نيكولاي ملادينوف: من مبعوث أممي إلى واجهة محتملة للدور الإماراتي في غزة

ترجمة وتحرير موقع بالعربية

خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ محتجّون في بلغاريا حراكاً لإسقاط حكومة بلادهم على خلفية تفشي الفساد وأزمة غلاء المعيشة، وفي الوقت نفسه، كان أحد وزراء الخارجية السابقين في هذا البلد البلقاني يظهر في أبوظبي، متحدثًا بحماسة عن محادثات “غير مسبوقة” بشأن اتفاق اقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والإمارات.

واليوم، بات اسم الدبلوماسي البلغاري السابق ووزير الدفاع الأسبق نيكولاي ملادينوف متداولاً لتولّي منصب المسؤول الأعلى في غزة، للعمل باسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضمن ما يُعرف بـ “مجلس السلام”.

ويُقدم ملادينوف بوصفه بديلًا محتمَلًا لرئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، بعد أن أثار اسمه موجة إدانة واسعة النطاق دفعت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال إلى البحث عن خيارات أخرى.

ويعكس التباين الحاد بين الشلل السياسي في بلد ملادينوف الأم، ومسيرته المهنية في الخليج، الكيفية التي سعى بها إلى شق طريقه داخل نخب الشرق الأوسط، حيث حصد تقييمات إيجابية خلال عمله مبعوثًا خاصًا للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط.

وقال سياسي فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة لموقع ميدل إيست آي، تعليقًا على احتمال تعيين ملادينوف أنه “أفضل بكثير من البديل”.

تعكس رحلة نيكولاي ملادينوف من السياسة الأوروبية إلى الأمم المتحدة، ثم إلى الإمارات حيث تولّى إدارة أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية مسارًا بات مألوفًا لكثير من الدبلوماسيين والجنرالات السابقين الذين تستقطبهم دول الخليج الغنية بالنفط، بما في ذلك السعودية وقطر.

وقال مسؤول غربي لموقع ميدل إيست آي: “الأمر لا يتعلق بملادينوف بحد ذاته، بل بما يكشفه هذا الاختيار عن الجهة التي تتحكم في هذا المسار”.

وأضاف: “أيًّا كان من سيُعيَّن سيتعرض لانتقادات حادة، لكن ملادينوف متأثر بدرجة كبيرة بالإمارات، وبالنتيجة بدولة الاحتلال”.

سيرة عتيدة

وُلد ملادينوف عام 1972 في العاصمة البلغارية صوفيا لعائلة تنتمي إلى نخبة النظام الشيوعي. 

فوالده كان عضوًا في الجهاز الأمني الذي يكافيء في البلاد جهاز “كي جي بي” الاستخباري السوفييتي، فيما شغل عمّه منصب سفير خلال الحقبة الشيوعية.

وقال الصحفي البلغاري سفيتوسلاف تودوروف، المقيم في صوفيا، لـميدل إيست آي: “كان جزءًا من فئة من السياسيين الذين ارتبطت خلفياتهم العائلية ارتباطًا وثيقًا بالنظام الشيوعي، ثم اتجهوا إلى اليمين في تسعينيات القرن الماضي وبدايات الألفية، لقيادة مرحلة الانتقال في بلغاريا بدل البقاء أسرى ماضيهم”.

وفي عام 1999، وبينما كانت بلغاريا تتخلص من إرثها الشيوعي وتسعى للانضمام إلى أوروبا، أسس ملادينوف “المعهد الأوروبي” في صوفيا للدعوة إلى الاندماج مع الاتحاد الأوروبي، ثم عمل لاحقًا مستشارًا للبنك الدولي، والمعهد الجمهوري الدولي، والمعهد الديمقراطي الوطني.

وخلال العقد الأول من الألفية، هيمن حزب “غيرب” الشعبوي من يمين الوسط على الحياة السياسية البلغارية، وتولى ملادينوف خلال ذلك منصب وزير الدفاع بين عامي 2009 و2010، ثم وزير الخارجية من 2010 إلى 2013، كما شغل عضوية البرلمان الأوروبي بين 2007 و2009.

وورد اسم ملادينوف في تسريبات “أوراق باندورا” عام 2021، حيث أظهرت وثائق أنه أسس شركة تُدعى Afron Enterprises Ltd في سيشيل عام 2013 عبر وسطاء سويسريين. 

وقال لموقع الأخبار البلغاري bird.bg إن الشركة لم تمارس أي نشاط، وإنه أنشأها قبل انضمامه إلى الأمم المتحدة.

“أنا آتٍ من البلقان”

بعد مغادرته منصبه كأرفع دبلوماسي في بلغاريا، شغل ملادينوف منصب المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط لنحو ست سنوات، وهو منصب لم يتولَّه سوى تسعة أشخاص منذ إنشائه عام 1994 في أعقاب اتفاقات أوسلو، ويُعد ممثلًا للأمين العام للأمم المتحدة في هذا الملف.

وخلال تلك الفترة، حظي بإشادة شبه متفق عليها من مختلف الأطراف، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ودولة الاحتلال، وحركة حماس.

وفي عام 2021، قال خليل الحية، القيادي البارز في حركة حماس، لصحيفة نيويورك تايمز: “نحن فخورون بأننا عرفناه”

وكانت بلغاريا ودولة الاحتلال والأراضي الفلسطينية المحتلة جميعها جزءًا من الإمبراطورية العثمانية، كما تشكلت حدود بلغاريا الحديثة في سياق صراعات إثنية بين الأتراك واليونانيين والبلغار، فيما يرى ملادينوف أن جذوره البلقانية أسهمت في أدائه كمبعوث أممي.

وقال لصحيفة نيويورك تايمز في مقابلة وداعية عام 2021: “أنا آتٍ من البلقان، لقد غيّرنا الحدود، وتنازعنا على الأماكن المقدسة، واللغات، والكنائس، وتبادلنا السكان على مدى مئة عام، إن لم يكن أكثر، وحينما تحمل هذا الإرث، يساعدك ذلك على رؤية الأمور بشكل مختلف، فهذا ليس صراعًا يمكن الدخول إليه ورسم الحدود فيه ببساطة، إنه صراع عاطفي”.

وغالبًا ما يجري تهميش مبعوثي الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال، كان خليفة ملادينوف، تور وينسلاند، شبه غائب تقريباً عن اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة ومصر وقطر في غزة مطلع هذا العام.

غير أن ملادينوف يُنسب إليه تعزيز دور المبعوث الأممي، ففي عام 2018، عمل بالتنسيق مع مصر على التوسط في وقف لإطلاق النار بين دولة الاحتلال وحركة حماس في غزة، بحسب ما أفادت نيويورك تايمز.

وقال مسؤول عربي لـ ميدل إيست آي، كان قد التقى ملادينوف عدة مرات خلال فترة عمله مبعوثًا أمميًا: “لدى ملادينوف معرفة جيدة بالمنطقة، وعلاقات جيدة مع معظم الأطراف، وقد عمل بجد من أجل غزة في تلك المرحلة”.

دور إماراتي آخذ في التشكل؟

منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بدأت دول الخليج ترسم لنفسها أدوارًا متباينة في ملفات الإقليم، ففي سوريا، تدعم كل من السعودية وقطر وتركيا حكومة أحمد الشرع في مواجهة دولة الاحتلال، أما في اليمن والسودان، وهما بؤرتا الصراع الأكثر اشتعالًا في المنطقة، فتقف السعودية والإمارات على طرفي نقيض.

وقبل هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 التي قادتها حركة حماس ضد دولة الاحتلال، والحرب اللاحقة على غزة، كانت قطر تتصدر دعم الفلسطينيين في القطاع عبر المساعدات الإنسانية، غير أن دولة الاحتلال تعارض اليوم نشر قوات حفظ سلام تركية في غزة، كما شنّت في سبتمبر/أيلول هجومًا استهدف مفاوضي حماس في الدوحة، ما ألحق ضررًا بالعلاقات.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، تهرّب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من سؤال طرحه ترامب في البيت الأبيض حول ما إذا كانت الرياض ستموّل إعادة إعمار غزة.

وبالمثل، استبعد رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أي دور لبلاده في هذا الصدد، في مقابلة أُجريت معه في ديسمبر/كانون الأول خلال منتدى الدوحة، وقال: “لسنا من سيكتب شيك إعادة بناء ما دمّره الآخرون… إسرائيل سوّت هذه الأرض بالأرض”، في إشارة إلى القطاع المنكوب، حيث استشهد ما يقرب من 71 ألف فلسطيني.

ومن بين دول الخليج، برزت الإمارات اليوم بوصفها أكبر المانحين لغزة.

مقرّب من كوشنر؟

وقال مسؤول غربي لـ ميدل إيست آي إن ملادينوف يجري حاليًا محادثات مع مسؤولين أميركيين مقرّبين من جاريد كوشنر، صهر ترامب، بشأن دوره الجديد، وإذا ما جرى اختياره، فسيعمل وسيطًا لصالح “مجلس السلام” التابع لترامب، الذي يُتوقع أن يضم قادة عالميين وتكنوقراط فلسطينيين على الأرض في غزة.

وكان ترامب قد احتفى بما اعتبره إنجازًا عندما نجح مبعوثاه، كوشنر وستيف ويتكوف، في التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة خلال أكتوبر/تشرين الأول، غير أن خطة السلام الأميركية المؤلفة من 20 نقطة للقطاع ما تزال متعثرة.

وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، استشهد أكثر من 350 فلسطينيًا جراء مئات الهجمات التي نفذتها دولة الاحتلال في خروقات متكررة لوقف إطلاق النار، وكان ترامب نفسه قد صرّح بأن الولايات المتحدة تدرس ما إذا كان اغتيال دولة الاحتلال لمسؤول بارز في حماس داخل غزة، يوم السبت الماضي، يشكل انتهاكًا للاتفاق.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أقرّ مجلس الأمن الدولي تفويضًا لنشر قوة دولية لـ”استقرار” الأوضاع في غزة، إلا أن الدول العربية والإسلامية المتوقع مشاركتها في هذه القوة تخشى الوقوع بين نارين: حركة حماس التي لم تنزع سلاحها، وجيش الاحتلال الذي يسيطر فعليًا على نحو نصف مساحة القطاع.

وتُدار خطط إدارة ترامب لمرحلة ما بعد الحرب في غزة من تل أبيب، عبر مجموعة من المعيّنين السياسيين المقرّبين من كوشنر، ويشرف الحاخام الأميركي آرييه لايتستون على مسعى لتقسيم غزة إلى شطرين، مع إخضاع الفلسطينيين لعمليات “تدقيق” للعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الاحتلال ضمن ما يُسمى “مجتمعات آمنة بديلة”.

وأفاد مسؤولون عرب وغربيون لـ ميدل إيست آي بأن ملادينوف أقام علاقات جيدة مع كوشنر خلال مفاوضاته بشأن “اتفاقيات أبراهام” عام 2020، التي شهدت تطبيع الإمارات والبحرين والمغرب علاقاتها مع دولة الاحتلال.

وقال كوشنر لصحيفة نيويورك تايمز إن إدارة ترامب “وضعت ثقتها” في الدبلوماسي البلغاري خلال تلك المفاوضات، وأخذت بملاحظاته “البنّاءة”.

ويرى منتقدون أن تلك الاتفاقيات شكّلت خيانة من بعض الدول العربية للفلسطينيين، غير أن ملادينوف دافع عنها، معتبرًا أنها أسهمت آنذاك في منع ضم الضفة الغربية المحتلة.

وفي المقابل، صدّت السعودية الضغوط الأميركية الرامية إلى تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، وخلال اجتماع في البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني، ردّ ولي العهد محمد بن سلمان علنًا على دعوة ترامب لإبرام صفقة، مؤكدًا أن الرياض تشترط أولًا قيام دولة فلسطينية.

أما الإمارات، فقد وقفت عمومًا إلى جانب دولة الاحتلال منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، واقتصر أشد انتقاد وجّهته على التحذير من “خط أحمر” في سبتمبر/أيلول، حين كانت الحكومة الإسرائيلية تلوّح بضم الضفة الغربية المحتلة.

وقال ترامب إنه سيمنع لاحقاً دولة الاحتلال من تنفيذ ضم رسمي للضفة الغربية، غير أن إدارته لم تفرض أي عقوبات على التوسع السريع في المستوطنات، الذي يمثل ضمًا فعليًا على الأرض، بحسب خبراء.

وكتب ملادينوف في مقال نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني: “كانت الدبلوماسية الإماراتية عنصرًا أساسيًا في وقف مخططات إسرائيل لضم الضفة الغربية عامي 2020 و2025”.

ودعا إلى تعميق “اتفاقيات أبراهام”، مروجًا لإمكانية إنشاء “منطقة تجارة حرة إقليمية، وصناديق استثمار مشتركة لإعادة الإعمار، ومشاريع لتعزيز القدرة على التكيّف مع تغيّر المناخ”.

للإطلاع على النص الأصلي من (هنا)

مقالات ذات صلة