بقلم بيلين فرنانديز
ترجعنا الكاتبة بيلين فرنانديز في هذا المقال إلى جذور القصة التي ربطت نتفليكس بالدعاية لصالح إسرائيل منذ إطلاقها عام 2016، والتي بدأت من تغريدة إسرائيلية باركت فيها لنتفليكس إطلاقها في إسرائيل، مشجعة الإسرائيليين على الاشتراك بها، وبالمقابل لم تتردد نتفليكس في الانخراط في منظومة الدعاية الإسرائيلية “الهاسبارا”.
احتفال الموساد
تبدأ فرنانديز بإثبات هذه العلاقة ببعض الأمثلة التي أنتجتها نتفليكس لصالح إسرائيل بالفعل، معتبرة أن أهمها مسلسل “الجاسوس” بأجزائه الستة، والذي يتحدث عن الجاسوس الإسرائيلي الذي تم إعدامه في دمشق في ستينيات القرن العشرين، إيلي كوهين، والذي يظهر فيه كوهين محباً وإنسانياً وبطلاً قومياً، مع “إغفال تاريخ إسرائيل الدموي وإظهار الإسرائيليين في المسلسل بدور الضحايا الذين يحاولون الدفاع عن أنفسهم فقط” تضيف فرنانديز بسخرية.
تهدف البروباغندا الإسرائيلية إلى قلب الحقائق ليصبح الغالب مغلوباً بشكل ما!
وتشير فرنانديز إلى أنه حين يبحث شخص ما على الشبكة تحت مسمى “إسرائيل” كما تقول، يجد خيارات عديدة، مثل مسلسل “داخل الموساد” الذي يتحدث عن عميل في الموساد الإسرائيلي يتراجع عن التقاعد ليبحث عن مقاتل فلسطيني كان يعتقد أنه سبق أن قتله، و”المسلسل بالتأكيد يصور المقاتل أبو أحمد بالإرهابي الذي قتل العديد من الإسرائيليين، فيما تتناسى نتفليكس حقيقة أن إسرائيل قتلت أكثر من ألفي فلسطيني بينهم نساء وأطفال في قصفها لغزة عام 2014″ بحسب تعبيرها.
وترى فرنانديز أن البروباغندا الإسرائيلية تهدف إلى قلب الحقائق بين الغالب والمغلوب بشكل ما، فيبدو إرهاب الإسرائيليين المنظم تجاه الفلسطينيين طبيعياً، في الوقت الذي يعتبر فيه قتال هؤلاء الفلسطينيين الذين سلبت أرضهم منذ أكثر من 7 عقود معتدين!
أين الأخلاق في القصة؟!
وتستمر ما تطلق عليها فرنانديز “قائمة نتفليكس” في الدعاية لإسرائيل، من خلال فيلم “الملاك 2018” و “الجاسوس الذي سقط إلى الأرض 2019″، ويتحدثان عن المصري أشرف مروان صهر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
ويذكر الكتاب الإسرائيلي ” جواسيس ضد هرمجادون: داخل أسرار حرب إسرائيل”، أشرف مروان باعتباره الوسيط المدبر لعملية ليبية مصرية فلسطينية مشتركة عام 1973 لإسقاط طائرة إسرائيلية رداً على قيام إسرائيل بإسقاط طائرة ليبية وقتل 105 أشخاص على كانوا على متنها، حيث كان مروان المسؤول عن إيصال الأسلحة إلى المقاتلين الفلسطينيين لكن الخطة فشلت، ويقول الكتاب أن “ما لم يعرفه الفلسطينيون والليبيون والمصريون في وقتها هو أن مروان كان جاسوساً للموساد”!
وتشير فرنانديز بسخرية إلى أن “قصة كهذه ربما تغري العربي للتجسس لصالح إسرائيل ليصبح نجماً على نتفليكس بعد وفاته، ولكنها في الوقت نفسه تثبت أن إسرائيل لم تكن بحال الدفاع عن النفس كما تدعي بأي حال من الأحوال”.
