أمم إفريقيا العام المقبل والمشاركة في تنظيم كأس العالم 2030. 

وكانت الحكومة قد أعلنت عن تخصيص أكثر من 5 مليارات دولار لهذه المشاريع، في حين تعاني المستشفيات والمدارس من عجز كبير.

ورفع المحتجون شعارات مثل: “الصحة أولاً، لا نريد المونديال” وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية إلى أن نسبة الأطباء في المغرب لا تتجاوز 8 أطباء لكل 10 آلاف شخص، وهو أقل بكثير من المعدل الموصى به عالمياً والبالغ 25 طبيباً لكل 10 آلاف شخص.

موقف سياسي أم حركة مستقلة؟

ورغم الشبه مع حركة 20 فبراير التي برزت عام 2011 في سياق الربيع العربي، تؤكد “جيل زد 212” أنها لا ترتبط بأي حزب أو نقابة، وأنها مستقلة تماماً عن العمل السياسي التقليدي.

ونشرت الحركة بياناً عبر “ديسكورد” جاء فيه: “لسنا ضد الملكية، ولا ضد جلالة الملك محمد السادس”.

لكن بعض المشاركين في التظاهرات ينتمون إلى تيارات يسارية أو حركات اجتماعية معروفة، مثل فاروق المهدوي، الكاتب الوطني لشبيبة الحزب الاشتراكي الموحد، وعبد الحميد أمين، الرئيس السابق للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، ما دفع الحركة للتحذير من محاولات “التجيير السياسي”.

أي مستقبل للحركة؟

يرى الباحث السياسي عزيز شهير أن “التحدي الأكبر أمام جيل زد 212 هو القمع الأمني من سلطة تسعى إلى إبقاء المجال السياسي مغلقاً، وترفض الاعتراف بظهور فاعل جديد في الساحة”.

ويضيف أن “استراتيجية الإنكار” التي تعتمدها السلطات قد تؤدي إلى مزيد من الراديكالية، بينما تحاول الحكومة في المقابل تصوير الحركة كتهديد للأمن العام.

ورغم أن وتيرة التظاهرات قد تخفّ إلا أن الحركة حققت بالفعل أثراً كبيراً، إذ شوّهت الصورة التي حاول المغرب ترويجها كدولة مستقرة وحديثة تستعد لاستضافة كأس العالم.

ويؤكد شهير أن “هذا الحراك حطّم جدار الخوف، وكشف أزمة طبقة سياسية تقليدية فاقدة للشرعية، وفشل التكنوقراط في الاستجابة للمطالب الاجتماعية”، كما أظهر “غياب وسطاء ومثقفين قادرين على لعب دور صلة الوصل بين الشارع والمؤسسات”.

وحذّر شهير من أن “إصرار الحكومة على التقليل من شأن الحركة أو شيطنتها، يهدد توازنها السياسي على المدى الطويل”.

ويرى محللون أن “جيل زد 212” لا تخاطب فقط الحكومة أو الملك، بل توجه رسالتها أيضاً إلى ولي العهد مولاي الحسن (22 عاماً)، باعتباره من أبناء هذا الجيل.

يقول شهير: “الحركة تحاول ابتكار لغة سياسية مباشرة تتوجه إلى ولي العهد كـ “عضو” في هذا الجيل، لتسلّط الضوء على الهوة المتزايدة بين شباب متصل بالعالم وفاعل فيه، وبين “أنماط حكم بابويه موروثة”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة