بقلم ايمان فرج الله
ترجمة وتحرير نجاح خاطر
تعيش النساء الفلسطينيات على وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة ويقاسين الحزن والصدمة والخوف في واقعهن اليوم.
وطوال 137 يوماً وحتى الآن، حُرمت النساء الفلسطينيات من الوصول إلى الاحتياجات الصحية الحيوية المتعلقة بأمور الدورة الشهرية ورعاية الحمل، مما يجعلهن عرضةً لمخاطر صحية متزايدة، لا سيما من يقمن منهن في ملاجئ مؤقتة مثل الخيام وغرف المدارس.
وتقود ظروف الشتاء القاسية الحالية إلى تفاقم معاناة النساء اللاتي يواجهن نقص الملابس والبطانيات الشتوية، كما أصبح الوصول إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي ومنتجات النظافة محدودا للغاية، مما يزيد من تعريض صحة المرأة للخطر وإمكانية الإصابة بالعدوى، في حين باتت خصوصية المرأة ترفاً لا يمكن تحصيله في ظروف الازدحام.
ويؤدي النقص في أدوية تسكين الآلام والعلاجات الأساسية، إلى جانب الطلب الهائل على خدمات الرعاية الطبية بين النازحين إلى تفاقم الوضع المتردي من الأساس.
إن الشعور الحتمي بانعدام الأمن في ظل استهداف المستشفيات والعيادات يكثّف من الشعور بالخوف المستمر ويفاقم الآثار النفسية والصحية طويلة المدى التي تواجهها النساء الفلسطينيات.
وقد ترك تغييب خدمات الدعم النفسي المتخصصة بسبب تدمير المرافق مثل مركز صحة المرأة في مخيم البريج العديد من النساء والأطفال دون سبل أساسية للحصول على الرعاية، وإلى جانب الصعوبات الاقتصادية وعدم كفاية التغذية، فإن محنة هؤلاء باتت هائلة.
الخجل والإحراج
وعلاوة على الآثار الجسدية فإن الفلسطينيات في غزة يعانين الضيق العاطفي والشعور بالإحراج الذي يؤدي إلى تآكل إحساسهن بالكرامة وتقدير الذات، كما يدفع نقص الإمدادات الطبية الأساسية إلى تفاقم شعورهن بالعجز واليأس، مما يجعلهن عرضة لمجموعة من تحديات الصحة العقلية، بما فيها القلق والاكتئاب واليأس.
وتوضح سناء أبو راس وهي إحدى النازحات من شمال غزة طبيعة المعاناة التي تواجهها الأمهات اللاتي يرعين بناتهن ذوات الاحتياجات الخاصة، حيث تواجه ابنتها ريهام مصاعب شديدة أثناء الدورة الشهرية بسبب إصابتها بالتوحد.
كما أن ندرة الإمدادات الأساسية والجلسات النفسية المنتظمة تزيد من العبء على الأمهات اللاتي ينشئن ملاذات مؤقتة داخل أماكن معيشتهن الضيقة لتوفير ما يشبه الخصوصية والراحة وسط فوضى النزوح.
وقالت سناء: ” أنتظر المساعدة الشحيحة التي يقدمها الملجأ، والتي تكاد تنعدم لعدة أيام في بعض الأحيان، وقد زاد انقطاع ريهام عن الجلسات النفسية العبء، فابنتي تحتاج إلى مساحة خاصة بها، لذلك قمت بتغطية طاولة بالبطانيات لمحاولة التخفيف من معاناتها ومنحها بعض الخصوصية”.
ترتبط السلامة النفسية للنساء الفلسطينيات بشكل معقد بأمور صحتهن الخاصة، والتي انقلبت رأساً على عقب بسبب الظروف المضطربة، حيث تسببت الحرب الإسرائيلية المروعة في انتشار الخوف والقلق وفقدان الروابط الاجتماعية الحيوية اللازمة للتعافي.
وتظهر هذه الشدائد بطرق مختلفة أثناء فترة الحيض، وقد أبلغت النساء اللائي لجأن إلى مدرسة الأمم المتحدة في دير البلح عن عدم انتظام الدورة الشهرية وطول فترات الحيض وحتى انقطاعه لعدة أشهر.
وتلخص قصة ريهام طبيعة النضال الذي تخوضه نساء غزة يومياً، وتؤكد الحاجة الملحة إلى توفير أنظمة دعم شاملة وموارد تلبي الاحتياجات النفسية للرعاية الصحية الخاصة بالنساء وسط الأزمة الإنسانية المتواصلة.
حرمان من الضروريات الأساسية
وتتفاقم محنة النساء الفلسطينيات الحوامل أيضاً بسبب الظروف المدمرة للحرب الإسرائيلية المتواصلة، حيث يتطلب الحمل رعاية شاملة تشمل الدعم الجسدي والعاطفي والاجتماعي والثقافي لتسهيل عملية الحمل والمخاض والولادة.
