خلال ما يزيد قليلاً عن خمس سنوات، تحوّل جيريمي كوربين من زعيم لحزب العمال إلى شخصية محورية في تشكيل حزب يساري جديد قد يُلحق ضررًا بالغًا بالحزب الذي كان يأمل سابقًا في إيصاله إلى السلطة.
ففي 3 يوليو/تموز، تم الإعلان عن الحزب الجديد عندما غادرت النائبة زارا سلطانة حزب العمال وقالت إنها ستقود حزبًا مختلفًا مع كوربين.
ورغم أن هذا الحزب مازال غير موجود بعد، ولم يعرف له اسم حتى إلا أن أكثر من 800 ألف شخص انتسبوا له حتى الآن.
وأظهرت استطلاعات الرأي هذا الأسبوع أن ثلث ناخبي حزب العمال لعام 2024 سيفكرون في التصويت لحزب بقيادة كوربين وسلطانة، بالإضافة إلى أكثر من ربع أعضاء حزب العمال.
وهذا الأسبوع، أجرت ميدل إيست آي مقابلة حصرية وواسعة النطاق مع كوربين في فينسبري بارك بلندن، حيث ناقش تشكيل الحزب الجديد، وطموحاته الانتخابية، وتحديه لحكومة حزب العمال، وتورط بريطانيا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال في غزة.
حول تأسيس حزب جديد
يرتكز الحزب الجديد على “تحالف المستقلين”، وهو تجمع يضم ستة نواب مستقلين، يتمتعون بتجمع برلماني أكبر من حزب “إصلاح المملكة المتحدة”، وانضمت إليه مؤخرًا زارا سلطانة بعد انتخابات يوليو/تموز 2024.
ويوضح كوربين: “لدينا توجه سياسي متشابه إلى حد كبير، فيما يتعلق بغزة، لا يوجد أي خلاف على الإطلاق، ونحن بشكل عام نسير في نفس الاتجاه فيما يتعلق بقضايا العدالة الاقتصادية والاجتماعية”.
وأضاف عن شراكته مع زارا سلطانة: “نعمل معًا، نتشارك استراتيجياتنا في كيفية طرح الأسئلة [في البرلمان وإنجاز المهام”.
ويضيف: “إذا طرأ أي أمر لا نتفق فيه جميعًا، فلا بأس، سنطرح وجهات نظرنا الخاصة، ولا نهاجم بعضنا البعض”.
ومن المرجح أن يُعقد مؤتمر تأسيسي للحزب الجديد في نوفمبر/تشرين الثاني، حيث سيصوت الأعضاء على عدة قضايا من بينها تسمية الحزب الوليد.
وقال كوربين: “لقد انضم مئات الآلاف لنا، لن يصبحوا جميعًا أعضاء، لكن الكثيرين سينضمون، وهذا أمر مثير للاهتمام”.
ويطرح كوربين خمسة مبادئ قال إنها أساس الحزب، أولها هو السلام: “لذلك، لا قنابل تُسقطها إسرائيل على غزة، على سبيل المثال”.
أما المبادئ الأخرى فهي “تتعلق بالعدالة الاقتصادية في مجتمعنا، وبالتعامل مع أسوأ آثار الفقر فيه وبالاستدامة البيئية وبالملكية العامة للخدمات القومية”.
ويضيف: “لكنها تتعلق أيضًا بنوع الإبداع والديمقراطية التي نتمتع بها، لذا، عندما تجمع الناس في مسعى إبداعي، من خلال المنتديات المحلية والديمقراطية الشعبية، فإنك تهزم اليمين المتطرف وتهزم العنصريين”.
وتابع: “على نايجل فاراج أن يدرك تمامًا أننا موجودون ونقدم شيئًا مختلفًا لا يستطيع هو تقديمه، نحن نقدم الأمل.”
القيادة المشتركة
من أكثر الجوانب غرابةً في الحزب الغموض المحيط بقيادته، فرغم أن الكثير من التعليقات الإعلامية تميل إلى تصوير كوربين وسلطانة كقائدين مشاركين، إلا أن هذا ليس بالأمر المؤكد.
وحول ما إذا كان كوربين يرى نفسه قائدًا؟ رد مازحاً: “أنا شاب!”، ثم، وبجدية أكبر، أشار إلى أنه لن يتولى دورًا قياديًا إلا إذا رغب الأعضاء في ذلك.
“أريد أن أرى تحولاً في مجتمعنا وهذا ما سأفعله لبقية حياتي، أيًا كانت الوظيفة التي يريدني الناس أن أقوم بها فسأفعلها، أريد أن أرى تغييرًا، أريد أن أرى عدالة اجتماعية،” – جيريمي كوربين
ومن بين القضايا الرئيسية التي أزعجت الحزب الشعور بأن كوربين وسلطانة ليسا على وفاق فعلي، فمن جهة، خصص كوربين يوماً كاملاً لمتابعة إعلانها الأولي عن حزب جديد في يوليو/تموز، وكان بيانه أكثر غموضاً.