وفي مثال درامي آخر، نرى مسلسل “عندما يطير الأبطال 2018″، والذي يتحدث عن 4 جنود إسرائيليين متقاعدين يعانون من صدمة نفسية بعد الحرب مع لبنان عام 2006، بسبب القتل والدمار الذي عايشوه، ولكن الفكرة توضع في قالب من “المتعة” كما أسمتها صحيفة هآرتس الإسرائيلية في مقال لها حول المسلسل، والذي اعتبرته “مضحكاً” مثل مسلسل “فوضى” الإسرائيلي الشهير، “فلا شيء أكثر إمتاعاً من الحديث عن الصدمة والحرب” تقول هآرتس!
وتأتي فرنانديز إلى مثالها الأخير مسلسل “منتجع البحر الأحمر”، الذي يتحدث عن جهود ذوي العرق الأبيض داخل الموساد في جلب اليهود الإثيوبيين في ثمانينيات القرن العشرين عبر السودان إلى ما يسمى “الأرض الموعودة”، والتي يتبين لاحقاً أنها ليست موعودة أبداً حين يتعرض الإثيوبيون فيها للعنصرية من قبل الشرطة ويتم إقحامهم في منظومة المخدرات.
مشهد مشين
تسخر فرنانديز في مقالتها من حقيقة أن الإسرائيليين يتباكون على القتل والتهجير لليهود في إثيوبيا باعتبارهم ضحايا، فيما يتناسون أن إسرائيل قامت بالأصل على القتل والتهجير لآخرين، فالنكبة التي تسببت في تدمير القرى الفلسطينية وقتل أكثر من 15 ألف فلسطيني وتهجير 750 ألفاً آخرين عام 1948، هي التطهير العرقي بعينه!
وبالعودة إلى مسلسل “منتجع البحر الأحمر” تقتبس فرنانديز من مشهد مشين تقول فيه عميلة إسرائيلية شقراء ” ألسنا كلنا لاجئين بشكل ما؟!”، ثم ينتهي الفيلم بالإشارة إلى 65 مليون لاجئ حول العالم، “وكأنه يجب علينا أن نشكر إسرائيل لأنها لم تتسبب إلا بمأساة 7 ملايين منهم فقط” تقول فرنانديز ساخرة.
وتؤكد الكاتبة أنها عندما حاولت البحث تحت مسمى “فلسطين أو سوريا أو لبنان” في نتفليكس، لم تظهر إلا نتائج لإنتاجات تخدم الدعاية الإسرائيلية، وعندما حاولت البحث تحت مسمى “النكبة” ظهر “منتجع البحر الأحمر”!
فرنانديز تواصلت مع نتفليكس لتنتقد الشبكة حول محتواها الذي يخدم البروباغندا الإسرائيلية، فجاءها الرد التالي: ” نحن نهدف إلى الترفيه وليس السياسة أو الدعاية، نتفهم أن الكثير من المستخدمين لن تعجبهم إنتاجاتنا، ولذلك نقدم محتوى متنوعاً للعالم لأننا نعتقد أن القصص العظيمة تأتي من أي مكان، نحن نضع بين أيدي المشتركين التقييمات والمعلومات التي تساعدهم في اختيار ما يناسبهم”.
وجود محتوى باللغة العربية على نتفليكس لا يعني أبداً أن الشبكة قامت بشيء لإظهار الجوانب الإنسانية في الصراع الفلسطيني
وتشير فرنانديز إلى أن وجود المحتوى العربي في برامج نتفليكس مثل “كوميديون حول العالم”، والذي يشارك فيه 47 كوميدياً من الشرق الأوسط، لا يرقى إلى ما تقدمه للدعاية الإسرائيلية، فوجود المحتوى العربي لا يعني أبداً أن الشبكة قامت بشيء لإظهار الجوانب الإنسانية في الصراع الفلسطيني.
تلخص فرنانديز رأيها في نهاية المقال، معتبرة أن انخراط نتفليكس في الدعاية لإسرائيل وتربحها من ذلك، لا يعفيها من المشاركة في عنف إسرائيل المستمر منذ 7 عقود ضد الفلسطينيين.