كشف رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن حكومته سعت في تسعينيات القرن الماضي للحصول على نقش سلوان الأثري المحفوظ في تركيا منذ عام 1883، بهدف تعزيز الرواية اليهودية في القدس، لكنها فشلت بسبب اعتراض رئيس بلدية إسطنبول آنذاك رجب طيب أردوغان.
جاءت تصريحات نتنياهو خلال فعالية في حي سلوان بالقدس المحتلة، عند ما يُعرف بـ”مدينة داود”، وهو موقع سياحي توراتي تُشرف عليه جمعية “إلعاد” الاستيطانية.
وخلال كلمته، استذكر نتنياهو لقاءه برئيس الوزراء التركي مسعود يلماز عام 1998، حين طلب منه إعادة النقش الذي اكتُشف عام 1880 ونُقل إلى متحف إسطنبول للآثار على يد العثمانيين.
وقال نتنياهو إن النقش، الذي يوثّق عملية شقّ نفق وحوض لتخزين المياه قبل نحو 2700 عام في عهد الملك حزقيا، يُعدّ “أهم اكتشاف أثري يهودي بعد مخطوطات البحر الميت”.
وأوضح أنه عرض على يلماز مبادلة النقش بأي قطعة عثمانية من متاحف دولة الاحتلال، أو حتى جميع القطع العثمانية لديها، بل وعرض أن “يدفع أي ثمن”، لكن يلماز ردّ عليه قائلا:”رئيس الوزراء نتنياهو، لا يوجد ثمن، هناك تيار إسلامي متصاعد يقوده رئيس بلدية إسطنبول آنذاك، وأنت تعرف اسمه، وسيكون هناك غضب شعبي إذا أعطينا إسرائيل لوحًا يثبت أن القدس كانت مدينة يهودية قبل 2700 عام”.
وخلال المناسبة نفسها، التي حضرها وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، دشّن نتنياهو ما يُعرف بـ”طريق الحجاج”، وهو نفق أثري محفور تحت بيوت الفلسطينيين قرب البلدة القديمة، وهناك وجّه حديثه مباشرة إلى الرئيس التركي أردوغان قائلا: “نحن هنا في مدينتنا يا سيد أردوغان، هذه ليست مدينتك، إنها مدينتنا وستبقى مدينتنا إلى الأبد، ولن تُقسَّم مرة أخرى”.
وردّ عليه أردوغان الأربعاء من أنقرة قائلا: “لقد حملت تركيا راية الإسلام قرونًا طويلة، وكان لنا شرف خدمة القدس المقدسة على مدى أربعمئة عام، نتنياهو لا يعرف هذا، أعلنها من هنا اليوم، لعلّه يتعلم، بالحكمة والتسامح جعلنا هذه المدينة أرض سلام وطمأنينة”.
وأضاف: “ربما لن ينسوا موقفنا قبل 27 عامًا حين كنت في بلدية إسطنبول، فليستمروا في نوبات غضبهم”.
محاولات متكررة
تصريحات نتنياهو فجّرت جدلًا واسعًا في تركيا، وأعادت إلى الواجهة محاولات متكررة من قبل دولة الاحتلال للاستحواذ على النقش الأثري، ففي عام 2007، طالب رئيس بلدية القدس آنذاك أوري لوبيليانسكي السفير التركي نامق تان بتسليم النقش، لكن أنقرة رفضت مؤكدة أن عثمان حمدي بك – مؤسس متحف إسطنبول للآثار – نقله حين كانت القدس أرضًا عثمانية، وبالتالي فهو ملك شرعي لتركيا.
وفي العام نفسه، طلب الرئيس شمعون بيريز من نظيره التركي عبد الله غول إعارة النقش لعام واحد، لكن العرض اقتصر على مدة أقصر، ولم يتم التنفيذ، وفي 2022، وبعد عودة العلاقات بين أنقرة ودولة الاحتلال، أعاد فريق الرئيس إسحاق هرتسوغ طرح القضية، حيث أكد مسؤولون أتراك أن وفد الاحتلال طلب النقش رسميًا، غير أن وزارة الثقافة التركية واجهت الطلب بالرفض القاطع.
وكان يحيى جوشكون، نائب المدير العام للمتاحف التركية آنذاك، قد قال حينها:”عرضتُ لهم وثيقة تسجيل نقش سلوان في متحف إسطنبول عام 1883، أي قبل قيام دولة إسرائيل بوقت طويل، و سألتهم: على أي أساس تطالبون بنقش نُقل من القدس – وكانت عثمانية حينها – إلى عاصمتنا وسُجل في متاحفنا؟ هذا النقش باقٍ عندنا وسيُحفظ في متحفنا إلى الأبد”.
قيمة أثرية وتاريخية
يرى المؤرخ التركي إرهان أفيونجو أن نقش سلوان يعد واحداً من ثلاثة نقوش مهمة في تركيا مرتبطة بالتاريخ اليهودي، وهو مكتوب بالخط الفينيقي، عُثر عليه داخل نفق سلوان المعروف أيضًا بـ”نفق حزقيا”.
وأوضح أن النقش يتكون من ستة أسطر يُعتقد أنها تصف قناة مائية بطول نحو 500 متر، جرى شقها في القرن الثامن قبل الميلاد لنقل مياه عين جيحون إلى بركة سلوان داخل المدينة.
وأضاف أن النقش كُسر جزئيًا عند اقتلاعه من موقعه وأُرسل إلى إسطنبول لحمايته من السرقة، حيث عُرض في المتحف قبل أن يُخزَّن أثناء أعمال ترميم.
ونقل موقع ميدل إيست آي عن خبير مطّلع أنه “من غير المرجح أن يعود النقش الأثري للعرض قريبًا، خشية أن تحاول دولة الاحتلال الاستيلاء عليه بطرق غير قانونية”.