أثار الهجوم الذي شنّته دولة الاحتلال على الأراضي الإيرانية، وأسفر عن مقتل عدد من كبار الشخصيات في المؤسستين العسكرية والعلمية الإيرانية، موجة قلق إقليمي ودولي، وسط تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للهجوم، وحدود التصعيد، وإمكانية الرد الإيراني، وموقف الولايات المتحدة من التورط غير المعلن في المواجهة.
ولا يعد هذا الهجوم الأول من نوعه، فقد سبقته سلسلة عمليات اغتيال طالت علماء ومسؤولين إيرانيين بارزين، نُسبت إما مباشرة لدولة الاحتلال أو نُفذت بالتنسيق غير المعلن مع حلفائها الغربيين.
غير أن التطورات الأخيرة تطرح أسئلة أعمق يمكن تلخيصها في لماذا يستمر هذا الوضع؟ وكيف تحاول الولايات المتحدة أن تنأى بنفسها عنه؟ وهل يمكن لدولة الاحتلال أن تذهب إلى هذا الحد دون أن تتوقع استهداف مسؤوليها؟ وما مدى خطورة ضرب المنشآت النووية على كلا الجانبين؟
طرح موقع ميدل إيست آي هذه الأسئلة الجوهرية على خمسة خبراء في العلاقات الدولية والصراع والانتشار النووي والمنطقة بالعموم وخلص منها إلى المعلومات المدرجة أدناه.
واشنطن على الخط: إنكار وتورط محتمل
في ظل تأكيدات بأن الولايات المتحدة قد تكون اطلعت مسبقًا على العملية أو زوّدت دولة الاحتلال بالسلاح، تساءل مراقبون عن موقف الإدارة الأمريكية، خاصة بعد تصريحات السيناتور ماركو روبيو التي نفى فيها أي تورط أمريكي.
وفي هذا السياق، يرى جمال عبدي، رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي، أن “الهدف من النأي الأمريكي بالنفس عن العملية هو خلق رواية يمكن من خلالها منح إيران وسيلة لحفظ ماء الوجه عند مواصلة التحدث مع الولايات المتحدة”، وأضاف: “لا أعتقد أن ذلك سينجح، ترامب تجاوز هذا عندما نسب الفضل لنفسه”.
أما أنتوني وانيز- سانت جون، أستاذ فضّ النزاعات في الجامعة الأمريكية، فقال إن الموقف الأمريكي محاولة للتلاعب اللغوي: “هذا يعني أننا لم ندعم الهجوم من الناحية العملية”.
هل الضربات استباقية أم وقائية؟ وهل تبرر الحرب؟
توصف الضربات التي تنفذها دولة الاحتلال أحيانًا بأنها “وقائية” أو “استباقية”، لكن الخبراء يرون فيها أعمال حرب صريحة.
وحول ذلك يقول وانيز- سانت جون: “هذه بالتأكيد أعمال حربية، لا شك في ذلك”، مؤكداً أن لا دولة يحق لها الاعتداء قانونياً على أخرى.
أما سام راتنر، مدير السياسات في منظمة “الفوز بدون حرب”، فقال: “الضربة الوقائية مصطلح خاطئ، هذه حرب اختارها نتنياهو”.
من ناحيته لا يعتبر مايلز بومبر، الزميل في مركز جيمس مارتن لعدم الانتشار الهجوم “مجرد ضربة استباقية كتلك التي شنتها دولة الاحتلال في حرب 1967، بل هي محاولة لإيقاف تهديد طويل الأمد”، مشيراً إلى أن “الوقائية” تعني استهداف خطر غير وشيك.
اغتيالات خارج القانون وازدواجية المعايير الدولية
ولا تزال سلسلة الاغتيالات التي نفذتها دولة الاحتلال في الخارج تمر بصمت دولي مريب، بل وتجد أحيانًا دعمًا ضمنيًا.
وفي هذا الصدد يوضح عبدي أن “دولة الاحتلال تتمتع بسلطة سياسية كبيرة ولديها أصدقاء أقوياء، أبرزهم الولايات المتحدة”، فيما تشير نجار مرتضوي، مقدمة بودكاست “إيران”، إلى أن “الدعم الغربي شمل المال والسلاح وحتى الحماية الدبلوماسية في مجلس الأمن”.
بدوره قال راتنر: “في حقبة ما بعد 11 سبتمبر شهدنا تآكلًا في المعايير التي تحظر الاغتيالات، سواء من جانب دولة الاحتلال أو الولايات المتحدة، وهذا أمر خطير على مستقبل الدبلوماسية والسلام”.
هل ترد إيران بالمثل؟
ورغم ارتفاع وتيرة التصعيد، يرى الخبراء أن إيران تواجه صعوبات عملية في تنفيذ عمليات مماثلة داخل دولة الاحتلال، إذ يقول وانيز-سانت جون: “الأمر يتطلب بنية تحتية معلوماتية واستخباراتية هائلة، لا أعتقد أن إيران تملكها”.
غير أن عبدي يحذر من غياب المحاسبة الدولية قائلاً: “إذا لم تكن هناك قوانين، فسيكون بمقدور أي طرف تنفيذ اغتيالات دون عقاب”.
أما مرتضوي فأضافت: “التعامل مع إيران سيكون مختلفًا تمامًا، تخيلوا لو أن إيران قتلت مسؤولين إسرائيليين كما تفعل تل أبيب”.
السلاح النووي: لماذا يُمنع عن إيران ويُسمح لدولة الاحتلال؟
رغم أن إيران طرف في معاهدة حظر الانتشار النووي وتخضع لرقابة وكالة الطاقة الذرية، إلا أنها تُمنع من امتلاك سلاح نووي، بينما تمتلك دولة الاحتلال برنامجًا نوويًا سريًا دون أي رقابة دولية.
وتقول مرتضوي: “إيران التزمت بعدم إنتاج أسلحة نووية، بينما تملك دولة الاحتلال عشرات الرؤوس النووية، ولا تخضع لأي اتفاقيات رقابية”.
أما راتنر، فيحذر من سباق تسلح نووي قائلاً: “كلما زاد عدد الدول التي تملك سلاحًا نوويًا، زادت احتمالات وقوع كارثة عالمية”.
ويضيف عبدي: “إذا انسحبت إيران من معاهدة حظر الانتشار، لن يمنعها أي قانون من تطوير برنامج سري، كما فعلت دولة الاحتلال، وسيصبح العالم محكوماً بشريعة الغاب”.
ضرب المنشآت النووية: لعبة نارية محفوفة بالمخاطر
وتؤكد التصريحات الأخيرة أن دولة الاحتلال تعتبر تدمير المنشآت النووية الإيرانية هدفًا استراتيجيًا، لكن الهجمات على مثل هذه المرافق قد تؤدي إلى كوارث.
وفي هذا الصدد يقول بومبر: “المنشآت المستهدفة لا تحتوي على مواد مشعة فورية، لكن قد تحدث أضرار بيئية”.
ومن جهته، يرى وانيز-سانت جون أن “المنشآت ليست عسكرية، ولا أحد ادعى أن إيران تصنع سلاحًا نوويًا الآن”، مشيرًا إلى أن الهجمات تهدف لإرسال رسائل سياسية أكثر من كونها عسكرية.
ويحذر راتنر من جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مفتوحة: “إيران أوضحت أنها سترد على أي ضربة إسرائيلية لمنشآتها النووية باستهداف مواقع أمريكية، ويبدو أن نتنياهو يسعى إلى دفع الولايات المتحدة نحو الحرب”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)