ورغم ذلك، فإن البيئة النفسية غير المستقرة والقصف المستمر والخوف الذي تعيشه النساء الفلسطينيات في غزة كلها عوامل تؤدي إلى نتائج مأساوية مثل الإجهاض وفقدان الأرواح والأجنّة بسبب الاستهداف المباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وقد شاركت آلاء محمد، وهي امرأة تبلغ من العمر 22 عامًا من خان يونس، تجربتها المخيفة المتمثلة في نقلها إلى مدارس الأونروا بحثًا عن الأمان أثناء حملها في شهرها الخامس، لتضطر إلى الانتقال إلى رفح بالقرب من الحدود المصرية وسط هجمات متواصلة.
ووصفت آلاء بالتفصيل همجية قوات الاحتلال الإسرائيلية التي لم تبد أي اهتمام بالظروف الخاصة للنساء الحوامل، حيث أجبرتهن على النزوح دون تأمين احتياجاتهن الخاصة وعلى مواجهة ظروف عنيفة محفوفة بالمخاطر والتهديدات
ففي رفح، ساء وضع آلاء حيث لجأت للعيش في خيمة مؤقتة، واضطرت إلى احتمال درجات الحرارة المتجمدة والحرمان من الضروريات الأساسية، وغياب الرعاية الطبية المناسبة بما فيها إجراء الفحوصات السابقة للولادة والحصول على التغذية الكافية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم التحديات التي تواجهها مع اقتراب موعد ولادتها.
وأصبح الوصول إلى مستشفى الولادة مهمة شاقة، حيث عاشت آلاء ساعات من الألم عند وصولها إلى مستشفى الولادة الإماراتي المكتظ بالنازحين.
أجبرت ظروف الاكتظاظ في المستشفى آلاء على المغادرة بعد وقت قصير من ولادتها لتعود إلى ملجأها غير المهيأ ومعها الحد الأدنى من الإمدادات اللازمة لها ولطفلها حديث الولادة، فبات الاثنان يكافحان يومياً في سبيل البقاء.
العمليات القيصرية بدون تخدير
ويزداد الوضع تعقيداً عندما تخضع المرأة لعملية قيصرية لتلد طفلها، وهذا بحد ذاته يمكن أن يرفع مستويات التوتر النفسي بشكل كبير.
ومع اقتراب موعد الولادة المتوقع، فإن الخوف والقلق والتوتر الذي يزداد بسبب الاستهداف المستمر للمستشفيات الفلسطينية يزيد من معاناة النساء الفلسطينيات الحوامل.
وفي كثير من الأحيان، تكتشف النساء اللاتي ينجحن في الوصول إلى المستشفى لإجراء عمليات الولادة المقررة أن إجراءاتهن قد تم إلغاؤها بسبب العدد الهائل من الضحايا الذين يجب على المستشفى التعامل معهم بشكل طارئ.
وقالت رمانة علي: ” فوجئت بتأجيل عمليتي القيصرية مراراً وتكراراً، لكني بقيت أواجه المزيد من التأجيل مع عودتي كل مرة إلى المستشفى، لقد تحملت أربع رحلات دون جدوى حتى وضعت طفلي أخيراً”.
وقد كانت صدمة رمانة علي كبيرة عندما اكتشفت يوم ولادتها عدم وجود مخدر متاح للعملية فطلبت من الطبيب التوقف عن إكمال العملية بسبب ذلك، رغم أن هذا كان من شأنه أن يعرض سلامتها وسلامة طفلها للخطر.
ولم تؤد آثار العملية إلا إلى تعميق آلام رمانة الجسدية والنفسية، فهي لم تتلق رعاية أساسية بعد العملية الجراحية مثل تناول الأدوية والمضادات الحيوية ومسكنات الألم، بل إن الخوف والقلق بشأن المضاعفات الصحية المحتملة والالتهابات قد استهلكا حالتها.
وبسبب عدم كفاية الرعاية الصحية، فقدت رومانا طفلها، وهي لا تزال تعاني من الصدمة النفسية والاكتئاب والألم الدائم الناجم عن هذه الخسارة المأساوية.
تؤكد التجارب المفجعة والمرعبة التي عاشتها ريهام وآلاء ورمانة على الحاجة الملحة لإنهاء الحرب وتمكين الأسر النازحة من العودة إلى ديارها وإعادة بناء حياتها.
إنه نداء من أجل الإنسانية والعدالة وسط فوضى هذه الحرب الضروس، وتردد صدى الأمل في مستقبل تستطيع فيه المرأة الفلسطينية أن تحيا وتمنح الحياة لأطفالها بكرامة وأمن وسلام، مثل كل أمهات العالم.
للاطلاع على النص الأصلي من (هنا)