نازحو الضفة الغربية في رمضان.. معاناة مستمرة بين إذلال الاحتلال وغياب الأمل في العودة

بقلم فيحاء شلش 

ترجمة وتحرير نجاح خاطر 

ما كانت الأم الفلسطينية ميساء الناطور لتتخيل قط أنها ستقضي شهر رمضان بعيداً عن منزلها في مخيم جنين للاجئين، لكن ذلك أصبح حقيقة بعدما نزحت مع عائلتها إلى حي مجاور للمخيم منذ بدء اجتياح الاحتلال للمدينة الواقعة في الضفة الغربية في يناير/كانون الثاني.

وتواجه الناطور تواجه ظروفًا مزرية في شهر رمضان هذا العام مثل عشرات الآلاف من النازحين في مخيمات شمال الضفة الغربية الذين يفقدون القدرة على تلبية احتياجاتهم ولا يزال العديد منهم يعيشون في مراكز إيواء.

وقالت الناطور لموقع ميدل إيست آي: “قضيت أكثر من 40 يوماً بدون غاز للطهي، وحتى الآن ليس لدي غسالة، واضطر إلى غسل الملابس في منزل أحد الجيران، ولا توجد مكونات بسيطة، ولا حتى طعام مناسب لأطفالي، ويشكل الإفطار والسحور اليومي تحدياً كبيراً”.

ويمثل عدم اليقين بشأن المستقبل مصدر معاناة آخر للنازحين الذين يسمعون أصوات القصف ويرون عمليات الهدم ويتابعون حرق المنازل داخل المخيمات وهم عاجزون عن معرفة ما إذا كانوا سيعودون إلى منازلهم أم أن حياتهم ستستمر في هذه الحالة من الاضطراب في المستقبل المنظور.

وكان جيش الاحتلال قد شن هجوماً واسع النطاق على مدينتي جنين وطولكرم في شمال الضفة الغربية في يناير/ كانون الثاني أدت إلى نزوح أكثر من 40 ألف فلسطيني، وفقًا للأمم المتحدة.

وخلال الشهر الماضي، أعلن وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس أنه لن يُسمح بعودة 40 ألف فلسطيني هجرتهم قواته قسراً من مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، وأمر قواته بالبقاء في المنطقة لمدة عام على الأقل.

ومنذ السابع من أكتوبر 2023، كثف جيش الاحتلال والمستوطنون هجماتهم في الضفة الغربية، مما أسفر عن استشهاد نحو 930 فلسطينياً وإصابة 7000 واعتقال 14500.

“العيش في كابوس”

هُجِّرت الناطور وعائلتها المكونة من سبعة أفراد عدة مرات، وتحملوا ظروفًا صعبة قبل اللجوء إلى مبنى سكني فارغ، حيث بقوا هناك.

فقد كانت الشقة التي انتقلوا إليها خاوية تماماً، وفي الأيام القليلة الأولى، اضطرت الناطور وأطفالها للنوم على الأرض دون فراش أو أغطية.

كانت الناطور تعيش في حي الحواشين بمخيم جنين، لكنها لم تتمكن من معرفة مصير منزلها منذ شن الاحتلال عدوانه على المخيم، موضحة “أصررت على الذهاب إلى منزلي لأرى ما إذا كان قد تعرض لأضرار، فوجدته نصف مدمر وغير صالح للسكن، وكل الأثاث قد تضرر بسبب رصاص الجنود”.

أخذت الناطور بعض أدوات الطبخ رغم تضررها، وأثناء وجودها هناك عاد جيش الاحتلال إلى المنطقة، وحاصرها مع أطفالها في منزل قريب لمدة ساعة قبل أن يتمكنوا من المغادرة.

ويتمركز جيش الاحتلال في كثير من الأحيان أمام المبنى الذي تقيم فيه الناطور وعائلتها، وهي تشعر بحزن عميق كلما رأت الدخان يتصاعد من منازل المخيم.

وقالت: “ليس ثمة مستقبل واضح، لقد بعت قطعة أرض لشراء شقة فوق منزلي كي يسكن فيها ابني، والآن تم هدم جميع منازلنا وأصبحت غير صالحة للسكن، أشعر وكأنني أعيش كابوساً وأريد أن أستيقظ”.

