بقلم أحمد أبو ارتيمة
ترجمة وتحرير مريم الحمد
قبل أسبوع، نشر الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي إعلاناً باللغة العربية يأمر فيه السكان بمغادرة منطقة خانيونس في غزة قبيل ما أسماه “هجوماً غير مسبوق”، آمراً الفلسطينيين بالنزوح باتجاه منطقة المواصي قرب الشاطئ، بحجة أن خانيونس باتت “منطقة قتال خطيرة”!
تم إرفاق خريطة لأحياء خانيونس مع أمر الإخلاء، فظهر معظمها باللون الأحمر مع سهم يشير نحو “منطقة المواصي الإنسانية” المفترضة، وما هي إلا لحظات بعد نشر الأمر بالإخلاء، حتى امتلأت الشوارع بعشرات الآلاف من الأشخاص الذين يتجولون بلا هدف.
وصف صديقي الصحفي صالح الناطور ما شهده ذلك اليوم بالقول: “رأيت الألم والقمع يسيران مرة أخرى على شكل بشر في هذه المدينة، فقد كان الناس ينزحون في مجموعات من الشرق إلى الغرب، مثل طوفان بشري لا نهاية له مع أجساد منهكة وواهية تترنح مثل خرق ممزقة مغطاة بغبار الدمار المحيط”.
“الشوارع تعج بالألم والدموع، لا أحد يرى إرهاق أي شخص آخر فكل شخص يحمل عبئه وحزنه على ظهره ويمشي” – الصحفية إيمان بارود من غزة
وأضاف: “سمعت الناس يتجولون في الشوارع ولا يعرفون ماذا يقولون أو إلى أين يذهبون، جوعى وعطشى يبحثون عن الماء وينهارون خلال مسيرهم في الشوارع من الإرهاق والخوف”، وأشار الناطور إلى أن الكثير من الناس كانوا “محشورين في مناطق ضيقة” بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحلق فوقهم، يقول: “الناس يركضون في الشوارع والطائرات تحلق فوقهم”.
شوارع ” تعج بالألم”
لقد أظهر أحد المشاهد التي تم التقاطها بالفيديو شاباً يدفع كرسياً متحركاً لطفل معاق، يتدلى حول رقبته كيس صغير وكيس آخر مربوط إلى ظهره كما يحمل في يده كيساً به رغيفين من الخبز، وفي منتصف الطريق التي مزقها اجتياح إسرائيلي سابق وتحت أشعة الشمس الحارقة، خارت قوى الشاب فتوقف عن دفع الكرسي المتحرك وجلس في منتصف الطريق.
بجانبه كانت هناك امرأة ترتدي ثوب الصلاة وهي تحمل بطانية في يدها، فاقتربت من الشاب ومدت يدها في محاولة لمساعدته على النهوض، وهنا اختلط كلامها بدموعها وهي تقول: “نحن نموت، لو قتلونا لكان أرحم فنحن مرهقون جداً، ونحن لسنا حيوانات نحن بشر”.
في مشهد آخر، تظهر امرأة مريضة مستلقية على سرير في المستشفى ومغطاة بكومة من البطانيات، وكانت إحدى ساقيها تتدلى من جانب السرير الذي كان يسحبه 4 أشخاص على طول طريق مهشم تتناثر فيه الأنقاض، محاولين إخراجها من منطقة الخطر.
أشارت الصحفية إيمان بارود إلى أن حجم المأساة أصبح أكبر من أي كلمة يمكن أن تعبر عنها، فقالت: “أشعر بالمرض بسبب الرعب الذي شهدته في الشوارع فأنا لا أستطيع وصفه، فأنا أشعر بالصدمة عند رؤية الأمهات والأخوات اللاتي أرهقن من المشي وقررن النوم على جوانب الطريق الرئيسي داخل أكشاك البائعين الفارغة من البضائع”.
تقول بارود: “صورة الأطفال وهم نائمون توحي بحجم العذاب وليس الراحة، فرؤوسهم ترتاح في حضن أمهاتهم وأجسادهم الهشة النحيلة الجائعة ترقد على الرصيف”.
وأضافت بأنها وبعد أن عاشت كل فصل من فصول هذه الحرب، فإن الفظائع الأخيرة لا تشبه أي شيء شهده سكان غزة من قبل، تقول: “الشوارع تعج بالألم والدموع، لا أحد يرى إرهاق أي شخص آخر فكل شخص يحمل عبئه وحزنه على ظهره ويمشي”.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)