ثم، خلال عطلة نهاية الأسبوع، نُشرت مقابلة أجرتها سلطانة مع مجلة “نيو ليفت ريفيو” وجهت فيها انتقادات لاذعة لقيادة كوربين لحزب العمال.
وأشارت سلطانة إلى أن كوربين قد رضخ لتبنيه تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست المثير للجدل لمعاداة السامية، والذي يقول النقاد إنه استُخدم لمساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية.
وقال: “أعتقد أنه لم يكن من الضروري لها أن تطرح كل ذلك في المقابلة، لكن هذا ما قررت فعله”.
وبشأن تبني الحزب تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA)، قال كوربين: “شخصيًا، كنتُ أميل أكثر لإعلان القدس، الذي ينص ببساطة على أن معاداة السامية خطأ”.
وأوضح: “من الخطأ أن تكون معاديًا للسامية، ومن الممكن تمامًا مناقشة سياسات وسلوك دولة إسرائيل دون أن تكون معاديًا للسامية”.
وأردف: “يفعل الناس ذلك طوال الوقت، في الواقع، يفعله الكثيرون في إسرائيل طوال الوقت، ولذلك سيكون لحزبنا موقف حازم مناهض للعنصرية.”
وقال كوربين إنه يود أن يتبنى الحزب الجديد “إعلانًا عامًا لاحترام جميع الطوائف، وجميع الأعراق، وجميع اللغات، وجميع الأديان، وحتى اللادينيين”.
طموحات الحزب الجديد الانتخابية
وعلى الرغم من الخلافات الظاهرة بين قيادات الحزب، إلا أنه حقق بانتظام نسبة تأييد تتجاوز 10% في استطلاعات الرأي.
وإلى جانب صعود حزب “إصلاح المملكة المتحدة” الشعبوي اليميني وانهيار حزب المحافظين، فقد يفوز الحزب بعشرات المقاعد ويُسرّع من انهيار نظام الحزبين القديم.
ويقول كوربين أن على وزراء حزب العمال يجب أن يشعروا بالقلق من صعود حزبه، ومن بينهم وزير الصحة ويس ستريتينغ، الذي يتذكر كوربين أنه “لم يكن مفيدًا لي على الإطلاق خلال فترة رئاستي”.
ويقول كوربين: “كان لديه تصريح جاهز في كل مناسبة، وكان دائمًا ما يُدينني ويُقوّض مكانتي”.
وكاد ستريتينغ أن يخسر مقعده في انتخابات عام 2024 أمام المرشحة البريطانية الفلسطينية المستقلة، ليان محمد، التي واصلت منذ ذلك الحين حملتها في دائرة إلفورد الشمالية، بما في ذلك إلى جانب كوربين.
يقول كوربين: “كنتُ في إلفورد مع ليان محمد، وعقدنا اجتماعًا عامًا ضخمًا ترأسته، كان الجو رائعًا للغاية، وقد أُعجبتُ بالتنوع العمري والعرقي في الاجتماع، وكان ذلك مثالًا على تحالف الدعم الذي شكّلته في إلفورد”.
وتابع: “لذا أعتقد أن لدى ستريتينغ ما يدعو للقلق هناك، لكن ربما يبحث عن دائرة انتخابية أخرى، من يدري؟”
وسأل ميدل إيست آي عن رئيس الوزراء كير ستارمر نفسه؟ سيما وأن أندرو فاينشتاين، الحليف المقرب لكوربين، ترشح كمستقل، وقلص بشكل كبير من أغلبية ستارمر في مقعده بوسط لندن في انتخابات عام 2024، حيث حصل على 7312 صوتًا.
وقد أجاب كوربين على هذا السؤال بقوله: “أندرو ناشط بارز، ولديه خلفية سياسية مثيرة للاهتمام، إنه نائب سابق عن حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، وهو يهودي”.
وأضاف:” فُقد الكثير من أفراد عائلته في المحرقة، ولديه تعاطف كبير مع من يعانون من ضغوط، وهو داعم قوي للشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، لذا، من الصعب جدًا على ستارمر معارضة ذلك”.
ويشير كوربين إلى أن الأصوات التي فازت بها فاينشتاين في عام 2024 يجب أن تُقلق رئيس الوزراء ، مضيفاً “في الانتخابات البريطانية، عادةً ما يحصل زعيم الحزب، أو رئيس الوزراء، على تصريح شبه مجاني في دائرته الانتخابية”.
هل يمكن أن تشهد بريطانيا نهاية نظام الحزبين؟
أجاب كوربين بثقة ودون تردد “نعم”، مشيرًا إلى أن حزبي المحافظين والعمال يحصلان على حوالي 20% من الأصوات في استطلاعات الرأي لكل منهما أو ما يقارب ذلك.
وتابع: “عادةً ما يجذب نظام الحزبين ما يصل إلى 90% من الأصوات وأعتقد أن الوقت قد حان للتمثيل النسبي”.
ويضيف كوربين أنه يريد إصلاحًا أكبر للنظام السياسي، قائلاً: “دعونا نلغي مجلس اللوردات، دعونا نتخلص منه، ونجعل عدد أعضاء مجلس الشيوخ 100 أو 200 أو ما شابه ذلك”.