ترجمة وتحرير موقع بالعربية
بعد كل هطول للأمطار، يتحول مخيم النزوح الذي يقيم فيه حمزة المتوّق إلى مستنقع. تلتصق الطين بالأحذية وتتشكل برك صغيرة بين الخيام المتهالكة، حيث ينزلق الأطفال ويكافح الآباء للبقاء جافين.
يقول الأب الفلسطيني، متحدثاً من مخيم النصيرات للاجئين في وسط غزة: “كأن الناس ينامون فوق نهر جارٍ من مياه الأمطار”.
بعد عامين من القصف الإسرائيلي المستمر ضد المدنيين، بات معظم سكان غزة البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة يخشون خطراً آخر قادماً من السماء: المطر.
المتوّق واحد من مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين اضطروا لبناء منازلهم من الخيام، بعد أن دُمّر أكثر من 80% من مباني غزة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وبعد أن عاش في مخيم نزوح مكتظ على مدى الشهرين الماضيين، كان الرجل الخمسيني وأسرته يأملون أن يجلب وقف إطلاق النار مأوى مؤقتاً يمكن لعائلته المكونة من 13 فرداً أن تقيم فيه إلى حين إعادة بناء منزلهم.
لكن انتهاكات إسرائيل للهدنة أدت إلى منع دخول الخيام والمنازل المتنقلة تقريباً منذ توقيعها قبل شهر، ما جعل المتوّق وكثيرين مثله يعيشون قلقاً متزايداً مع اقتراب الشتاء.
قال المتوّق لموقع “ميدل إيست آي”: “العالم كله ينتظر بفارغ الصبر موسم الشتاء المعتدل، أما نحن وسائر النازحين، فسيكون الشتاء لعنة تطرق أبواب خيامنا وأنقاض بيوتنا المهدمة”.
وأضاف:”هذه الخيام القديمة المهترئة التي يملكها الناس هنا لن تحميهم من البرد والمطر”.
ومع غياب أي مساعدات لتوفير المأوى، لجأت بعض العائلات إلى السوق السوداء لشراء الملابس الشتوية والخيام والأغطية البلاستيكية أو مواد لتقوية خيامهم.
لكن معظم الناس في مخيمات النزوح – كما يوضح المتوّق – هم من العائلات العاملة البسيطة التي لا تستطيع تحمّل الأسعار الباهظة في السوق السوداء.
قال: “اليوم يحتاج الجميع إلى خيام وأغطية وأفرشة وملابس، لكن ما يدخل إلى القطاع قليل جداً ولا يكفي”.
“القليل المتوفر يُباع في السوق السوداء بأسعار خيالية، تفوق قدرة الشخص العادي الذي لا عمل له ولا دخل، وقد خسر كل شيء خلال عامين من الحرب”.
“غير مقبول”
منذ أن شنت إسرائيل حربها الإبادية المستمرة منذ عامين على غزة، استهدفت غاراتها الجوية الأحياء السكنية بلا توقف، تاركة أكثر من 83% من المباني والوحدات السكنية مدمرة أو متضررة.
وبموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس الذي دخل حيز التنفيذ الشهر الماضي، كان من المفترض أن تسمح إسرائيل بدخول مئات الآلاف من الخيام والمساكن المتنقلة إلى غزة كملاجئ مؤقتة للنازحين.
لكن ذلك لم يحدث.
وقال أمجد الشوا، رئيس شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، لموقع “ميدل إيست آي”، إن إسرائيل تسمح بدخول عدد محدود جداً من شاحنات المساعدات يومياً، لا يغطي سوى أقل من 5% من الاحتياجات الأساسية للسكان.
ووصف الأوضاع في القطاع بأنها “كارثية”، مشيراً إلى أن الناس بحاجة ماسة إلى مواد الإغاثة الطارئة مثل الخيام والأغطية البلاستيكية والملابس الشتوية والبطانيات والفُرُش.
وأضاف:”يجب التحرك بسرعة لإدخال كل الإمدادات الضرورية لإنقاذ حياة الناس الذين عانوا عامين من أبشع الحروب في العصر الحديث”.
“من غير المقبول أن يُكافأ صبرهم بالإهمال، ويُتركوا يواجهون مصيرهم وحدهم دون أن تمتد إليهم يد المساعدة”.
ووفقاً للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سمحت إسرائيل بدخول 155 شاحنة فقط يومياً في المتوسط تحمل البضائع والمساعدات الإنسانية والوقود، في حين ينص اتفاق الهدنة على دخول 600 شاحنة يومياً.
الأمهات والأطفال في خطر
قال إسماعيل الثوابتة، المتحدث باسم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن عدد شاحنات المساعدات التي تدخل القطاع ما زال “محدوداً للغاية”، وإن توزيعها بطيء، بينما حاجات السكان هائلة.
وأضاف أن عدد المنظمات المسموح لها بإدخال الإمدادات الأساسية للنازحين قليل جداً.
وأوضح الثوابتة لموقع “ميدل إيست آي”: “نحن مقبلون على شتاء قد يكون الأقسى والأصعب منذ سنوات طويلة”،
مشيراً إلى أن الشتاء الماضي أودى بحياة ما لا يقل عن 17 شخصاً، معظمهم من الأطفال.
وقال: “لقد أنهكت الحرب الناس واستنزفت قدرتهم على الصمود، وهناك مخاوف متزايدة من أن تغرق العديد من مخيمات النزوح والمناطق السكنية المنخفضة بسبب تدمير البنية التحتية”.
وحذر المسؤول من أن نحو نصف مليون طفل وما يقارب 100 ألف امرأة حامل يواجهون خطر البرد والمطر هذا الشتاء في ظل غياب التدفئة والمأوى الطارئ.
“نكره الشتاء”
قالت أمل مهنا (30 عاماً)، وهي أرملة وأم لثلاثة أطفال، إن اقتراب الشتاء يملأها بالخوف.
“أنا وأطفالي، وكثير من العائلات مثلنا، أصبحنا نكره موسم الشتاء”، تقول مهنا: “نعيش قلقاً دائماً من قدومه بسبب الأزمات وظروف المعيشة القاسية التي نعانيها – وبسبب سعي الاحتلال المتعمد لخنق الحياة اليومية في قطاع غزة”.
فقدت مهنا منزلها في حي الكرامة شمال غرب مدينة غزة، بعد أن دمرته الغارات الإسرائيلية. ومنذ ذلك الحين، تنقلت هي وأطفالها مرات لا تُحصى.
“لا أستطيع حتى أن أتذكر كم مرة انتقلت من خيمة إلى أخرى، ومن مأوى إلى آخر”، تقول: “لقد كانت حرباً من نوع آخر، يعيشها كل نازح محروم من أبسط مقومات الحياة”.
وأضافت:”واجهت الموت مع أطفالي مرات عديدة، ليس فقط من الصواريخ والنيران، بل من المرض والجوع وحر الصيف ولسعات الحشرات وبرد الشتاء وانعدام النظافة”.
وتتذكر أن ابنتها مرضت في الشتاء الماضي بسبب البرد القارس ونقص الملابس والبطانيات: “كنا نتقاسم بطانية واحدة طوال الشتاء كله، ننام متلاصقين كي نحافظ على دفئنا”، تروي.
أما الآن، فقلقها يزداد مع اقتراب شتاء جديد بلا حماية: “خيمتنا مغطاة بقماش رقيق لا يصلح لسكن البشر، لكن لا خيار لدينا. الشتاء على الأبواب، ولا نملك ملابس أو بطانيات أو أي شيء يحمينا من البرد والمطر”.
للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)