الإذلال في رمضان

أما بيان القرعاوي فتقيم على مشارف مخيم نور شمس بالقرب من طولكرم، والذي يتعرض لعدوان الاحتلال منذ أكثر من 20 يوماً، حيث طردها الجنود مع أفراد عائلتها وجميع أقارب زوجها البالغ عددهم 30 فردًا والذين كانوا يعيشون في خمس شقق.

وتقول القرعاوي أن مداهمة منزلها تمت بطريقة عنيفة ووحشية، حيث لم يمنحهم الجنود أي وقت لحزم أمتعتهم أو أخذ أي شيء معهم باستثناء الملابس التي يرتدونها.

وأضافت: “أجبرونا على الخروج تحت تهديد السلاح، وكان الجنود يصرخون ويدفعوننا للخروج، كانت الشوارع مجرفة ولا تناسب تحرك السيارات، كان يومًا رهيبًا”.

وبعد رحلة شاقة عبر الشوارع التي تحولت إلى أكوام من التراب، تمكنت بيان وعائلتها من مغادرة المخيم، قبل أن تفرقوا في أماكن مختلفة، حيث توجهت القرعاوي وزوجها وأطفالهما الأربعة إلى منزل والدتها في نابلس.

“كنا نعيش حياة مريحة، ولم أر قط أياً من أفراد عائلتي يطلب الطعام، ولكن الآن، خلال شهر رمضان، يواجه النازحون إذلالاً غير مسبوق، ومستقبلنا غير مؤكد” – بيان القرعاوي، نازحة فلسطينية.

وتشتتت أسرة زوج بيان ليقيموا الآن في شقق ضيقة، وقد أجبر عشرة منهم على تقاسم مساحة صغيرة، ولجأ البعض إلى مراكز إيواء في ظل ظروف قاسية.

وأضافت: “نخشى أن تُهدم منازلنا أو تُحرق، مثل كثيرين غيرنا، نحن نتابع كل خبر بقلق وخوف”.

ترك أطفال بيان المدرسة منذ اجتياح مخيم طولكرم المجاور لنور شمس قبل أكثر من 40 يومًاً، وهم الآن يبدون بائسين بلا مكان للعب ولا تعليم ولا وصول إلى الحقوق الأساسية.

محاصرون في المخيم

وعلى عكس العديد من سكان مدن الضفة الغربية التي تعرضت للهجوم، رفض ثائر دراغمة وعائلته مغادرة منزلهم في مخيم طولكرم، واضعين أنفسهم في دائرة خطر مستمرة.

وقال دراغمة لـ “ميدل إيست آي” إن أكثر من 250 عائلة لا تزال في المخيم، تعيش في أحياء لا تشهد توغلات مستمرة، ولكنها لا تزال تعاني من خوف غير مسبوق على مصيرها.

وأضاف: “لقد رفضنا المغادرة لأننا كنا نعلم أنه إذا فعلنا ذلك، فلن نعود أبداً، لذلك، اخترنا البقاء، لكن في كل لحظة، نسمع إطلاق النار والانفجارات وهدم المنازل، ونرى دخانًا كثيفًا بعد حرق بعضها، وعلى الرغم من كل هذا، ما زلنا صامدين”.

ورغم تحسن كمية المساعدات التي تصل إلى سكان المخيم خلال شهر رمضان، إلا أنها لا تزال أقل من المطلوب، حيث يؤكد دراغمة أن المياه والكهرباء تنقطعان في كثير من الأحيان، ولا يوجد دعم فلسطيني رسمي لصمودهم.

وتزيد التوغلات المتكررة من قبل جيش الاحتلال من صعوبة الحياة، حيث لم يتمكن دراغمة من مغادرة منزله منذ 37 يوماً، باستثناء نزهة واحدة لمدة 30 دقيقة.

وأوضح: “لدي خمسة أطفال لم يعودوا يعيشون حياة طبيعية، لا يستطيعون الوقوف بالقرب من النوافذ، أو اللعب بصوت عالٍ، أو مغادرة المنزل، لقد تدهورت حالتهم النفسية بشكل سيء”.

ويخشى دراغمة أن يجبرهم جيش الاحتلال على الإخلاء، كما فعل مع سكان آخرين من المخيم، لكن فإن مغادرة منزله تعني له نهاية حياة عائلته في المخيم.

للاطلاع على المقال الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة